السبت 24 يونيو 2017 21:25 م بتوقيت القدس
* مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، في حينه، بنيامين نتنياهو نشط ضد القرارات من أجل حقوق الإنسان في تشيلي
* النيابة الإسرائيلية العامة ترفض فتح تحقيق جنائي ضد الإسرائيليين المتورطين بزعم عدم وجود أدلة كافية
* وثائق تؤكد وجود ما يكفي من الأدلة
* إسرائيل كان المزود الرئيسي لنظام بينوشيه بالسلاح
* إسرائيل استغلت الصراع بين تشيلي والأرجنتين وعملت على تسليح الطرفين
* مسؤولون في الخارجية الإسرائيلية يعبرون في وثيقة عن الحنين لأيام بينوشيه
* إسرائيل أرسلت مرشدين لتدريب قوات أمن بينوشيه تحت غطاء مرشدين زراعيين
رفضت النيابة العامة "الإسرائيلية"، مؤخرا، طلبا بفتح تحقيق جنائي ضد الإسرائيليين المتورطين في بيع أسلحة لنظام الدكتاتور أوغوستو بينوشيه في تشيلي، بزعم عدم وجود أدلة كافية، رغم وجود الكثير من الوثائق.
يشار إلى أن الجنرال بينوشيه قاد الانقلاب ضد الرئيس المنتخب، سلفادر أليندي، بدعم وبقرار من الولايات المتحدة، عام 1973، وظل في الحكم حتى العام 1990.
وظل بينوشيه حاكما عسكريا مطلقا، واستخدم جملة من الأدوات في تثبيت نظامه، بينها التعذيب والاغتيال السياسي، بينها اغتيال الرئيس المنتخب أليندي، والإخفاء والتشويه، إلى جانب المفاسد السياسية والمالية.
وخلال 17 عاما من الحكم، استخدم بينوشيه التعذيب للبطش بكل المعارضين، حيث تم توثيق أكثر من 35 ألف حالة تعذيب.
وتناول الكاتب جون بروان، هذه القضية، في صحيفة 'هآرتس'، مشيرا إلى أنه تم التوجه إلى المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، في شباط/فبراير الماضي، من قبل ليلي تراوبمان وابنتها تمار سانتوس، بإصدار أمر بفتح تحقيق جنائي ضد المسؤولين الإسرائيليين بشبهة تقديم الدعم في الجرائم ضد الإنسانية التي نفذها نظام بينوشيه في تشيلي في السنوات 1973 وحتى 1990.
ورفضت النيابة الطلب، بادعاء أنه 'لا مناص من النتيجة أنه لا يوجد ما يكفي من الأدلة للمصادقة حتى على فتح تقصي حقائق جنائي".
وبالنتيجة فقد تم الكشف عن وثائق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، وطلبات بشأن حرية المعلومات من وزارة الخارجية الأميركية، ووثائق من تشيلي، تظهر أن هناك ما يكفي من الأدلة حول تزويد إسرائيل لنظام بينوشيه بالأسلحة، خلافا لمزاعم النيابة العامة الإسرائيلية، علما أن توفير الأدلة هو من وظيفة النيابة، وليس من وظيفة المشتكي.
كما تكشف الوثائق، بحسب التقرير، العلاقات السياسية بين النظامين، الإسرائيلي والتشلياني، التي كان يديرها، من جملة من أداروها، مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، في حينه، بنيامين نتنياهو، الذي نشط كثيرا ضد القرارات بشأن وضع حقوق الإنسان في تشيلي، في الوقت الذي قتل وعذب فيه بينوشيه عشرات الآلاف.
وضمن تبريرات النيابة في رفضها الطلب، ادعت أنه لا يمكن الاستجابة للطلب لأنه 'ليس الحديث عن حدث معين، وأن النيابة ليست على استعداد لفحص 19 ألف وثيقة سرية في وزارة الأمن، لأن الحديث عن عمل أكبر من اللازم".
وفي هذا السياق كتب براون أن 'الدولة لا توافق على كشف الوثائق التي تربط وزارة الأمن والجيش "الإسرائيلي" بعملية تسليح وتدريب الجيش التشيلياني، وعندما تقدم شكوى، يطرح الادعاء بأنه لا يوجد أدلة كافية. والأنكى أن رد النيابة يشير إلى أن كلما اتسع نطاق التعاون الإسرائيلي مع الجرائم ضد الإنسانية، كلما زادت صعوبة الكشف عنه، لأنه يقتضي ساعات أكثر من العمل".
