الاربعاء 11 اكتوبر 2017 15:05 م بتوقيت القدس
وصف تحقيق لصحيفة لوموند الفرنسية القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان بأنه "قلب المؤامرات السياسية والمالية في الشرق الأوسط"، كاشفا دوره في تخريب الثورات العربية ومحاصرة الإسلاميين، مشيرا إلى أنه يحظى في كل تحركاته بدعم سخي ورعاية كريمة من صديقه الحميم ولي عهد الإمارات محمد بن زايد.
وقال مراسل الصحيفة في بيروت بنيامين بارت في تحقيقه إن شبح "أبو فادي" -كما يعرف دحلان بين الفلسطينيين- يحوم من جديد في سماء غزة، وإن اسمه على كل لسان وأمواله تشغل كل الأذهان.
وكشف بارت أن قائد جهاز الأمن الوقائي السابق البالغ من العمر 56 عامًا هو أحد الفاعلين الرئيسيين في لعبة جيوسياسية كبيرة تشارك فيها مصر والإمارات وجهات فلسطينية، وتستهدف استعادة قطاع غزة من الإسلاميين المنهكين بعشر سنوات من الحصار وثلاث حروب مع إسرائيل.
ولتحقيق مآربه في غزة، يقوم دحلان منذ بداية الصيف الحالي بمناورات بدعم مالي إماراتي ومباركة مصرية للعودة إلى القطاع في ظل حديث عن تقاسمه السلطة مع الإسلاميين بحيث يتولى هو الإدارة المدنية للقطاع ويحتفظ الإسلاميون بالمهام الأمنية.
وقد دفع احتمال عودة "أبو فادي" إلى السياسة المحلية الفلسطينية غريمه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى الإعلان عن تولي حكومته السلطات التنفيذية في القطاع، وذلك بمبادرة من حركة حماس، التي -يبدو أنها- تلعب على التنافس بين قطبي حركة فتح، مما يعني أن دحلان خسر هذه الجولة لصالح عباس، لكن لا شك في أنه لم يقل كلمته الأخيرة، إذ إنه منذ أن أصبح "شخصا غير مرغوب فيه" في فلسطين وهو يصنع لنفسه الأصدقاء من ذوي المناصب العليا في المنطقة.
والمتتبع -مثلا- لتحركات دحلان خلال السنوات الثلاث الأخيرة يجد أنه قابل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مرات عدة، وشارك في مفاوضات بالخرطوم لبناء سدّ على النيل، ونفذ مهمات سرية لدى الجنرال خليفة حفتر في ليبيا الذي يتهم بأنه هو من يمده بالأسلحة والمرتزقة، وساهم في تأسيس حزب معارض سوري جديد في القاهرة، وتواصل بشكل سري مع فاعلين سياسيين تونسيين في المرحلة الانتقالية.. إلخ، إضافة إلى ما ينقل عن بعض العارفين به في فرنسا من أنه حضر خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الرياض في مايو/أيار الماضي إلى جانب 50 زعيم دولة عربية ومسلمة.
دحلان وابن زايد.. طموحات متطابقة
ويعود الفضل في الصعود المذهل لدحلان إلى كونه المستشار المقرب والصديق الحميم لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، القائد الفعلي للإمارات، منذ تواري أخيه غير الشقيق الشيخ خليفة بن زايد عن الأنظار بعد إبعاده عن السلطة على أثر إصابته بجلطة دماغية، وبفضل هذا الغطاء السياسي الذي يحظى به دحلان والشيكات الإماراتية المفتوحة التي توفر له وتقديم بن زايد له كــ"شقيق"، غدا أبو فادي لاعبا في حلبة الكبار.
وهو يعامل -حسب ما نقلته لوموند عن دبلوماسي عربي في باريس- "كشيخ من الأسرة الحاكمة، أي معاملة تفوق تلك التي تخصص للوزراء، ففي باريس مثلا، تفتح له السفارة الإماراتية قاعة الشرف في المطار ويستقبل بسيارات الليموزين".
أما المهمة التي كلفه بها "ولي نعمته" فهي عمل كل ما في وسعه للتأثير على إعادة عملية شرق أوسط ما بعد "الربيع العربي"، وذلك حسب رغبة ابن زايد المتمحورة حول نفوره من ثلاثي الإسلاميين وإيران وقطر.
ويعلق صحفي فلسطيني مقيم في رام الله على مهمة دحلان هذه قائلا إن هذا هو "رجل الإمارات في حربها ضد الإخوان المسلمين، إذ إنه الوحيد من قيادات الجيل الثاني في فلسطين الذي يتمتع بعلاقات مع شخصيات رفيعة في المنطقة، إنه أخطبوط حقيقي".
وحسب لوموند فإن لدى دحلان شركة أبحاث في أبو ظبي تُسمّى "الثريا"، وهي مركز دراسات اقتصادية، ضمن سلسلة مؤسسات يمارس من خلالها محمد دحلان أنشطته، وتنقل عنه قوله إنه يملك مكتبًا في أبو ظبي وآخر في القاهرة وآخر في أوروبا.
ويقول دحلان إنه طوّر أعماله لوحده، نافيا أن يكون مستشارًا لابن زايد، وزاعمًا أنه "مجرد صديق للأسرة الحاكمة"، لكن الصحيفة تنبه إلى من يفتش في الموقع الإلكتروني لـ"إنترناشيونال كومبني بروفايل"، وهي وكالة لتقييم مخاطر القروض، يجد أن الثريا هي شركة تابعة لمجموعة "الإمارات الملكية القابضة"، المملوكة لأسرة آل نهيان.
ويبدو أن علاقة دحلان بابن زايد قديمة قدم طموحات الرجلين للاستيلاء على السلطة، إذ تقول الصحيفة إن الرجلين المولودين في العام 1961 التقيا لأول مرة عام 1993، حينما توجّه الزعيم الراحل ياسر عرفات إلى أبو ظبي، وكان دحلان وقتها مستشارا للرئيس الفلسطيني، وذلك قبيل توليه قيادة الأمن الوقائي في غزة، مباشرة بعد انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهو منصب سرعان ما أصبح مضخة يجبي من خلالها أموالا طائلة عبر فرض الضرائب على الشاحنات التي تدخل للقطاع، كما مكن هذا المنصب دحلان من تأسيس علاقات مع أجهزة استخبارات خارجية، بما فيها جهاز "الشين بيت"، وهو جهاز الأمن الداخلي في إسرائيل.
أما محمد بن زايد، الذي كان وقتها طيّارًا مقاتلًا، فقد كان يهيئ نفسه آنذاك ليصبح وريث أخيه غير الشقيق خليفة بن زايد الذي كانت ولاية العهد قد أسندت له دون منازع، وذلك قبل وفاة والدهما الشيخ زايد، وعلى طريقة دحلان اتخذ وقتها الأمير الشاب من مؤسسة للدولة تقوم بإدارة أصول شركات التسليح الأجنبية ركيزة لصعوده السياسي، فبات الرجلان الثلاثينيان آنذاك، المتعطشان للسلطة، يجتمعان في الكثير من المناسبات لتتكون بينهما على أثر ذلك صداقة وطيدة.
ورغم أعمال العنف التي ارتكبتها قواته في غزة، وهزيمتها في مواجهة حماس عام 2007، واصل دحلان صعوده في سلم القيادة الفلسطينية، فتمّ انتخابه عام 2009 عضوا في اللجنة المركزية لفتح، التي تعتبر ممرا إلزاميا لمن يصبو للرئاسة، وذلك قبل أن يفرض نفسه مستشارا أمنيا لمحمود عباس، وقد أبدى المحافظون الجدد في إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن إعجابهم بدحلان الذي كان يسخر سرا من "الحرس القديم" في منظمة التحرير الفلسطينية.
وفي صيف العام 2011، وخشية من الانقلاب عليه، قام محمود عباس بعزل دحلان، وطلب التحقيق في تجاوزات مالية لدحلان، مما اضطر هذا الأخير للجوء فورا إلى الإمارات عند "أخيه" ابن زايد الذي بدوره ترجم غضبه من تعامل عباس مع صديقة بأن أوقف تمويلا كان يقدمه للسلطة الفلسطينية وكان يتراوح ما بين 100 و150 مليون دولار في السنة الواحدة طيلة سنوات ما بعد 2000.
