الاربعاء 09 اغسطس 2017 19:14 م بتوقيت القدس
تتوحد وتجتمع كل الآراء والقناعات على ضرورة وأهمية إقتلاع وإجتثاث ظواهر العنف من جذورها الأساسية ، والحد من تفشي الجريمة المُتغلغلة داخل المُجتمع التي بلغت مكانًا تُشير كل الدلائل والمُعطيات على أنه لا يُمكن معالجتها بالطُرق والأساليب التقليدية المعهودة ومن خلال أجهزة فاشلة تفتقد وتفتقر لأدنى المقومات المهنية والموضوعية في مكافحة العنف والجريمة على الصعيد القُطري والمحلي ، والتي لا تملك رؤى واضحة وخُطط مدروسة لتفعيلها بنجاح في مرافق المجتمع المختلفة ، ومن هنا نستنتج ونستخلص من هذه الحقائق عدة نقاط وأمور لا بد الوقوف عندها والخوض في مُسبباتها ونتائجها وتداعياتها وإسقاطاتها وإنعكاسها على الحياة اليومية للفرد بشكل خاص وعل المجتمع بشكل عام ،والتي ستُعرض في هذا السياق .
إن أكبر خطأ قد يُشاع بين الناس في تعريف العُنف والإنطباع الأولي الذي يؤخذ عنه ، على أنه يقتصر على ممارسات الضرب والقتل وتسبب الأذى للآخرين فضلًا عن التلفظ بألفاظ وعبارات نابية غير أخلاقية قد تقع بين طرفين. ربما يكون هذا الوصف فيه شيء من الصحة والحقيقة لكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه بقوة،،ما هي العوامل والمؤثرات التي تساعد وتساهم في نشوء ظواهر العنف في مهدها الأول وفِي مراحلها المُتقدمة حتى بلوغها وتفاقمها حتى وصلت إلى طابعها الإجرامي ومنحاها السلوكي والأخلاقي الخطير !!؟؟؟..
الحقيقة التي لا يمكن إخفائها هي أن المجتمع بأسره بكل مركباته وإختلاف توجهاته هو مجتمع ( عنيف) بطبيعته وربما تكون صفة مُكتسبة ودخيلة وليست وراثية ، وإن لم تبدو عليه بالمُجمل ظواهر العنف ودلائله بشكل علني وصريح ، قد تبدو هذه الصورة جلية وواضحة أكثر عند الإختبارات الفعلية والجدية من خلال الإحتكاك والتعامل المباشر مع العالم الخارجي .
سأبدأ بتناول القضية من حيث رأس الهرم الإجتماعي نزولًا لقاعدته الشعبية الواسعة.
فمهما تعددت أسباب العنف وإختلفت مصادرها فإن نتائجها تنعكس بشكل مباشر وغير مباشر على تفاصيل حياة مجتمعنا.
عندما يتحدث بعض أصحاب المنابر الدينية من مختلف المعتقدات ، ويغلُب على خطابها الديني الغليظ طابع الطائفية ولغة إحتكار الحقيقة ، والإنحياز لفريقٍ على حساب فريق آخر ، من وافقنا فهو معنا ومن عارضنا فهو علينا ، ولا تؤمن بالإختلاف والتعددية وقبول الآخر ، وتقوم بتصنيفات البشر على أساس عرقي أو مذهبي أو طائفي أو عشائري يَنتُج منها كلها وينبثق فِكرٌ غليظ ( وعنيف) لا يعتمد على المرونة والليونة في الأخذ والرَّد ومخاطبة الآخر ، ومن هنا يشهد الكثير بأننا في أزمة ثقافية حقيقية تأخذ طابع الحِّدة والقسوة والعنف .
عندما تتصارع القوى السياسية ومراكزها ورموزها على المصالح والمطامع الحزبية أو الفئوية أو حتى الشخصية ، وتعتمد على المراوغة والإحتيال لتبقى هذه النُخب في نظر العامة عَرَّاب للعنف السياسي، ومصدر من مصادر ظهور العنف ، لكن عنف بنكهة السياسة الخاصة.
عندما تُستَغَّل الحملات الإنتخابية داخل المجتمع الصغير لبث روح الطائفية والعائلية والعشائرية من قِبَل بعض الرموز والقادة ، فنحن أمام نُخَب وممثلي جماهير تدعو للعنف وتدعمه ، وإن لم يبدو ذلك ظَاهِرًا في تصريحاتهم المُعلنة.
عندما تُستَغَّل المناصب الرسمية للإحتكار وللفساد وللإنتهازية ، وتبقى البيروقراطية النظام الإداري الحاكم والمُسيطر، والتعيينات التي لا تعتمد على المؤهلات العلمية ودرجات التفوق والكفاءة ،وتُحرم من هذه المناصب أصحاب الخبرات والكفاءات من الطبقات الإجتماعية المتدنية والضعيفة والمُستضعفة فإنك تساهم في تفشي ( عُنف) من نوع آخر وتساهم في نمو صراعات بين نقيضين الحق والباطل لتُمكن من قبضة وسيطرة الباطل ، وتساهم بإحتقان مشاعر السخط والغضب وعدم الرضى لدى شريحة المضطهدين والمظلومين إجتماعيًا وسياسيًّا.
فعندما تقوم على المستوى الشخصي والفردي بعدم إحترام حقوق الغير وإنتهاك الخصوصية ، ولا تلتزم بالقوانين والنظام والأنظمة والإنضباط الأخلاقي والسلوكي في المرافق العامة والخاصة وفِي الطرقات فأنت إنسان ممارس ومروِّج للعنف .
عندما تُقدِّس ( الأنا) وتُقدمها على المصلحة العامة وتعمل بموجبها ووفق ما تتطلب أنانيتك بكل مرافق حياتك فأنت تملك بداخلك ( عنف دفين) سرعان ما يُترجم على أرض الواقع في أول صِدام يهدد أنانيتك.
عندما لا تجد أيها الأب الفاضل وقتًا لتمنحه وتكرّسه لأفراد أسرتك لمتابعة مسيرة حياتهم وتفاصيلها وتطوراتها خطوة بخطوة ، وتسيطر على مركبتك المندفعة في هذه الحياة خشية تدهورها وحتى لا يُصَنَّف بيتك مصدرًا للعنف ومُصدِّرًا له ، وإن قضيت كل حياتك تعمل لتأمين قوت عائلتك ولتوفر لهم الإمكانيات المادية.
لا تُلقِّنوا أطفالكم منذ أول كلمة ينطقها كلمات نابية وألفاظ بديئة حتى ينال إعجاب وإستحسان الجميع .
حتى نضع أيدينا على الجرح المُلتهب وحتى نسمي الأمور بمسمياتها الحقيقية ، دون أي محاولة لتجميل الواقع الأليم، فإن الضرورة المُلحّة والمرحلة الراهنة تقضتي وتحتِّم علينا كمصلحين أو كمبادرين على أقل تقدير أن نعترف بهذا الواقع وبهذا الخلل في المنظومة الإجتماعية ككل ، وبتركيبتها المختلفة التي ينخر فيها سوس العنف ويهددها من الإنهيار التام ، ولا بد من إعادة النظر في تلك المنظومة الإجتماعية من رأس الهرم حتى قاعدته الواسعة.
من خلال هذه الحقائق ومن خلال تلك القناعات والمُسّلَّمات التي ربما يتبناها البعض ، فإني أستخلص النتيجة التي تُفيد بأن كل مُركبات هذا المُجتمع دون إستثناء بحاجة ماسة إلى تغيير المفاهيم السائدة والطاغية التي تُنتج وتصدِّر العنف ، وتعمل على إنتشاره وتوسيع دائرته بجهالة وتقصير ، لا يتم هذا التغيير المنشود والسعي وراء الأمل المفقود من خلال لقاءات إحتفالية موسمية شكلية عديمة الجوهر والمضمون تقتصر نشاطاتها على إستضافة بعض الرموز الدينية والسياسية والتي يتمخَّضُ عنها بعض العناوين السطحية التي تلامس التغيير ولا تخاطبه ، فقط ممارسات لطمأنة الجمهور والرأي العام ، ولإتمام الإجراءات الرسمية لحفظها داخل البروتوكول ، وسرعان ما ينتهي الإحتفال بالولائم والتضييفات وحتى لقاء آخر قادم كالذي سبقه يشبه الذي يليه !.
وهكذا تُستنزف الميزانيات والموارد والطاقات دون مردود ملموس يُذكر .
سأعود إلى ما بدأت به وهي إمكانية طرح البدائل وعرض طرق وأساليب معالجة ظواهر العنف ، والحد من توسعه وإنتشاره وذلك من خلال إعتماد دراسات موثوقة ودمجها وإدراجها في المناهج التعليمية في المراحل المبكرة وحتى في الحاضنات ومن خلال مرشدين مُختصين في تهذيب السلوك البشري وإعطائه شكله الصحيح منذ البداية وقبل المعاناة الحقيقية ،إنها سيرورة عمل طويلة الأمد تحتاج إلى رعاية ومتابعة مستمرة ، لكن الأهم هو وضع القدم على أول الطريق الصحيح ومنح الإمكانيات اللازمة ومنح الثقة والدعم الكافي .
التعليقات
ريناوي09 اغسطس 2017
يا ريت في 10 اشخاص بفكروا متلك وبتجراوا يحكوا الوضع في بلدتنا مقلق خاصة التعليم يا ريت تصير هبة كبيرة وتقلع الفساد من جذوره
ريناوية09 اغسطس 2017
رائع كلام مئة بالمئة يصف وبشكل دقيق راس الهرم المسؤول عن الهبوط في مستوى التعليم في مدارسنا بسبب سياسية التعيينات المتبعة سياسة تفي بالمصالح الشخصية وترمي بمصلحة اولادنا ارضا
רינאוי09 اغسطس 2017
אתה צודק ב 100% !!
ريشة شاهد09 اغسطس 2017
على العكس تمامًا صديقي لك مطلق الحرية بالإنتقاد وأشكرك ، ما قصدته في الواقع وكعنصر وعامل من عدة عوامل ربما تنتج العنف وهو ( بعض) أصحاب الخطابات الدينية وهذا لا يقتصر فقط على ديانة دون الأخرى والذين يتبنون خطابًا خطيرًا لا يُمثل الغالبية العُظمى ولهذا نشاهد تفاوت كبير بأداء وتوجه أصحاب المنابر الدينية من متهاون لوسطي ومتشدد وهذه حقيقة لا يمكن نُكرانها
واحد09 اغسطس 2017
مقالك جيد وهادف ولكن انا لا اعلم ما مشكلتنا مع المشايخ يعني اصبحنا كل آفة ننسبها الى المشايخ الذين هم من المبادرون الجيدون الى ما كل هو خير وصواب بدل ان نساعدهم ونؤيدهم اصبحنا ننتقدهم ارجوا ان تتقبل هذا النقد اخي الكريم
ريناوي09 اغسطس 2017
ابدعت في الوصف وفِي طرح الحلول