يذكر أنه بموجب سوابق في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقا، ورواندا وسيراليون، فإن تعريف المساعدة في ارتكاب جرائم حراب يجب أن تشتمل على معرفة المساعدين بأن النظام ينوي ارتكاب جريمة، ولكنها لا تشمل النية لارتكاب جريمة. ومؤخرا فقد أدين المواطن الهولنيد حوس كاونوبان بالمشاركة في جرائم حرب بعد الاتجار بالأسلحة مع النظام في ليبيريا، خلال حرب أهلية قتل فيها أكثر من 250 ألف شخص، وحكم عليه بالسجن مدة 19 عاما.
يشار إلى أن بينوشيه، وفي أعقاب الإطاحة بالنظام المنتخب لأليندي، بدأ عملية تطهير لكل من كان لديه ميول يسارية أو شيوعية في تشيلي عامة، وفي الجامعات والمدارس خصوصا، واستمرت حتى العام 1990. وفي السنوات الأولى بعد انقلاب بينوشيو قتل نحو 3195 شخصا بيد جهاز الأمن التشيلياني (DINA)، واختفى كثيرون آخرون، كما عذب عشرات الآلاف.
وتضمن طلب التحقيق الذي أرسل إلى المستشار القضائي للحكومة، شهادات مفصلة لمبعوث الوكالة اليهودية، باسم إيتان كالينسكي، الذي كان يمكن في سانتياغو العاصمة، في العام 1989، وكان شاهدا على تفريق مظاهرات بواسطة مركبة إسرائيلية تم إنتاجه في كيبوتس 'بيت ألفا'. وعملت المركبة على نشر ألوان على المتظاهرين الأمر الذي سهل التعرف عليهم بعد المظاهرة.
وثائق أميركية وتشيليانية تؤكد الاتجار بالسلاح
وبعكس ادعاءات النيابة العامة، هناك أدلة وفيرة على المساعدة الإسرائيلية وتسليح إسرائيل لنظام بينوشيه. وفي العام 2012 نشر في تشيلي كتاب يتحدث عن العلاقات الخفية بين إسرائيل وتشيلي في السنوات 1973 حتى 1990، ويتضمن أدلة كثيرة عن علاقات الاتجار بالأسلحة بين الطرفين.
وفي السنوات الأخيرة، بدأت الولايات المتحدة بإزالة السرية عن وثائق تتصل بالنظام في تشيلي في تلك السنوات، ونشرها.
وبحسب وثيقة أرسلت من السفارة الأميركية في تشيلي بتاريخ 24/04/1980 إلى وزارة الخارجية الأميركية، يتضح أن إسرائيل كانت المزود المركزي بالسلاح لنظام بينوشيه. وبحسب تصريحات نائب وزير الخارجية الأميركية، بتاريخ 10/04/1984، فإن هذا الأمر يصعب على بلاده فرض عقوبات فعالة على تشيلي لأن إسرائيل ستملأ الفراغ.
وتضمنت وثيقة، كتبت من قبل 'CIA'، في شباط/فبراير من العام 1988، والتي أزيلت عنها السرية، وتنشر للمرة الأولى في إسرائيل، تفاصيل صفقات أسلحة بين إسرائيل وتشيلي، شملت صواريخ أرض – أرض، ومنظومات رادار، وصواريخ جو – جو، وصواريخ أرض – جو، و5 آلاف بندقية من طراز 'جاليلي' بيعت في العام 1981، وذخيرة من أنواع مختلفة، ودبابات، وغيرها.
وتصف الوثيقة ذاتها إسرائيل كمزود سلاح مهم لبينوشيه، في حين أن تشيلي هي المشترى المهم بالنسبة لإسرائيل، تلي الأرجنتين.
وادعت الوثيقة أن المصلحة التشيليانية في شراء الأسلحة ينبع من حقيقة أن الأسلحة الإسرائيلية مجربة في القتال، إضافة إلى أن إسرائيل، وخلافا لدول كثيرة أخرى، لم تبخل في تزويد نظام الطاغية بينوشيه بالأسلحة.
