الثلاثاء 26 سبتمبر 2017 18:14 م بتوقيت القدس
كانت الاستفتاءات الشعبية هي الباب الثاني للقوى الاستعمارية في تحقيق أطماع الدول الكبرى بتفتيت الدول وانقسام الشعوب العربية والإسلامية.
ومن بين تلك الاستفتاءات التاريخية التي قطعت أوصال الوطن العربي والإسلامي؛ استفتاء انفصال السودان عن مصر عام 1954، بمباركة غربية بعد إسقاط نظام الملكية وبداية حكم العسكر لمصر.
وفي 20 أيار/ مايو 2002، انفصلت باستفتاء شعبي تيمور الشرقية عن جسدها الجغرافي والسياسي والحضاري في إندونيسيا، أكبر دولة مسلمة من حيث السكان.
وجرى في منتصف كانون الثاني/ يناير 2011 استفتاء جنوب السودان، الذي أقر الانفصال بدولة مستقلة عن شمال السودان.
وفي 23 نيسان/ أبريل 2016، نظمت مفوضية الأمم المتحدة الاستفتاء الإداري في دارفور غرب السودان التي تشهد حربا أهلية منذ عام 2003، وتطالب بالانفصال عن شمال السودان، وهو ما أسفر عن فوز خيار الولايات الخمس مع شمال السودان ضد خيار الإقليم الواحد “الانفصال”.
والاثنين تم التصويت في الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان في شمال العراق والذي تشير نتائجه الأولية قبل انتهاء عمليات الفرز إلى تصويت الأغلبية بـ”نعم”، للانفصال عن العراق.
والسؤال هو: من عليه الدور غدا من بلاد العرب والمسلمين ليكون الاستفتاء هو السكين التي تقطع جسده؟
الأصابع تشير إلى “دارفور في السودان، والصحراء المغربية من المغرب، والمناطق الكردية في سوريا، ومثيلاتها في تركيا وإيران، إلى جانب شمال اليمن وجنوبه”.
صرخة مدوية
وفي تعليقه قال رئيس حزب الجيل، ناجي الشهابي، إنه “بعد استفتاء كردستان العراق يتردد السؤال في أرجاء الوطن العربي ويمتد ليصل إلى إيران وتركيا ليحول السؤال إلى صرخة مدوية: من عليه الدور غدا من بلاد العرب والمسلمين ليكون الاستفتاء هو السكين التي تقطع أوصاله؟”.
وأشار الشهابي إلى أن “كل ذلك يتم وفقا للمخطط الغربي الصهيوني بقيادة أمريكا؛ والذي يستهدف رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط على غرار الخارطة التي نتجت من اتفاق بريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الأولى وسميت باتفاقية (سايكس بيكو)”، موضحا أن الهدف هو “تكوين خارطة جديدة يقسم فيها المقسم ويجزأ فيها المجزأ”.
وتوقع الشهابي “أن يذهب الاستفتاء وفق المخطط له إلى دارفور وكسلا في السودان، والصحراء المغربية من المغرب، وإلى المناطق الكردية في سوريا، ومثيلاتها في تركيا وإيران، إلى جانب فصل شمال اليمن عن جنوبه”، وقال: “وبأيدينا مكناهم من تنفيذ مخططهم التقسيمي”.
وأكد السياسي المصري تخوفه من أن “تشهد الأمة العربية تفتت دولها المركزية وارتفاع وتيرة الصرخات الطائفية والمذهبية وتدخل في النفق المظلم وتحقق أمريكا وبريطانيا وإسرائيل كل أهداف مخططها التقسيمي التفتيتي الواسع الراسم للشرق الأوسط الموسع أو الكبير”.
الضغط على الأطراف
وفي تعليقه على تلك الأزمة، ذكر الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية، السيد أبو الخير، جملة الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، أنه “يجرى الضغط على أطراف العالم العربي للانقضاض على القلب”.
وأضاف أن “تلك الاستراتيجية يتبعها الغرب منذ فترة طويلة وبدأت بانفصال السودان عن مصر، ولذلك وضعوا بين كل دولة عربية وجاراتها مشكلة حدودية”، مؤكدا أن “الخطة هي تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ بالوطن العربي”.
وتعجب أبو الخير، من أن الاستفتاء لتقرير حق المصير “لا يتم إلا في الدول العربية والإسلامية مثل إقليم آتشيه في إندونيسيا”، موضحا أن “هذا الاستفتاء المستحق لم يطبق على كشمير الواقعة بين الهند وباكستان، وذلك لأن أغلبية سكان الإقليم مسلمون وبالتالي فسوف تكون نتيجة الاستفتاء لصالح المسلمين”.
الأكاديمي المصري أكد أنه “من الناحية القانونية في القانون الدولي فإن استفتاء كردستان غير قانوني ولا تنطبق عليه شروط حق تقرير المصير؛ لأن شرط تطبيق حق تقرير المصير لا يكون سببا في اقتطاع جزء من الدولة الأم ولا يترتب عليه تفتيت الدول الموجودة”.
وأضاف أن “الأقلية الكردية بالعراق لا تعدو أن تكون أقلية وليس متوفر فيها شروط الانفصال حسب القانون الدولي؛ ومنها أن تكون تلك الأقلية لها تاريخ مشترك وتتمتع بمزايا ومظاهر تختلف بها عن باقي سكان الدولة العراقية”.
وأكد أبو الخير أنه “على العكس فالأكراد مشتركون مع باقي سكان العراق ولا يوجد ما يتميزون به عن باقي سكانه، كما أن تطبيق الاستفتاء يأتي باقتطاع جزء من دولة وتفتيت دولة العراق”.
وتساءل: “لماذا لم يطبق الاستفتاء على إقليم الأحواز العربي الذي تحتله إيران مع مطالبة العرب سكان الإقليم ورغم أن كافة شروط الاستفتاء موجودة بإقليم الأحواز شعبا وأرضا؟”.
وأردف أبو الخير بأن “الاستفتاءات وسيلة ضغط غربية على الدول تنفذ لصالح الغرب ولتحقيق مصالحه، لا مصالح الدول ولا الشعوب والهدف تفتيت الدول للهيمنة عليها”، مشيرا إلى أن “أغلب الدول التي نشأت بالاستفتاء لا تملك أساسا مقومات الدولة، ومنها جنوب السودان الذي لا يملك مقومات الدول الأساسية”.
رقصة المذبوح
ويرى الكاتب الصحفي أحمد حسن الشرقاوي، أن “مسلسل تقسيم المنطقة بدأ منذ بداية القرن منذ عام 2000 وحتى الآن؛ لكننا مثل المذبوح يرقص من الألم”، موضحا أن “جنوب السودان كان البداية ثم (الفوضى الخلاقة) المدبرة في سوريا والعراق والآن كردستان”.
وأكد نائب مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط سابقا، أن “التوافق الأمريكي الإسرائيلي الأوروبي على تقسيم المقسم وتفتيت المفتت في منطقتنا؛ يسير مثل السكين في الزبد منذ عقدين تقريبا”، مضيفا أن “كلمة السر فيه هي (تخدير شعوب المنطقة) حتى لا تدرك ما يحاك ويدبر لها في الخفاء”.