السبت 01 ابريل 2017 21:14 م بتوقيت القدس
الداعية الراحل عبد الرحمن السميط اسم ربما لا يعرفه كثيرون، لكن بلا شك هم اسم كان متألقًا على الدوام في سماء العمل الدعوي والخيري. وحق هؤلاء الكرام وواجبهم علينا أن نستذكرهم ما حيينا، ليبقوا في الذاكرة والوجدان، ويكونوا لنا عونًا لشحذ أنفسنا على الخير. فمن يكون عبد الرحمن السميط؟ وما هي إنجازاته؟
بدأت قصة ميل السميط للعمل الإنساني الخيري حين كان طالبًا في الثانوية، فكان يرى العمال الفقراء يجدون صعوبة في المواصلات وينتظرون في حر الكويت، فحين أصبح طالبًا في الجامعة جمع هو وزملاؤه الأموال واشتروا سيارة، حيث كان يقوم بتوصيل العمال مجانًا؛ وقاية لهم من القيظ الذي لا يرحم.
وخلال فترة دراسته العليا في الغرب كان يجمع من كل طالب مسلم دولارًا واحدًا ليقوم بطباعة الكتيبات ومن ثم يقوم بتوصيلها إلى جنوب شرق آسيا وأفريقيا. زادت رغبة السميط بالعمل الخيري التطوعي حين أدرك مدى البؤس الإنساني الذي وصلت إليه أفريقيا واشتداد حملات التبشير فيها، فقرر أن يترك العمل الطبي ويخوض غمار العمل الخيري.
تحقق حلم السميط في انتشال الناس من براثن الفقر والجهل والمرض والتخلف في أفريقيا، حين تبرعت زوجة جابر الأحمد الصباح أمير الكويت السابق، وطلبت منه أن يبني مسجدًا خارج الكويت في بلد محتاج. فاختار دولة ملاوي التي رأى فيها كيف أن المبشرين قاموا ببناء الكنائس، فلم يجد مسجدًا، وإن وُجد فيكون صغيرًا مهترئًا مبنيًا من القش تنهشه الأبقار لشدة جوعها، حيث الإمام لا يقرأ الفاتحة والناس عراة. وبعد جمهورية ملاوي سافر هو وزوجته إلى أربعين دولة أفريقية واستمرا في عمل الخير فيها.
وما حرك السميط أكثر دراسة بحثية سابقة توصلت إلى أن هناك زيادة في معتنقي النصرانية في تنزانيا، وملاوي، ومدغشقر، وجنوب السودان، والنيجر؛ وذلك بسبب نشاط التبشير في المدارس، حيث أن الأطفال هم أكثر عرضة للتأثر.
كان للشيخ السميط رؤية خاصة في إغاثة الناس من المجاعات والكوارث، والتي كانت عاملًا حقيقيًا في نجاح إنجازاته، حيث كان يرى أن مواجهة هذه الكوارث الإنسانية ليست من مهمة الجمعيات والمؤسسات فقط، بل هي مهمة الأفراد بما يتمكّنون من المساهمة به. فأقنع الناس بالمشاركة ولو بالقليل، وبعد نحو ثلاثين عامًا كانت النتيجة التي ربما استهان بها البعض، حيث أقيمت الجامعات، والمدارس، ومراكز الأيتام في 28 دولة أفريقية. فقد بنى السميط 5700 مسجد، وحفر 8600 بئر، وأنشأ 860 مدرسة، و4 جامعات، و204 مركز إسلامي. وتدريب 4000 داعية معلم ومفكر في أفريقيا.
عاش السميط حياة متقشفة رفقة زوجته حيث عاشا في بيت متواضع في إحدى قرى مدغشقر. وقد واجه صعابًا بالغة خلال رحلة العمل الخيري والدعوي، حيث كان يقطع الطرق الوعرة، ومستنقعات الوحل، والغابات الموحشة على قدميه، أو قد يقضي في القطار أكثر من 40 ساعة وبحوزته قليل من فتات الخبز.
كان للسميط فلسفة في تقديم الخير، فنادرًا ما كان يقدم الأموال للفقراء، بل كان يقوم بفتح مشاريع تشغيلية صغيرة تدر دخلًا، مثل: محلات البقالة، أو تقديم مكائن خياطة، أو إقامة مزارع سمكية.
كان للشيخ السميط أسلوب بسيط في الدعوة للإسلام، فكلمات يسيرة كان تأثيرها كبيرًا، فإذا ما وصل قرية كان يقول لأهلها “ربي الله الواحد الأحد الذي خلقني ورزقني وهو الذي يحييني ويميتني”. وقد كان يتأثر حد البكاء من ردة فعل الناس الذين يدعوهم للإسلام، حيث يلومونه على تأخر وصول الدعوة الإسلامية إليهم.
تقول الأرقام أن حوالي 10 ملايين شخص في أفريقيا دخل الإسلام على يد الشيخ السميط، حيث دخلت قبائل أفريقية بأفرادها وزعمائها أي بمعدل 972 شخص سنويًا. لكن هناك تشكيكًا بهذه الأرقام، صحيح أن هناك أفواجًا كبيرة دخلت الإسلام على يد السميط، لكن يرى البعض أن 10 ملايين أو 11 مليون أرقام مبالغ فيها. أيًا يكن فلا أحد ينكر إنجازات الداعية السميط الذي قضى حياته في العمل الدعوي والخيري دون كلل أو ملل، ولا تهم الأرقام أبدًا، المهم أنه أفنى حياته خدمة للإسلام والإنسانية.
استمر السميط بالعمل الدعوي على الرغم من التعب جراء إصابته بالسكري الذي زاد آلام ظهره وقدميه، وعانى في آخر سنوات حياته من تراجع صحي كبير في وظائف الكلى إلى أن فاضت روحه إلى بارئها في الخامس عشر من أغسطس عام 2013.
رحل السميط لكنه ترك سيرة عطرة من أعمال وإنجازات تتحدث عنه وتذكره بالخير والتي إن تحدثنا عنها فلن ننتهي. لم يخطئ من وصفه بأنه رجل بأمة، فقد احتمل المشقات والمتاعب والأذى من أجل الأهداف النبيلة التي حملها داخله منذ أن كان صبيًا. فقد تعرّض لمحاولات قتل على يد المليشيات المسلحة في أفريقيا، كما هاجمته أكثر من مرة أفعى الكوبرا، والكثير الكثير من المتاعب، لكن ذلك لم يثنيه عن فعل الخير وقرر أن يقضي حياته في أفريقيا فنقل مقر إقامته إلى مدغشفر حيث الفقر والجوع والمرض. رحم الله الشيخ السميط، وغفر له ذنبه، وأنزله منزلة الشهداء والصديقين.