لم يلتئم بعد، جرح عائلة الشهيد فؤاد أبو رجب من القدس، رغم مضي نحو عامٍ على ارتقائه شهيدًا، فالعائلة التي انتظرت 77 يومًا لاستلام جثمان نجلها من ثلاجات الاحتلال، ومواراته الثرى، طُردت من القدس كعقوبةٍ جماعيةٍ أوقعها الاحتلال بحقها، كما تتواصل معاناتها مع السلطة الفلسطينية أيضًا، التي ترفض الاعتراف بنجلها كشهيد.

الشاب فؤاد أبو رجب التميمي (21 عامًا) من العيساوية، قُتل إثر اشتباكٍ مسلحٍ في القدس، خلال تنفيذه عملية إطلاق نار جاءت بعد وقتٍ قصيرٍ من استشهاد فدوى أبو طير في البلدة القديمة، في عملية إعدام ميداني نفذتها شرطة الاحتلال، وادعت حينها أنها تمت نتيجة الاشتباه بنيتها تنفيذ عملية طعن. 

لكن السلطة الفلسطينية، ترفض بشكلٍ قاطعٍ منح عائلة الشهيد شهادة وفاة تقر فيها بأن سبب وفاته هو قتله برصاص الاحتلال، بل تريد أن تحدد السبب بوفاته داخل البيت.

ويقول عبد الله أبو رجب والد الشهيد فؤاد، بأن المعاناة بدأت منذ استلام العائلة جثمان نجلها، إذ حدث جدلٌ حينها حول تشريح الجثمان، في ظل إصرار العائلة على "تصويره إشعاعيًا"، وانتظار العائلة وأصدقاء الشهيد في المجمع الطبي لاستلام جثمانه من أجل إلقاء نظرة الوداع عليه، ومواراته الثرى، قبل أن يُحسم الأمر بقول أحد أعضاء النيابة له: "خذ شهيدك وروح"، وهو ما يعتبره أبو رجب استهتارًا بالشهيد وأهله.

ويبين أبو رجب لـ"ديلي 48"، أن السلطة تبرر عدم إصدارة شهادة الوفاة بأنه لم تتم معاينة جثمان الشهيد طبيًا، ويعلق على ذلك قائلاً: "أنا ما جبت حدا من الشارع أو جثة على جنب الطريق حتى يصدرولها شهادة وفاة! قدمت لوزارة العدل فيديو استشهاد ابني، وذهبت لهم بدل المرة 10، وكل مرة بحكولي إنه الملف وصل للوزير ورفض يمضي عليه".

ويضيف، "أدخلنا عدة واسطات لإقناع الوزير بالتوقيع على إصدار شهادة وفاة، هذه قمة التعاسة، ومع ذلك رفض الوزير أن يوقع"، مؤكدًا، أنه أبلغ الجهات المختصة بوضوح أنه لن يستلم أبدًا أي شهادةٍ لا يُكتب فيها أن ابنه استشهد برصاص الاحتلال، "لن أبرئ الاحتلال من دم ابني".

وفي محاولةٍ منها لإنصاف نجلها، قررت العائلة اللجوء إلى القضاء، وأوكلت القضية إلى المحامي مهند كراجة، الذي أوضح لـ"ديلي 48"، أنه سيتم إرسال إخطاراتٍ إلى وزارة الداخلية ووزارة العدل، بشكلٍ رسميٍ، وفي حال رفض الجانبين الاستجابة، فإنه سيتوجه إلى محكمة العدل العليا.

وأوضح كراجة، أن هذه الدعوى ستكون الأولى من نوعها أمام القضاء الفلسطيني، لكنها ليست القضية الأولى، مؤكدًا، أن هناك حالات عديدة رفضت فيها السلطة كتابة سبب الوفاة، عندما يكون المتوفى شهيدًا.

وأعرب عن أمله في أن لا يطول أمد الدعوى لدى محكمة العدل العليا، في حال اضطر للتوجه إليها.

وبين كراجة، أن المشكلة تكمن عند دائرة الطب الشرعي في وزارة العدل، التي تعلل رفض إصدار التقرير بأن العائلة لم تنتظر في مجمع فلسطين الطبي لحين وصول طبيبٍ شرعيٍ يعاين الجثمان بعد الإفراج عنه من ثلاجات الاحتلال.

لكن هذه الذريعة ترفضها العائلة بشدة، وتؤكد أنها انتظرت لأكثر من ساعتين ولم يحضر أحدًا، فيما يؤكد المحامي كراجة أن أي طبيبٍ من الأطباء الذين عاينوا الجثمان، يستطيع إصدار تقريرٍ بشأن استشهاده.

وتعاني عائلة أبو رجب الأمرين منذ طردها من القدس، فوالد الشهيد لا يحمل الهوية المقدسية أصلاً، وقد أقام في المدينة بعد زواجه من سيدةٍ مقدسية هي والدة الشهيد، وهو ما استغلته سلطات الاحتلال في انتقامها من العائلة، إذ اعتقلت جميع أفرادها ووضعتهم عند حاجز قلنديا المقام شمال القدس، وأبلغتهم بإبعادهم عن المدينة.

وتقيم عائلة أبو رجب منذ إبعاده في قرية الجديرة غرب رام الله، وهي مكونة من ثمانية أشقاء بعد استشهاد فؤاد، أصغرهم توأم بعمر 3 سنوات. يقول عبد الله أبو رجب والد الشهيد إن حياتهم انقلبت رأسًا على عقب منذ طرد العائلة من القدس، فهو لا يعمل، وأبناؤه يعانون بعد نقلهم قسريًا من مدارسهم، وخسارة العائلة علاقاتها التي كانت قد بنتها على مدى سنواتٍ في القدس.