الاربعاء 14 فبراير 2018 19:38 م بتوقيت القدس
برر البروفيسور دانيال بالتمان، في مقال نشرته "هآرتس" هذا الأسبوع، العمليتين الفدائيتين اللتين جرتا مؤخرا وقتل خلالهما حاخامين مستوطنين باعتبارهما شكلا من أشكال العنف الذي ينتجه الواقع الكولونيالي.
واعتبر بالتمان، الأقوال التي أدلى بها حاخام مستوطنة "يتسهار"، دافيد دود كبيتس، خلال جنازة المستوطن إيتمار بن غال، ودعا فيها إلى إبادة الشعب الفلسطيني، بمثابة تحريض على "قتل شعب" طبقا لما نصت عليه ميثاق الأمم المتحدة الخاص بمنع وعقاب جريمة قتل شعب من عام 1948.
وأشار بالتمان إلى أن الحاخام إيتمار بن غال، وكذلك الحاخام رزيال شيفح، اللذين قتلا في عمليتين قام بهما فلسطينيان، كانا يسكنان في مستوطنتين من أكثر المستوطنات تطرفا، "حفات غلعاد" التي أقيمت بشكل غير قانوني (وفق القانون الإسرائيلي) وهي من المستوطنات العنيفة التي ترعى فكرة "تدفيع الثمن"، حيث دافع مؤسس المستوطنة إيتاي زار علانية عن "شبيبة التلال"، وله تاريخ زاخر في الاعتداءات الخطيرة على الفلسطينيين، كما يشكل هو ومجموعته عصابة خطيرة وعنيفة يفترض بدولة قانون أن تضعهم في السجن. وأن رزال شيفح كان حاخام تلك المجموعة التي أوقعت خلال محاولة إخلاء المستوطنة عام 2002 عشرات الإصابات في صفوف جنود الجيش الإسرائيلي.
أما الحاخام براخا فهو معروف بحكم انتسابه للمدرسة الدينية التي يقف على رأسها الحاخام إليعيزر ملاميد، وهو من أكثر حاخامات المستوطنين تطرفا، وكان من الداعين إلى رفض تنفيذ الأوامر خلال عملية الانفصال عن قطاع غزة، ومن الداعمين البارزين لـ "شبيبة التلال" وتعتبر مستوطنة "هار براخا" إلى جانب مستوطنتي "يتسهار" و"حفات غلعاد" من النواة العنصرية المتطرفة للمستوطنين في شمال الضفة الغربية المحتلة، وهي المستوطنة التي اختار إيتمار بن غال، أن يعيش فيها مع عائلته ويعمل فيها كمرب.
ويرى الكاتب أن شرعنة طرد وقتل الفلسطينيين هي فكرة تسكن عقلية المستوطنين منذ بداية الاستيطان، مستندا إلى بحث أجرته بروفيسور نعيمة برزيلاي وصدر مؤخرا، بعنوان "المستوطنون في القلوب".
ويفيد البحث أن العديد من الفتاوي صدرت عن حركة الاستيطان التابعة للصهيونية الدينية و"غوش إيمونيم"، بما فيهم الحاخام يهودا كوك، تدعو إلى مصادرة حقوق العرب وتشجيعهم على الهجرة وإعطاء شرعية لقتلهم دون تمييز خلال الصراع المسلح.
الفتاوى والدعوات التي اقتصرت في حينه على الحلقات والغرف المغلقة، انتقلت اليوم إلى العلن ولذلك لا نستغرب من الاقتراحات التي تطرح حول "الحل النهائي" للقضية الفلسطينية ابتداء من خطة المراحل التي يقترحها عضو الكنيست سموتريتش وحتى التطهير العرقي و"إبادة شعب" كما يقترح دود كوفيتش.
ولفت بالتمان وهو أستاذ التاريخ في الجامعة العبرية في القدس، إلى أن العمليتين أعادتا إلى جدول الأعمال الصراع الدائر بين "الإرهاب الفلسطيني" وبين مجموعة المستوطنين التي تستولي على أراضي ومناطق يسكن بها شعب آخر، وتمارس بمساعدة الدولة حربا لاقتلاع السكان المحليين من أرضهم، بينما يرد هؤلاء بما يسميه "إرهاب قاتل" ضد المواطنين المحسوبين على المجموعة التي تسعى لاقتلاعهم من أرضهم. ويرى في هذا السياق أن العمليتين الفدائيتين اللتين قتل خلالهما الحاخامان المتطرفان رزيال شيفح من مستوطنة "حفات غلعاد" وإيتمار بن غال من مستوطنة "هار براخا" شكلا من أنماط العنف التي ينتجها الواقع الكولونيالي.
وهو إذ يسبغ الشرعية على العنف في الواقع الكولونيالي يرى فيه سلاح اللا خيار، ويقتبس ما يقوله الفيلسوف فرانز فانون في هذا السياق، بأنه علاج ضروري للمرض الذي فرضه الاستعباد الكولونيالي، وأن التحرير الحقيقي وترميم الكرامة المهانة يتسنى فقط عندما يرد الكولونيالي بالعنف على المس به وعندها يقوم السكان المحليين بتقديم تضحياتهم في هذا الصراع.
وفي إسقاطه للصورة التي يرسمها فانون على الواقع الفلسطيني يقول بالتمان، الفلسطينيون في الضفة وغزة يعيشون في ظل هكذا واقع فهم مهانون ومسلوبون ومسجونون في غيتو مكتظ، ظروف الحياة فيه من الأسوا في العالم ووهو يذكر بالغيتوات التي كانت في بولندا وفي ألمانيا النازية، حيث يجري إطلاق النار عليهم من قبل الجنود مثلما يتم إطلاق النار على الكلاب الضالة، ويتم اقتحام بيوتهم في الليالي وإخافة أطفالهم، كما تطاردهم عقد النقص، مجتمعهم مفكك، وهم مرتبطون بشكل مطلق بإسرائيل وأيضا بالغرب والعرب وكل هؤلاء يتركونهم لقدرهم. ويخلص إلى نتيجة بأن العنف في هذه الحالة وبقدر ما يبدو مأساويا فهو ذا فعل تحريري.