السبت 03 فبراير 2018 16:16 م بتوقيت القدس
كشفت صحيفة الأخبار اللبنانية طريقة حصول رئيس السلطة محمود عباس على طائرته الرئاسية الجديدة، والذي اشتراها بمبلغ "50" مليون دولار في وقت تعاني فيه السلطة من أزمة مالية، وتخصم حكومة الحمد الله رواتب موظفي السلطة بغزة، واستمرار الحصار على قطاع غزة منذ 11 عاماً.
نبأ شراء عباس لطائرة جديدة، كشفته الصحافة الإسرائيلية قبل أيام، الأمر الذي قوبل بصمت مطبق من السلطة الفلسطينية، باستثناء بعض الأصوات التي نفت الأمر وقالت إنها هدية من الرئيس الروسي، بينما قال آخرون، "ولم لا يحصل الرئيس على طائرة جديدة بدل الطائرة القديمة"، كقول محمود الهباش مستشار عباس.
الصحيفة اللبنانية، قالت اليوم السبت إنها حصلت على وثائق تثبت شراء السلطة بطريقة غير مباشرة طائرة جديدة خُصّصت لرئيس السلطة محمود عباس، وتثبت الوثائق والمراسلات الداخلية أن الطائرة اشتريت بالفعل، وهي حديثة وعمرها في الخدمة لا يتعدى 6 سنوات و3 أشهر، وتكلفتها 50 مليون دولار، وبدأت نقل عباس منذ أسبوعين.
وتظهر الوثائق أنه في الثامن من آب الماضي (2017)، بعث رئيس وحدة الطيران الرئاسي، اللواء طيار ناهي مناع، كتاباً مروّساً عبر «ديوان الرئاسة» ، وهو موجه إلى رئيس مجلس إدارة «صندوق الاستثمار»، محمد مصطفى، بعنوان «استبدال الطائرة غلوبال 500». يقول مناع في الكتاب إنه جرت «مداولات طويلة» بين فريق مشترك من الصندوق وآخر من «وحدة الطيران الرئاسي» خلُصت إلى إقرار استبدال «الطائرة الرئاسية (الحالية) من طراز غلوبال 500 بأخرى أحدث وأكثر ملاءمة لأمور العمل (تكون من) طراز BOEING/BBJ (و) تغطي الاحتياجات للسنوات المقبلة».
وأضاف منّاع أنه عُرض على رئيس السلطة محمود عباس خياران لم يبد أي اعتراض عليهما: الأول هو الذي تمت الصفقة فيه، والخيار الثاني كان بديلاً جاهزاً «في حال تعثر مشروع شراء الطائرة الأولى». ونوع الطائرة الأولى هو BBJ#41658-BOEING737 سعة 27 راكباً، فيما كانت الثانية BBJ#40117-BOEING737. وذكر اللواء أنه استناداً الى «موافقة فخامة الرئيس... أنقل إلى معاليكم توصية بالعمل على شراء إحدى الطائرتين، بالتوازي مع عرض الطائرة غلوبال 500 للبيع واستخدام عائد البيع في تمويل الطائرة البديلة».
شركة «أوف شور» على الخط
لكن وثيقة أخرى قبل ذلك، في الثامن عشر من تموز 2017، تبيّن أن محمد مصطفى كان قد مهّد لهذه الدراسة الطويلة عبر شركة AGAMC A.V.V التي عرّف عن نفسه خلال التوقيع بأنه مديرها. و وقّع مصطفى باسم الشركة عقداً مع مستشار قانوني مقيم في دبي في الإمارات العربية المتحدة (DOLAND H. BUNKER AND ASSOCIATES) بقيمة 25 ألف دولار ليقوم بالتواصل مع الشركات وإتمام المعاملات القانونية في هذا الشأن. واللافت أن AGAMC A.V.V ، التي وقّع مصطفى العقد باسمها، ستبقى في بقية الأوراق هي المعتمدة بدلاً من «صندوق الاستثمار»، كما ستُصرف الدفعات المالية لحساب هذه الشركة التي ستكون في النتيجة مالكاً للطائرة، علماً بأن مقرها كما عرّفت عن نفسها في عقد آخر يقع في جزيرة «أرُوبا» الواقعة جنوبي البحر الكاريبي، وهي من شركات «الأوف شور» التي ورد ذكرها بإدارة مصطفى في قضية أوراق بنما.
