الجمعة 13 اكتوبر 2017 19:31 م بتوقيت القدس
(هذا المقال كتبه الشيخ رائد صلاح قبل اعتقاله الأخير الذي كان يوم الثلاثاء 15.8.2017 وهو يختتم سلسلة معركة الثوابت التي كتبها إسبوعيا لإسبوعية المدينة).
إنتصارا لثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية، ومتابعة لما كتبته في الحلقات السابقة ، وبعد أن استوفيت الكتابة عن الثوابت في كل أبعادها: الدينية والسياسية والإجتماعية والأخلاقية والإنتمائية، فأرى من الواجب أن أختم سلسلة هذه الحلقات التي جاءت بعنوان (معركة الثوابت) بهذه الملاحظات:
1. هذه الثوابت التي نطمع لكل واحد ينتمي الى هذه المركبات الثلاثة : الإسلامية العروبية الفلسطينية أن يتحلى بها سواء كان مسلما غير عربي أو مسلما عربيا أو عربيا غير مسلم وسواء كان فلسطينيا مسلما أو فلسطينيا غير مسلم.
2. هذه الثوابت التي نطمع لكل ممن ينتمون الى المركبات الثلاثة الإسلامية العروبية الفلسطينية ان يتخلصوا على ضوئها من آفة الإكراه الديني والإكراه الفكري والطائفية العمياء والقومية المنغلقة والوطنية المقطوعة والعصبية الجاهلية.
3. هذه الثوابت التي نطمع للكثير ممن ينتمون الى المركبات الثلاثة : الإسلامية العروبية الفلسطينية ان يتخلصوا على ضوئها من حالة (الفصام النكد) التي عاشوها خلال العقود الماضية عندما كان (الإطار) الذي جمعهم هو عروبيا فلسطينيا أو فلسطينيا أو فلسطينيا وكان ( المحتوى) لذاك الإطار هو رأسماليا أو إشتراكيا وقد فصلت الحديث عن ذلك في الحلقات السابقة.
4. على ضوء هذه الثوابت سنكون واضحين مع أنفسنا بمعنى أننا على ضوئها سنرفض من الغريب عن هذه الثوابت أن يحتلنا بجيشه أو بفكره ، وسنعتبر أن احتلاله لأرضنا بجيشه هو احتلال وهو مرفوض، والى جانب ذلك سنعتبر أن احتلاله لعقولنا بفكره هو احتلال وهو مرفوض ، وسنرى من الواجب علينا ومن حقنا في نفس الوقت أن نسعى الى إزالة احتلاله عن أرضنا أو عن عقولنا.
5. على ضوء هذه الثوابت سنصل إلى حالة انسجام مع مواقفنا بمعنى أننا سنتخلص من حالة معيبة سمح فيها البعض منا لنفسه أن يرفض من أمريكا أن تحتل أرضنا، ولكنه رحب بها يوم أن احتلت عقولنا بفكرها ، إلى جانب أن البعض منا سمح لنفسه أن يرفض من روسيا أو أوروبا أن تحتل أرضنا، ولكنه رحب بها يوم أن احتلت عقولنا بفكرها .
6. على ضوء هذه الثوابت سنصل الى حالة انسجام في قيمنا، بمعنى أننا سنعيب على كل واحد منا إذا رضي لنفسه أن يتعاون مع الغريب عن ثوابتنا لاحتلال أرضنا، وسنعيب في نفس الوقت على كل واحد منا إذا رضي لنفسه أن يتعاون مع هذا الغريب عن ثوابتنا لاحتلال عقولنا ، لأن الأول في هاتين الحالتين وصفناه أنه (عميل) لأنه هان عليه أن يتنازل عن أرضنا للآخر والثاني في هاتين الحالتين هو(عميل فكري) هان عليه ان يتنازل عن عقولنا للآخر.