دحلان يباشر عمله فور وصوله أبو ظبي
في أبو ظبي وجد دحلان تجمعا لرموز الأنظمة القديمة التي أطاحت بها الثورات العربية، من أمثال رئيس الوزراء المصري الأسبق أحمد شفيق ومحمد إسماعيل المستشار الأمني لسيف الإسلام القذافي نجل العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، إضافة إلى أحمد صالح ابن الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح وقائد حرسه الجمهوري.
لم يضيع دحلان الوقت في تأمل تقلبات التاريخ، بل بدأ يعمل بجد لمواجهة صعود الإخوان المسلمين الفائزين في الانتخابات التي جرت في مصر وتونس بعد انتفاضات عام 2011، كما دشن ولي نعمته الإماراتي دبلوماسية سرية وتحريضية خشنة، وجعل من دحلان إحدى دعائم هذا التوجه المضادة للثورة.
ففي مصر قام ابن زايد ودحلان بفعل كل ما في وسعهما لزعزعة الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، وقاما بتمويل الاحتجاجات ضدّه في يونيو/حزيران 2013 التي مهدت للانقلاب العسكري لعبد الفتاح السيسي، فالحرب ضد الإسلاميين مفتوحة ودحلان يساهم فيها دون هوادة.
حقائب مليئة بالأموال في غزة
استثمر دحلان في وسائل الإعلام المصرية لصالح الإمارات، حيث ساهم في إنشاء قناة الغد التي يديرها عبد اللطيف الميناوي الصّحفي المقرّب من نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك والذي يتوق لعودته، وفي مقابل ذلك قدمت له السلطات المصرية خدمات، فسمحت مثلا لزوجته جليلة، في أبريل/نيسان 2015، بدخول قطاع غزة عبر معبر رفح، في الوقت الذي أغلقت فيه إسرائيل معبر بيت حانون (إيريز) بضغوط من محمود عباس. وبعد دخولها القطاع حاملة حقائب مليئة بالأموال مولت جليلة دحلان زواجا جماعيا لـ400 غزّي، وفي اليوم الموالي، ظهرت لافتات في شوارع غزة كتب عليها "شكرًا الإمارات".
ويرى صحفي مصري مقرب من أجهزة الاستخبارات المصرية في تعليق على الموضوع لصحيفة لوموند أن "السيسي ليس داعمًا لمحمد دحلان على وجه الخصوص، بل يتواصل مع قادة فلسطينيين، لكنه يريد تحريك المياه الراكدة، ولا بد أن نعترف بأن دحلان رجل ذكي ومفيد بالنسبة للنظام المصري لأن لديه علاقات ويعرف الداخل والخارج من القطاع".
أسلحة إماراتية لحفتر
كما استخدم رجل الإمارات علاقاته في ليبيا لخدمة الجنرال حليف أبو ظبي خليفة حفتر في مواجهة الإسلاميين وثوار مصراتة الموالين لقطر، بل مواجهة رئيس الوزراء الليبي فائز السراج الذي يحظى بدعم الدول الغربية، وهو في ذلك يعتمد على علاقاته مع قيادات سابقة من نظام القذافي مثل محمد إسماعيل، والملياردير حسن طاناكي الناشط في سوق الأسلحة، وكذلك أحمد قذاف الدم ابن عمّ العقيد الليبي الراحل معمر القذافي.
وأكدت مصادر متعددة أن هذه الشخصيات ساعدت أبو فادي على السفر مرات عدة إلى برقة منذ العام 2012، كما كشفت تسريبات للسيسي نشرتها وسائل الإعلام في شتاء 2015 عن سفر دحلان بطائرة خاصة من القاهرة إلى ليبيا، لكن ما الذي كان يعمله هناك؟ في هذه المسألة يؤكد مراقبون أن دحلان هو أحد الفاعلين في مجال نقل الأسلحة الإماراتية لمعسكر حفتر والتي سلط مراقبو الأمم المتحدة الضوء عليها، فهو فضلا عن حسه الأمني، يمتلك شبكة واسعة من الاتصالات في البلقان تؤهله لدور "الوسيط" في هذه القضية.