وتؤكد وثيقة أخرى تعود إلى العام 1979، والتي لا تزال سرية ولكن تم تسريب مضمونها من قبل 'ويكيليكس'، أن إسرائيل توصف بأنها أكبر مزود بالسلاح لبينوشيه.
شهادات إسرائيلية
إضافة إلى الوثائق التي نشرت خارج البلاد، يكشف التقرير، للمرة الأولى، عن وثائق لوزارة الخارجية تؤكد تزويد السلاح لتشيلي. وبحسب هذه الوثائق فإن الخارجية استغلت العلاقات الجيدة التي نشأت من تزويد الأسلحة، من أجل الحصول على دعم سياسي، وهو أمر لم يكن بسيطا بالنسبة لتشيلي، باعتبار أنها خاطرت بذلك بخسارتها لعلاقاتها مع العالم العربي، الذي كان هدفا لتصدير أسلحتها هي. ولذلك، فقط فضلت الخارجية الإسرائيلية أن تبيع أسلحة ثقيلة لتشيلي، بسبب حقيقة أنها لا تستخدم في القمع بشكل مباشر، وبالتالي فهي بادية للعيان بدرجة أقل.
ويضيف التقرير أن تشيلي، في حينه، كانت معنية بالعلاقات مع العالم العربي، وكانت تخشى من أن الكشف عن علاقاتها مع إسرائيل قد يؤدي إلى مقاطعتها من قبل الدول العربية. ولذلك كانت الاتصالات، التي تركزت على الأسلحة، سرية. وهذه الضبابية في العلاقات كانت مجدية لإسرائيل، وذلك بسبب جرائم الحرب التي ارتكبها النظام في تشيلي، علاوة على كونها في حالة صراع مع الأرجنتين، التي كانت سوقا أكبر، في تلك السنوات، للأسلحة الإسرائيلية.
وفي برقية أسلت من سانتياغو عام 1986، كتب سفير إسرائيل، دافيد أفراتي، أن تزويد بندقية 'عوزي' للشرطة التشيلياني كانت 'سرا مكشوفا'، وكذلك تواجد عناصر الصناعات العسكرية في تشيلي الذي يعملون بطرق 'غير نظيفة'. ويضيف أفراتي أن تزويد الأسلحة لسلاح البحرية أفضل من الأسلحة الخفيفة، لأنها ستكون بادية للعيان بدرجة أقل.
وفي وثيقة أخرى تعود للعام 1987، يبدي أفراتي غضبه من دعوة أعضاء الكنيست من 'مبام' بالتوقف عن تسليح النظام في تشيلي. ويدعي أن ذلك 'يمس بالمعسكر الديمقراطي في تشيلي'، وطلب من مسؤولي وزارة الخارجية العمل ضد هذه الدعوة.
وفي الوقت نفسه، اتخذ أفراتي موقفا من القوى الديمقراطية في تشيلي، وادعى أن النظام العسكري هو الحل الأفضل لإسرائيل. وذلك في إشارة أن النظام العسكري سيكون أفضل لإسرائيل بكل ما يتصل بالضغوط الدولية بشأن الحكم العسكري في الضفة الغربية. وهذه الادعاءات تظهر في عدة وثائق، كما أطلقت من قبل كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية بعد عودة الديمقراطية إلى تشيلي، حيث عبروا عن الحنين إلى أيام بينوشيه، حيث كانوا يحظون بعلاقات ودية ومساندة.
وتظهر هذه العلاقات الجيدة أيضا في الأمم المتحدة، حيث وصفت تشيلي بأنها 'ممتازة' في التصويتات ذات الصلة بإسرائيل. ففي السنوات ما بين 1984 – 1988، كان نتنياهو يشغل منصب مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، وكانت له علاقات ودية مع نظيره التشيلياني فيدور دازا. ويتضح من الرسائل المتبادلة بينهما، أن أحدهما كان يشكر الثاني على الدعم المتبادل بشأن القرارات ضد الجرائم التي ينفذها النظامان في بلديهما، إسرائيل وتشيلي.