7. على ضوء هذه الثوابت يمكن لنا ان نبدأ بالتخلص من لعنة (سايكس -بيكو) ، فنحن أمة إسلامية تلتحم مع عالم عربي وشعب فلسطيني ، يجمع بينهما الثوابت الواحدة ، ثم الوطن الواحد الكبير الإسلامي العروبي الفلسطيني ، ثم الماضي الواحد والحاضر الواحد والمستقبل الواحد، والتاريخ الواحد والحضارة الواحدة ، والألم الواحد والأمل الواحد الذي يجعل من قضية فلسطين وقضية القدس والمسجد الأقصى المباركين على سبيل المثال قضية كل من ينتمي الى الأمة المسلمة والعالم العربي والشعب الفلسطيني، والذي يجعل نصرة قضية فلسطين ونصرة قضية القدس والمسجد الأقصى واجبا على كل مسلم وعربي كما هو واجب على كل فلسطيني.
8. على ضوء هذه الثوابت سنتحرر من أوهام الحدود المصطنعة التي رسمها لنا الآخر والتي جعلت من الأمة الإسلامية والعالم العربي عشرات الدول وعشرات الشعوب وعشرات الجنسيات لا لسبب إلا لأن هذه الحدود المصطنعة فرقت بين الوطن الواحد الكبير الإسلامي العروبي الفلسطيني ، فصار هناك على سبيل المثال – السوري إلى جانب اللبناني إلى جانب الأردني إلى جانب العراقي إلى جانب الفلسطيني ، وبات كل واحد منهم ينتمي إلى شعب يستقل عن الآخر ، وإلى جنسية تستقل عن الأخرى، علما أنهم في الأصل أصحاب أرض واحدة ممتدة تشمل سوريا ولبنان والأردن والعراق وفلسطين، لولا هذه الحدود المصطنعة التي فتتت وحدة هذه الأرض الواحدة الممتدة وصاغت منها هذا التفكك ، كما لو تم فصل الرأس عن الجسد، ثم تم فصل اليدين ثم تم فصل الرجلين ، ثم قيل هذا الرأس جسد لوحده ، وهتان اليدان جسد لوحدهما وهاتان القدمان جسد لوحدهما، وتردت العلاقة يوما بعد يوم بين هذه الدول التي طرأت بعد تفكيك الوطن الواحد الكبير الإسلامي العروبي، فبعد أن كان الذي يجمع بينهما في بداية الأمر هو حسن الجوار، تحول حسن الجوار هذا الى علاقة فتور، ثم تحولت علاقة الفتور بين بعض هذه الدول إلى علاقة توتر ثم علاقة عداء ، ثم علاقة تآمر بعضها على بعض ، حتى بات البعض يخطط لإفناء الآخر ، ويا لها من فتن كقطع الليل المظلم، بات من الواضح أن لا مخرج منها إلا بالعودة إلى هذه الثوابت الإسلامية العروبية الفلسطينية.
9. على ضوء هذه الثوابت سنتحرر من مأساة الإنحياز طوال الوقت إلى غيرنا دون أن ننحاز إلى أنفسنا ، فأنحاز بعضنا إلى بريطانيا أو إلى فرنسا أو إلى ألمانيا أو إلى إيطاليا يوم أن كان الصراع بين هذه الدول على سيادة العالم، ثم انحاز بعضنا إلى أمريكا أو إلى الإتحاد السوفياتي- سابقا- يوم أن كان الصراع بين هذين القطبين على سيادة العالم، ثم انحاز بعضنا اليوم إلى أمريكا أو إلى روسيا أو إلى أوروبا أو إلى إيران خلال هذا الصراع الآني الجاري بين هذا الأقطاب، وبات البعض منا يلقى صعوبة إذا قال: أنا لست مع روسيا، وكأنه بات من المفهوم ضمنا أن صاحب هذه المقولة مع أمريكا، وبات البعض منا يتردد أن يقول: أنا لست مع إيران ،وكأنه بات من المفهوم ضمنا أن صاحب هذه المقولة مع أمريكا، وهذا المفهوم الضمني بات مزعجا وبات من الواجب أن نتحرر منه، وبات من الواجب أن يقول أحدنا: أنا لست مع روسيا ولا مع أمريكا، ولا مع إيران، ولا مع أوروبا ، أنا مع ثوابتي الإسلامية العروبية الفلسطينية.