تلك الشبكة التي كوّنها في السنوات الأولى من الألفية الحالية، والتي بناها بناء للعلاقات الوطيدة التي كانت بين يوغوسلافيا السابقة ومنظمة التحرير الفلسطينية، إذ استطاع دحلان اقتحام عالم رجال الأعمال في هذه المنطقة، وتقرّب بشكل خاص من شخصيتين هما رئيس وزراء جمهورية الجبل الأسود ميلو دجوكافويتش الذي قاد حكومة بلاده أربع مرات ما بين 1991 و2016 والمشتبه في علاقاته بالمافيا، أما الرجل الثاني فهو رئيس الوزراء السابق والرئيس الحالي لصربيا ألكسندر فوشيتش، الذي يمكن أن يوصف بأي شيء إلا بالشفافية.
ولم يفوت دحلان فرصة استخدام هذه الأوراق، فعقد دحلان صفقات عدة مثل شراء أراض على طول طريق "زغرب بلغراد"، كما ساعد صديقه ابن زايد على اقتحام هذا السوق، وهكذا حصلت أبو ظبي ما بين عامي 2013 و2015 على العديد من العقود التجارية الضخمة في صربيا في ظروف مشبوهة، من بينها مشروع في بلغراد بقيمة 3.5 مليارات دولار لتجديد المدينة القديمة للعاصمة.
مخازن ضخمة للأسلحة في البلقان
لدى دحلان و11 شخصا من المقربين منه جوازات سفر صربية، وهو ورقة رابحة كذلك لابن زايد، إذ يمكنه -حسب لوموند- مزاحمة خصمه في هذه المنطقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
لكن مرد اهتمام ابن زايد بمنطقة البلقان هو احتواؤها على مخازن ضخمة من الأسلحة الموروثة منذ الحرب الأهلية التي شهدتها المنطقة في التسعينيات. وفي السنة الماضية، نشرت صحيفة غارديان تحقيقًا أعدته شبكة التحقيقات الاستقصائية في البلقان ومشروع مكافحة الجريمة المنظمة والفساد، كشف أنه خلال 2015 أقلعت ما لا يقلّ عن ثمان طائرات محمّلة بالأسلحة من صربيا إلى أبوظبي.
وتتساءل لوموند قائلة "هل كان من الصدفة أن يسافر حفتر نفسه إلى بلغراد في يونيو/حزيران من العام نفسه؟"، ثم تطرح سؤالا آخر "هل أعيد تصدير بعض تلك الأسلحة إلى ليبيا تحت إشراف دحلان؟".
وتجيب الصحيفة بأنه ليست ثمة وثائق تثبت ذلك بشكل قطعي، لكن القرائن التي تؤيده قوية للغاية، أما المرتزقة فتنقل عن الأمم المتحدة تأكيدها أنهم يتدفقون لمؤازرة حفتر خاصة من إقليم دارفور في السودان، وتشير الصحيفة إلى أن دحلان ليس ببعيد عن ذلك، إذ وفقًا لأحد قادة الجماعات المتمردة في السودان رفض الكشف عن نفسه للوموند، فإن دحلان اقترح عليه عقد لقاء في العام 2016.
وتضيف لوموند أنه في تسجيل منشور على يوتيوب، يظهر رجل مقرّب من رئيس الحكومة الليبية الأسبق محمود جبريل ينصح زعيم مليشيات بطلب "مساعدة دحلان"، مؤكدا أنه "هو رجل الإمارات الذي يوفر الأسلحة لحفتر"، وفق ما قال للوموند خبير في الشأن الليبي رفض الكشف عن اسمه، ويضيف أن دحلان يعمل مع صدام ابن خليفة حفتر، وأنهما شريكان في منجم بالسودان.
طرد قطر من تونس
تقول لوموند "من يقول ليبيا يقول تونس"، ففي تونس نسج دحلان علاقات مع قيادات من النظام السابق ومن اليسار "الاستئصالي" المعارض لحركة النهضة الإسلامية، ومن بينهم رفيق الشلي مسؤول سابق في الداخلية خلال حكم زين العابدين بن علي ورئيس حزب مشروع تونس ومحسن مرزوق المستشار السابق للرئيس الباجي قايد السبسي.
ويرى مراقبون أن دحلان يحاول من خلال هذه المناورات حثّ حزب حركة نداء تونس على فك تحالفه بحزب حركة النهضة، وبالتالي استبعاد قطر المؤيد الكبير لحزب النهضة وللرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي.
ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ، إذ يقول خبير مطلّع للوموند إن دحلان "يسعى كذلك لإقناع التونسيين بإغلاق الحدود مع ليبيا للتسبب في شح الموارد الغذائية في العاصمة طرابلس، وإثارة الفوضى, مما سيساعد مجموعات حفتر على التقدم".
نشاط دحلان بسوريا
ينشط دحلان كذلك في سوريا، حيث ساهم في مارس/آذار 2016 في بعث "تيار الغد" بقيادة الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض أحمد الجربا، وقد واكب الحفل شخصيات مصرية ولبنانية وروسية أيضا، إضافة لشخصيات مؤيدة للأسد والأكراد، ويصف الكاتب والباحث السوري سنان حتاحت أحمد الجربا بأنه "رجل مرن، من دون مبادئ تذكر، ما عدا عداءه للإسلاميين ولقطر وتركيا وهو بذلك متناغم مع دحلان".
ويضم تيار الغد مليشيا مسلحة موجودة في مناطق الشرق السوري، تتلقى أسلحة من كردستان العراق، ويقاتل رجالها حصرًا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في إطار التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، ومن خلال دعم هذه المليشيات تسعى الإمارات لتمرير أجندتها في المباحثات الداخلية للمعارضة السورية بغية منافسة قطر.
وفي لبنان
ويوجد محمد دحلان كذلك في لبنان في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، ولديه قوة مالية ضاربة عبر منظمة غير حكومية، وهو ما يمكنه من الحفاظ على حركة شبابية تعرف بــ"الحراك الشبابي"، ذات نشاط مشهود على المستوى الاجتماعي، فهم يقومون بعمل جيد مثل حملات لمكافحة المخدرات، وقد دفع ذلك أحزابا تقليدية إلى إنشاء حركة شبابية تحت اسم "شبابنا"، حسب ما نقلت لوموند عن الباحث المقيم في بيروت نيكولا دوبويار.
ولدى دحلان كذلك في لبنان مليشيات منشقّة عن حركة فتح على غرار مجموعة محمد عيسى في مخيم عين الحلوة، المعروفة سابقا باسم "لينو"، وهي مجموعة دخلت في مواجهات عسكرية مع مجموعات نظامية من حركة فتح بين عامي 2011 و2013.
عميل ذو تأثير دولي
تقول لوموند إنه لا يمكن إغلاق التحقيق حول دحلان دون المرور بنشاطاته في أوروبا، ففي خريف 2016 في بروكسل وخلال هذا الشتاء في باريس عقد دحلان مؤتمرات عدة حضرها مئات من أعضاء الشتات الفلسطيني من بينهم أعضاء في حركة فتح. وتنقل الصحيفة عن دبلوماسي فلسطيني بأوروبا قوله إن دحلان يسعى من وراء هذه المؤتمرات واللقاءات لإنشاء كيان موازٍ، كما أنه حاول التقرب من حركات التضامن مع الفلسطينيين والاتحاد الوطني للشباب الفلسطيني، وهي نقابة الطلبة الفلسطينيين في الخارج، لكنه لم ينجح في استقطاب هذه المنظمات النضالية.
وأخيرا يدرك دحلان جيدا أن المعركة مع الإسلام السياسي لا بد أن تتمّ كذلك على مستوى الأفكار، ولذلك فهو يستثمر في المؤتمرات ومراكز البحوث، ويقوم عبر مؤسسته "الثريا للاستشارات والبحوث"، التي يتحكم فيها الإماراتيون، بتمويل منصات حوار مختلفة مثل الموقع الإلكتروني "فورمينا" (من أجل الشرق الأوسط) الذي يوجد مقره في بروكسل، والمنتدى المتوسطي الخليجي الموجود في روما، والمركز الدولي للجيوبولتيك والتحليل الاستشرافي الموجود في باريس الذي يديره التونسي المازري الحدّاد، وهو أحد خدام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي المعجبين به.
وتستخلص الصحيفة من مشوار دحلان في العالم وما يقف خلفه من مؤامرات أن صعود هذا الرجل عبر الجمع بين الطرق الدبلوماسية والأعمال التجارية والاستخبارات مؤشر على عودة سياسة الحكم من خلال "القبضة الأمنية" في العالم العربي، وهو نظام مرغت ثورات عام 2011 أنفه في التراب، لكنه قرر اليوم الانتقام.