الخميس 13 ابريل 2017 18:48 م بتوقيت القدس
لا تُدار السلطات المحلّيّة العربيّة في البلاد، عامّة، منذ عّدة عقود، وفقَ معايير سليمة على كلّ من الصعيد: المهنيّ، الإداريّ والتنظيميّ. يعود السبب الأساس لهذه الحالة المؤسفة إلى تخصيص الموارد غير العادل، وبشكل خاصّ فيما يتعلّق بالميزانيّات المباشرة وتوسيع مناطق نفوذ السلطات.
فضلًا عن ذلك، يكمن عامل آخر ذو تأثير كبير وحاسم على وضع السلطات المحلّيّة العربيّة، ألا وهو الإدارة المختلّة على مدى عشرات الأعوام، والّتي لبّها جهاز سلطويّ متكّئ ومستند على النفوذ الانتخابيّ الذي يتمتّع به رؤوس "الحمائل" (العائلات الموسّعة)، وليس على المهنيّة، النزاهة والإدارة السّليمة. العواقب المباشرة للمنظومة الحمائلية السائدة بمعظم السلطات العربيّة، وهي بجوهرها منظومة ترتكز على الأبوية والقوة، واضحة وضوح الشمس، حيث أن رؤساء السلطات المحلية هم من الرجال، دون استثناء، معظمهم في سنّ متقدمة نسبيّا ودون ألقاب أكاديمية. كذلك، يبلور النظام الحمائلي طابع الانتخاب لعضوية السّلطات المحلّيّة، لصالح الرّجال ذوي "مخزون الأصوات"، على حساب النّساء، الشبّاب والأكاديميّين.
إلا أنّ قوة وتأثير "الحمولة" لا يقتصران على يوم الإنتخابات، فنتائج الإقتراع ما هي إلّا تمهيد للإنتقال للمرحلة الثانية من السّيرورة، ألا وهي- مرحلة تنفيذ الوعود الانتخابية. نجاح هذه المرحلة، منذ سنوات طوال، هو الذي عزّز "نفوذ الحمولة" على الحلبة المحلّيّة ومكّن رؤساء "الحمائل" من أن يستمرّوا في السّيطرة على الجمهور الناخب، عن طريق شتّى أنواع الهبات السّياسيّة: تخفيضات بجباية ضريبة رسوم الأملاك (الأرنونا)، عقود غير قانونيّة، غضّ النّظر عن التّعدّي على المناطق العامّة، وفي أحيانٍ شائعة، توظيف الأقرباء في السّلطة.
لذا، النضال في سبيل حظر توظيف الأقارب (بكافّة جوانبه: التوعويّ، التربويّ والقضائيّ)، متفرّع من النضال العامّ ضد الفساد، الفاسدين والمفسِدين على أجناسهم. الحقيقة أنّ جزءًا لا يستهان به من السلطات المحلّية نشأت على أنّها شبكة عائليّة من الموظّفين، أدّت إلى أضرار وخيمة في المجتمع العربيّ في إسرائيل، على كلٍّ من الصّعيد المهنيّ (توظيف أقرباء بلا جدارة للوظائف)، صعيد الرّقابة والنّقد المطلوبَين في المؤسّسات العامّة ( حصول أقرباء على أجور عالية بغير حقّ) وعلى صعيد ثقة الجمهور وشرعيّة عمل السّلطة (الّتي صُوّرت كخادِمة "للحمائل" الفائزة فقط).
وبالفعل، يبدو أنّ تطوّرات إيجابيّة قد حلّت ضمن هذا المجال في السّنوات الأخيرة. فالوعي حول توظيف الأقرباء في ازدياد ملحوظ (كما حول قِيَم الإدارة السّليمة بشكلٍ عام)، تبلورَ جدل جمهوريّ يقِظ حول الموضوع، أُلغيَت العشرات من تعيينات الأقارب ، وبدأت السّلطات بترسيخ القواعد المتعلّقة بهذا المجال.
على أثر ما ذكرَ، من اللافت للنّظر الادعاء الزّاعم أنّ مكافحة الحمائلية في السّلطات المحلّيّة تمسّ بحقوق العمّال. بدايةً، إنّ الأسلوب المتّبع على مدى سنوات بخصوص تعيين المقرّبين، مس مباشرة بحقّ عامّة العمّال بالتنافس على الوظائف تنافسّا نزيهًا، موضوعيًا ومهنيّا. ثانيًا، إنَّ الهيكلة الحمائلية الواسعة والعلاقات الأهلية والاجتماعية الوطيدة، بالذات في المجتمع العربيّ، تستوجب قواعد حازمة وصارمة لتفادي قضايا توظيف أقرباء بشكلٍ غير قانونيّ، والذي من شأنه أن يلحق الأذى بالمجتمع كلّه. ثالثًا، الإدّعاء مستهجن خاصة حين يعلو من السّلطات المحلّية ذاتها التي هي، وفقًا للقانون، المسؤولة عن منع هذا النّوع من التّوظيف. فلتتكرّم السلطات المحلية العربية وتتممَ واجبها القانونيّ، الاجتماعي والأخلاقي.
إنّ الإدارة السّليمة وكبح الحمائلية هي قيم عالميّة، تظهر في كل الحضارات. أيّ محاولة، مكشوفة أو ضمنيّة، في تشريع معايير مرفوضة عبر منظور "تعدّد الحضارات" ليست إلا استغلالًا مثيرًا للسّخرية لفكرة الفلسفة النسبية، يهدف إلى تقويض أي وسيلة نقد موضوعيّة، وبالتّالي تسعى لتخليد الفساد. علاوة على ذلك، إنّ إستخدام آليّة الدّفاع العاطفيّة والتفاوت بين الحضارات لتشريع الحمائلية، لا أصل له من الصّحة، بل هو مهين. حصّة كبيرة من المجتمع العربيّ (في البلاد وخارجها) يمقت العائليّة والعشائريّة، وتشهد على ذلك الكتب، الأبحاث، المسلسلات والأفلام التي هاجمت هذه الآفة. المجتمع العربيّ ليس قطيعًا كما يحاول البعض تصويره، فهو يضمّ نخبة بارزة ممّن يبغضون الحمائلية والفساد ويطمحون للإدارة السّليمة والنزاهة في الأداء.
بالمقام الأوّل، إنّ إسقاط اللّوم على سلطات الدّولة فيما يخصّ تطبيق القانون في السّلطات المحلّيّة، مستهجن بشكل خاصّ، وما هو إلا تذمّر فائض دون حق. للمجتمع العربيّ الكثير ممّا يشكوه عن تعامل الدّولة معه (الأمر الّذي يقوم به الكثيرون)، ولكن ليس في هذا المضمار. للأسف، في حلبة الفساد والإدارة السّليمة في السّلطات المحلّيّة العربيّة (وبخلاف موضوع توزيع الموارد، كما ذكر)، ينقصنا نقد ذاتي واعٍ وصريح. آن أوان البلوغ، آن أوان الالتفات للمرآة والتمعّن بانعكاس صورة الواقع والعمل بكل جهد على تحسينه.