وبحسب التقارير في تشيلي، فإن إسرائيل دربت وأهلت منظمات الأمن التشيليانية مقابل تزويدها بصواريخ 'exocet' الفرنسية. وفي وثيقة تعود إلى شباط/فبراير من العام 1986، ادعى عضو الكنيست، متتياهو بيليد، الذي سبق وأن أشغل منصب مساعد وزير الأمن لشؤون التسلح، أن إسرائيل ترسل مرشدين لتدريب قوات الأمن، وخاصة قوات القمع الداخلي، مثل 'DINA'، تحت غطاء مرشدين زراعيين، مثلما كان يحصل في عهد شاه إيران وفي زائير وأوروغواي وسيريلانكا.
وفي ما يخص بصراع سنوات السبعينيات بين تشيلي والأرجنتين واللجوء إلى التحكيم الدولي بشأن قناة بيغل، في أقصى جنوب القارة الأميركية، وبعد أن رفضت الأرجنتين نتائج التحكيم، وكان النظامان العسكريان في الدولتين على وشك إعلان الحرب، استغلت إسرائيل الأزمة جيدا، وعملت على تسليح الطرفين، وذلك وفقما أكدته السفارة الإسرائيلية في بيرو في آذار/مارس من العام 1979.
ولم تنظر الأرجنتين بعين الرضا إلى هذه العلاقة الثنائية، وحاولت إقناع إسرائيل بأن من الأفضل لها أن تقف إلى جانبها لكونها أغنى بكثير. وفي حينه، رد السفير الإسرائيلي في الأرجنتين، رام نيرغاد، في وثيقة من العام نفسه، يقول فيها إنه لا يمكن التذمر من إسرائيل لأنها قدمت مساهمة جدية للجيش الأرجنتيني، علما أن الجيش قتل في حينه أكثر من 30 ألفا من المواطنين، بينهم آلاف اليهود. ومع ذلك، فقد حذر نيرغاد وزارة الخارجية الإسرائيلية من أن تزويد تشيلي بالسلاح يضر باليهود في الأرجنتين.
وفي تبريره لضرورة إجراء تحقيق إسرائيلي، لفت التقرير إلى أن الجرائم ضد الإنسانية لا يسري عليها التقادم، وإذا كانت إسرائيل لا تعتبرها جرائم، فإن المحكمة الدولية تستطيع أن تفعل صلاحياتها بهذا الشأن، وبذلك فإن التحقيق الإسرائيلي هو مصلحة إسرائيلية. على حد قول الكاتب.
إلى ذلك، يضيف التقرير أنه في أعقاب رفض النيابة فتح تحقيق جنائي، قدم المحامي إيتي ماك التماسا على القرار، باعتبار أن كشف هذه الوثائق التي تناقض ادعاءات النيابة بشأن عدم وجود أدلة كافية قد يدفعها إلى البدء بعملية تقصي حقائق، في أقل تقدير، سواء من أجل العدالة التاريخية مع الشعب التشيلياني، أم من أجل إعادة الفحص مجددا لتجارة إسرائيل بالأسلحة مع أنظمة القمع والقتل المستمرة حتى اليوم. بحسب التقرير.
وردا على الالتماس، قالت النيابة إنه 'لا يوجد أساس معقول لارتكاب مخالفة، ولذلك فهو لا يستدعي فتح تحقيق جنائي، لكونه لا يتضمن أدلة كافية في الحد الأدني تثبت أن أي مسؤول إسرائيلي كان يعلم أن تشيلي ترتكب جرائم ضد الإنسانية، وقرر تصدير الأسلحة إليها بهدف المساعدة في ارتكاب هذه الجرائم'.
ويختلف هذا الرد الأخير عن الرد السابق، حيث أضيف إليه الادعاء أنه لا يوجد أدلة على أن هناك إسرائيليين قرروا المساعدة في ارتكاب جرائم. ولكن، وبحسب قواعد القانون التي وضعت في المحكمة الدولية، فإن ادعاءات النيابة العامة بهذا الصدد ليست ضرورية، إذ تكفي حقيقة أن هناك مسؤولا إسرائيليا كان يعرف أنه تركب جرائم من هذا النوع في تشيلي، ورغم ذلك، فقد ساعد على ارتكابها بواسطة تزويد الأسلحة والتدريب.