ولاستعمال شركة مثل هذه لشراء طائرة أسباب عدة؛ منها التهرب الضريبي أو ما يمكن أن يرتبط بإشكالات تتعلق بكون المشتري جهة رسمية فلسطينية، وفق اقتصاديين ومختصين، لكن ذلك يقود في النهاية إلى أن الطائرة عملياً ليست مسجلة باسم الصندوق ولا باسم رئاسة السلطة، وإنما باسم مصطفى شخصياً عبر شركته. وهو ما جعل عدداً من القانونيين يحارون في إجابتنا عن مصير الطائرة بعد ترك عباس الرئاسة أو رحيله، وهل هناك ما يثبت أنها لرئاسة السلطة أو أنه يمكن لأي رئيس مقبل استعمالها، وخاصة أنه لا موانع قانونية من تسجيلها باسم الصندوق أو السلطة، علماً بأن الأول وفق قانونه الداخلي غير مخوّل ولا ملزم بتاتاً بأن يتكلف نفقات الثانية، ومن ذلك ديوان الرئاسة.
في الثامن والعشرين من أيلول الماضي، أي بعد نحو أربعين يوماً على رسالة اللواء مناع، وقّعت شركة مصطفى عقداً مع شركة «نانشان» الصينية المالكة الأخيرة للطائرة التي كانت ملكاً للشركة المصنعة حتى عام 2013 كما يُظهر سجل الطائرة ، وذلك بقيمة 50 مليون دولار أميركي التي أوردها الإعلام الإسرائيلي، لكن لم يذكر أن الصندوق سيساهم في 30 مليوناً فقط، بل تكفل بدفع المبلغ كله. وتضمّن العقد أن تقدّم شركة مصطفى دفعة مقدارها 500 ألف دولار توضع في حساب الوسيط القانوني المذكور في دبي كـ«دفعة نيات طيبة». لكن هذه المرة وقّع وائل صبيح (عرف نفسه portfolio manager) بدلاً من مصطفى بالنيابة عن شركة «الأوف شور» نفسها AGAMC A.V.V ، فيما قضى العقد بأن تسلم الطائرة لبدء صيانتها في الخامس عشر من تشرين الثاني 2017.
في الثامن عشر من تشرين الأول الماضي، راسل الوسيط (DOLAND H. BUNKER AND) ASSOCIATES) صبيح بشأن دفعة الخمسمئة ألف دولار، معطياً إياه تفاصيل الحساب البنكي الواجب التحويل إليه، كما راسل صبيح الشركة الصينية لإبلاغها ببدء التنفيذ الفعلي للاتفاق، وهو فعلاً ما بادر إليه في اليوم التالي (19/10) بمراسلة فادي دويك (المدير العام لصندوق الاستثمار) لإيضاح تفاصيل العملية وطلب دفعة النيات الحسنة. في اليوم نفسه، ظهرت فاتورة مدفوعات باسم «صندوق الاستثمار الفلسطيني» دفع مبلغ 500 ألف دولار لحساب الطائرة الرئاسية لتحول إلى رصيد المستشار، وقد وقّع على تسلّم الفاتورة صبيح نفسه، لكن باسم الشركة المسجلة باسم محمد مصطفى، التي لم يتضح هل استفادت من عمولة خارجية من هذه العملية أم لا.
كذلك، سُجلت مراسلة في الثامن عشر من تشرين الأول بين شركة JETCRAFT السنغافورية وصبيح، وقد أُرفق معها عرض مؤرخ في الخامس عشر من الشهر نفسه يشمل موافقة الشركة الصينية (نانشان) على مقترحات الصيانة والتعديلات التي قدمتها JETCRAFT المشمولة ضمن JETAVIATION.
والأخيرة أرسلت بدورها إلى مدير الصندوق، مصطفى، بصفته مدير AGAMC في الثالث عشر من تشرين الثاني 2017 عرض الصيانة للطائرة وذلك بتكلفة 99.340 دولاراً، وفيه بالتفصيل تكاليف الخبراء وبعض المهمات الإضافية، وهو ما وقّع مصطفى عليه موافقاً في الخامس عشر من الشهر نفسه، أي بعد يومين فقط.
فعلاً، حُوّل إلى حساب الشركة المبلغ المطلوب بعدما صرفت فاتورة مدفوعات باسم وائل صبيح بالمبلغ المذكور بالنيابة أيضاً عن شركة مصطفى، وتمت العمليتان في السابع عشر من الشهر نفسه (17/11)، علماً بأن صبيح في تعريفه عن نفسه كان يستعمل بريداً إلكترونياً رسمياً من حساب الصندوق pif.ps ويضع عنوانه في مصر (القاهرة ــ حي الزمالك) ورقم هاتف أردنياً، على خلاف الأطراف كافة التي كانت تستعمل تفاصيل متناسقة.
إلى هنا تنتهي الوثائق والبريد الإلكتروني الرسمي، لكن يُبيّن سجل الطائرة أنها انتقلت عملياً إلى العمل ضمن خطوط شركة «أجنحة العرب» في الأردن (Arab Wings Company) في الشهر الأول من العام الجاري (2018) تحت مسمى استعمال خاص VIP واسم جديد ألصق عليها هو T7-PAL، وهو ما ينفي ما قيل إنها ستعمل بإشراف «الخطوط الفلسطينية». وبمقارنة سجل رحلات الطائرة عبر المواقع المتخصصة مع رحلات محمود عباس، يتبين أن الاثنين يتطابقان، إذ كانت الرحلة الأولى في الثاني والعشرين من كانون الثاني الماضي من عمان إلى بروكسل وبالعكس (حيث اجتمع عباس مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي)، و الثانية في الثامن والعشرين من الشهر نفسه، من عمّان إلى أديس أبابا (حيث شارك عباس في القمة الأفريقية) ثم عادت إلى العاصمة الأردنية.
أما ما يلفت أكثر، فهو سجل الشركة الأردنية المشغلة للطائرة ، Arab Wings، التي يذكر موقعها الإلكتروني أنها شركة مساهمة عامة محدودة تاريخ تسجيلها 2005، ورأس المال المكتتب فيها يبلغ 14 مليون دينار موزعة على أسهم مملوكة بالكامل للشريك الوحيد والمؤسس: «شركة أكاديمية الطيران الملكية الأردنية». وكان آخر حركة متعلقة بالتسجيل القانوني للشركة المشغلة قد أعلنت في الجريدة الرسمية عام 2010، وورد فيها أن أعضاء مجلس الإدارة هم: محمد أحمد أبو غزالة (رئيس) وأحمد محمد أبو غزالة (نائب رئيس)، بجانب أعضاء منهم: نشأت طاهر المصري وخالد صبيح المصري وفراس القراعين وأمير أحمد أبو غزالة.
أما «أكاديمية الطيران الأردنية» ، الموزعة أسهمها على 19 شريكاً من حملة الجنسيات الأردنية والبحرينية والسعودية والإماراتية واللبنانية، فيشارك فيها عدد من أعضاء مجلس إدارة «أجنحة العرب» أنفسهم عبر شركة مسجلة في جزر كايمن، غربي البحر الكاريبي، وشركات محلية أخرى. والشركة المسجلة في كايمن تحمل اسم «فرسان» ويضم فريقها ليث منيب ونشأت طاهر المصري وشهم الور. هذا الثلاثي يمثّل فريقاً مثالياً من رجال الأعمال من متخرجي جامعة هارفارد، اثنان منهم من عائلة المصري يشكلان بخلفيتهما الاقتصادية جزءاً من حالة التخطيط ووضع الاستراتيجيات. أما الور، فهو يعدّ المرجعية القانونية بسبب خبرته العملية في مجال المحاماة وتوليه مناصب في البنك المركزي الأردني.
ويشغل أعضاء مجلس الإدارة للشركة التي تشغل طائرة عباس، وهم على صداقة مع ولديه ياسر وطارق، مناصب في مجالس إدارة شركات أخرى في مجالات عدة، أي أنهم مجموعة تشكل دائرة ضيقة من المصالح الممتدة، لا في الساحة الأردنية كونهم يحملون جنسية المملكة، بل على مستوى فلسطين والشركات التي نمت وتأسست بعد توقيع اتفاقية أوسلو، فضلاً عن التزاوج بين المال والسياسة والتقارب الملحوظ مع دوائر صنع القرار على ضفتي نهر الأردن. وهم ليسوا رجال أعمال صغاراً، بل معروفون على مستوى العالم باستثماراتهم الضخمة ولا سيما أن بعضهم جزء من مجموعات ضخمة قدمت خدمات لوجستية للجيش الأميركي أثناء غزوه العراق.
تعقيباً على ذلك، يقول الاختصاصي الاقتصادي الفلسطيني نهاد نشوان إن «صندوق الاستثمار يتعامل مع السلطة على أنها شريك مساهم عبر سلطة النقد ووزارة المال، لكن ليس من مهماته تغطية نفقات الرئاسة لأنه وفق تعريفه يجب أن يستثمر أموال الشعب الفلسطيني بما يعود بالفائدة على الأخير... لمرة واحدة أو اثنتين استلفت السلطة رواتب من الصندوق». وبالسؤال عن تسجيل الطائرة باسم شركة «أوف شور»، قال نشوان إنه «قد يكون من الطبيعي وجود وسيط بين المالك الأساسي والمشترى منه، لكن الخطوات التي اطلعت عليها منكم تدل على تضليل مالي له أهداف عدة»، محيلاً إلى مراجعة التقارير السنوية للصندوق.
بمراجعة تلك التقارير المالية، من عام 2006 حتى 2015، المنشورة على موقع الصندوق، يظهر في تقرير 2016 (ص 97) صرف 36 مليون دولار، ثم في تقرير 2015 (ص 83) صرف نحو 35 مليوناً، وفي تقرير 2014 صرف 39 مليوناً، كلها على ما سمي «ذمم طيران» في بند «حساب جاري المساهم» من دون توضيح أين ذهبت هذه المبالغ وطريقة صرفها، وهكذا دواليك في الأعوام الماضية، وقد كانت توضع في بند «ذمم مدينة»، لكن اللافت أنها في تقرير 2009 وبعض ما قبله كانت توضع في البند نفسه تحت عنوان «ديوان الرئاسة». وبقيت تلك المبالغ تتصاعد تدريجياً حتى وصلت إلى سقف 40 مليوناً سنوياً، علماً بأن تقرير 2017 لم يصدر حتى كتابة التحقيق.
بعد وقت قصير على فتح ملف طائرة الرئاسة، صدر في الثلاثين من كانون الثاني الماضي قرار موقّع من وزير النقل والمواصلات ورئيس «المجلس الأعلى للخطوط الجوية الفلسطينية»
، سميح طبيلة، بتكليف الكابتن عارف حمدان مديراً عاماً للخطوط الفلسطينية، التي كانت قد تأسست عام 1995 وبدأت أعمالها في 1997 وهي مملوكة للسلطة، ولـ«صندوق الاستثمار» على ما يبدو مساهمات فيها.