الاحد 20 اغسطس 2017 15:22 م بتوقيت القدس
في عام 2001، انتشرت أناشيد ألبوم “سراج الأقصى” لفرقة الاعتصام بشكل لم يشهده الداخل الفلسطيني من قبل، والأكيد أن هذا الألبوم وحكاياته تستحق منّا وقفة، ليس لأن أكثر من 75 ألف شريط بيعت منه حينها، ولا لأنه حقق على اليوتيوب أكثر من مليون مُشاهدة، ولا لأن الشيخ رائد صلاح ظهر فيه وهو يتوعد شارون ومن يجرؤ بالمساس بالمسجد الأقصى فقط، بل لأنه كان إعلانًا لانتقال قضية الأقصى من حيّز الشعارات الرنّانة إلى حيز التفاعل الحقيقي ومرحلة “إسراج الاقصى” وعمارته.
فكما انتشار الأناشيد، فقد انتشرت حافلات “مشروع البيارق” التي راحت تنقل الناس من معظم قُرى ومدن الداخل إلى المسجد الأقصى، بعد أن كانت زيارة الأقصى تكاد تنحصر في رمضان والأعياد والمناسبات، ومع “البيارق” راحت الناس تتدفق إلى القُدس بأعداد هائلة، بل إنني لا زلت أذكر كيف كانت تخرج من قريتي الصغيرة أكثر من حافلة أحيانًا، وفي أحيانٍ كثيرة كُنا نضطر للعودة إلى المنزل “بكل أسى” بعد أن تكتظ الحافلات بالركاب، أما المسافرين فكان أكثرهم لا يعودون إلى القرية إلا وهم مُحملين بالكعك المقدسي والحلويات وحتى التُحف و”الألعاب الصينيةّ” التي كانت تُحرك عجلة الاقتصاد المقدسي دُون أدنى شك، كما كانت ترسم الابتسامة على وجوه الكثير من الأطفال في قريتنا، وهذا كُله في ميزان الحركة الاسلامية وعلى رأسها الشيخ رائد صلاح.
في مهرجان “الأقصى في خطر”، كنت ترى نسبة لا بأس بها ممن أصابهم عشق المسجد الأقصى التي نثرت الحركة الإسلاميّة بذورها في الثمانينيّات ثم رسّخها الشيخ رائد حينما صوّب الأنظار نحو الأقصى في عام 1996 في مدينته أم الفحم، وقد بلغ الأمر في عام 2005 أن وصل عدد الحضور حوالي 80 ألفًا كما قدّر البعض، وكان حضور هؤلاء الآلاف من كُل أنحاء فلسطين المحتلة يُزعج السلطات الإسرائيليّة، وكيف لا يزعجهم وهم الذي سعوا منذ عام 1948 للتلاعب بنظام التعليم في “المدارس العربية الإسرائيلية” كي يتعلم الطلبة الفلسطينيون عن الولاء لإسرائيل وعاصمتها “أورشليم القدس”، ثم يأتي الشيخ رائد ومن معه ليأكدوا للناس أن “الاحتلال إلى زوال”.
وفي عام 2008 – على سبيل المثال لا الحصر – جُن جنون المخابرات، فلم يمض على انتهاء المهرجان ساعات قليلة حتى داهمت مؤسسة الأقصى قوات كبيرة من الشرطة والمخابرات وصادرت ما فيها، ثم قامت بالإعلان عن خروج المؤسسة عن القانون وتم إغلاقها بالفعل، والأكيد أن العمل من أجل الأقصى لم يتوقف وكان من نتائجه اعتقال الشيخ رائد عام 2010 و2011 هذا غير التحريض المتواصل ضدّه!
لم ينحصر هذا الأثر في فلسطين والداخل فقط، ففي عام 2012 وفي أثناء تجوالي في أحد أحياء مدينة إسطنبول فوجئت بصورة الشيخ مُعلقة بحجم كبير جدًا، ورُحت أسأل عن الأمر، فقيل لي إن هناك فئات واسعة من الأتراك تعشق الشيخ وتقدره بشكل كبير، وقد حدث معي في ألمانيا أنني كُنت أجد من العرب مَن يستنكر فكرة حمل الفلسطيني لجواز سفر إسرائيلي بل ويعتبر الأمر “خيانة كُبرى”، والنكتة أن الحديث عن تاريخ الأقليّة الفلسطينية في الداخل لم تكن تنفعني في النقاش، بقدر ما كان ينفعني التأكيد على أن “الشيخ رائد صلاح” هو من هذه الأقلية التي حُمِّلت الجنسية الإسرائيلية، ومع ذلك لم تنس فلسطين والقدس والأقصى – علمًا بأن الجهل بقضية فلسطين وأهلها هو الخيانة الحقيقيّة-!
الأكيد أن أثر الشيخ رائد صلاح لا يُمكن حصره من خلال أناشيد الأقصى وحافلات البيارق ومهرجانات الأقصى، فالأمر أكبر من هذا بكثير، فإن كانت نظريّات الفيزياء تقول بأن رفرفة أجنحة فراشة في الصين يُمكن أن يؤدي إلى فيضانات في أمريكا، فإنني أقول بأن لشيخ الأقصى فضلٌ كبيرٌ على كثيرٍ من كتاباتي فيما يخص القُدس والأقصى.
فقبل عام 2006 لم أكن أبالي بالأقصى كثيرًا، وقد تغيّرت معظم أفكاري منذ انضمامي لمنتديات “اقرأ”، وكانت هذه المنتديات تابعة لمؤسسة “اقرأ” التي ترعى شؤون الطلبة العرب في الجامعات في الداخل، وهي إحدى مؤسسات الحركة الاسلاميّة التي لا يُمكن لعاقلٍ أن يُنكر بأن الشيخ رائد كان ولا زال قلبها النابض، علمًا بأن إسرائيل حظرت كل مؤسساتها عام 2015 بحجة مُحاربة الإرهاب، ثم ها هي تسجن الشيخ بحجة التحريض على الإرهاب. ولست أكتب ما أكتب إلا لأؤكد: أن السجون كُلها لا يُمكن أن توقف أثر الشيخ رائد صلاح وأمثاله!