10. على ضوء هذه الثوابت يمكن لنا أن نقيم معسكرا إسلاميا عروبيا فلسطينيا في مقابل المعسكر الأمريكي والمعسكر الصهيوني والمعسكر الروسي والمعسكر الإيراني والمعسكر الأوروبي، وسيكون هذا المعسكر الإسلامي العروبي الفلسطيني هو النصير لكل قضايانا الإسلامية والعربية بما في ذلك القضية الفلسطينية، وسيكون من الواجب علينا الإنحياز الى هذا المعسكر وإعلان البراءة من كل ما سواه من معسكرات مهما كان عددها ولو كان مثل زبد البحر ومهما كانت أسماؤها براقة وخداعة وفتانة.
11. على ضوء هذه الثوابت يمكن لنا في الداخل الفلسطيني أن نصوغ ميثاقا إجتماعيا مرجعيا يضبط لنا مسيرة حياتنا، ويحدد لنا العلاقات اليومية المهذبة التي يجب ان تربط بيننا على صعيد النقب والجليل والمثلث والمدن الساحلية، سيما أن مجتمعنا يتميز بوجود التعددية الدينية فيه الى جانب التعددية الحزبية فيه ، كما ويتميز بوجود النظام القبائلي في قطاع واسع منه وتحديدا في النقب، وبوجود نظام الحمائل في قطاع آخر منه، كما في بعض بلدان المثلث والجليل، ويتميز بوجود المسلم غير العربي فيه كما في كفركما والريحانية إلى جانب وجود المسلم العربي والعربي غير المسلم ، ويتميز بوجود بلدات ذات نسيج إسلامي فقط كما في النقب والمثلث، وببلدات ذات نسيج مسيحي فقط، كما في فسوطه ومعليا، وببلدات ذات نسيج درزي فقط كما في يركا وجولس وبيت-جن ، وببلدات ذات تعددية في نسيجها كما في شفاعمرو وكفر ياسيف وأبو سنان ففيها النسيج الإسلامي والمسيحي والدرزي ، ونحن مطالبون أن نحفظ وحدة الحال بين مكونات هذا النسيج في كل هذه البلدات ، وأن نجنب مكونات هذا النسيج أية فتنة طائفية أو حزبية أو قبلية أو عائلية ، وحتى نتحقق بذلك حقيقة ملموسة لا مجرد شعار إعلامي ، لا بد لنا من الإلتقاء على هذه الثوابت ولا بد لنا من صياغة ميثاق إجتماعي مرجعي على ضوئها ، لا يدع مجالا لأي دخيل صهيوني أو لأي عميل صهيوني أن يندس بيننا، وأن يحول البعض منا إلى حطب لنار المشروع الصهيوني ، أو الى حطب لنار أنانيته الشخصية العمياء التي باتت توحي له أنه يجوز إحراق الأخضر واليابس بهدف أن يتحقق أنانيته المشوهة ، التي تركته مشوها، وبات لا ينتمي الى مكونات نسيجنا الإجتماعي في كل الداخل الفلسطيني وإن كان يتكلم العربية كما نتكلمها، ويحمل اسما يشبه بعض الأسماء التي نحملها، ويجيد أكل المقلوبة والمنسف والكبة كما نأكلها.
12. كما نحن مطالبون أن ندفع خطر المصادرة عن أرضنا وخطر الهدم عن بيوتنا ، وخطر التدنيس عن مقدساتنا وخطر التفكيك عن مجتمعنا ، كما نحن مطالبون بكل ذلك فنحن مطالبون أن ندفع خطر خلط الأوراق عن ثوابتنا ، حتى لا يصبح المتمسك بها والمتنازل عنها سواء ، وحتى لا يصبح المدافع عنها والمعادي لها سواء ، وإلا سيصبح الأمين والخائن سواء ،وسيصبح الصالح والطالح سواء، وسيصبح المستقيم والمنحرف سواء وستصبح الخيانة وجهة نظر، قابلة للنقاش، وسيصبح الشذوذ الأخلاقي وجهة نظر قابلة للنقاش ، وسيصبح الإذدناب الى معسكر صهيوني أو أمريكي أو روسي أو إيراني أو أوروبي وجهة نظر قابلة للنقاش ، وعندها قد يختلط الحابل بالنابل ، ويعمنا فوضى لا حدود لها، وفتنة عمياء تدع الحليم حيرانا، ولا مخرج لها اليوم أو غدا أو بعد غد إلا بالعودة إلى ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية.