الاحد 15 يوليو 2018 16:24 م بتوقيت القدس
أجمع المحللون العسكريون في مقالاتهم المنشورة في الصحف الإسرائيلية الصادرة اليوم، الأحد، ويستعرضها هذا التقرير، على أن القصف المتبادل بين قطاع غزة وإسرائيل، أمس، ورغم كثافته، إلا أنه يدل على أن الجانبين لا يتجهان نحو مواجهة عسكرية واسعة. واعتمد المحللون في رأيهم بهذا الخصوص على أن حماس لم تطلق صواريخ طويلة المدى وإنما باتجاه البلدات الإسرائيلية المحيطة بالقطاع، والتي يطلق عليها الإسرائيلية تسمية "غلاف غزة"، وفي المقابل، قصفت إسرائيل، "بشكل مدروس"، مواقع لحماس وفصائل أخرى في القطاع من دون التسبب بسقوط عدد كبير من الشهداء.
في مقابل ذلك ترفض إسرائيل التوصل إلى "هدنة" مع غزة، تمنع استمرار التوتر والتصعيد وترفع الحصار الجائر على غزة. وأشار رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق ورئيس "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، عاموس يدلين، إلى أن "الغاية السياسية لحكومة إسرائيل مقابل حماس في غزة غير واضحة. ويتراوح مدى الغاية بين القضاء على حماس وتقبل وجودها كحاكمة لغزة وتوجيهات سياسية معتدلة للجيش الإسرائيلي. وفي المقابل، فإن الغاية الأمنية لحكومة إسرائيل مقابل القطاع متواضع: هدوء وتقليص التهديد العسكري على إسرائيل. وما زالت الطريق لتحقيق ذلك بواسطة ردع عسكري، أدوات مدنية – اقتصادية، ومراقبة مشددة على دخول البضائع للقطاع".
ودعا يدلين، في مقاله في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إسرائيل إلى تشديد سياستها ضد قطاع غزة. "بصورة تنطوي على تناقض، إذا أظهرت إسرائيل حزما وعدم ارتداع من حرب أخرى، فإنه ثمة احتمال أن تعيد حماس دراسة طريقها وتبحث عن سلم لتنزل عن الشجرة. وإذا أظهرت إسرائيل ضعفا وخشية من حرب أخرى، مثلما حدث في الماضي، ستواصل حماس ممارسة الإرهاب ضد الغلاف ("غلاف غزة") بصورة ستفرض دخول لا يمكن منعه إلى حرب أخرى".
ورأى يدلين أنه على الرغم من أداء إسرائيل وحماس "المنضبط" خلال جولة التصعيد أمس، المذكور أعلاه، إلا أن "احتمال الوصول إلى مواجهة واسعة قائم بالتأكيد"، والامتناع عن مواجهة كهذه "يستوجب أن تظهر إسرائيل حزما واستعدادا لتصعيد واسع من جهة، وترك منفذ لتسوية وقف التصعيد بالشروط المقبولة عليها من الجهة الأخرى".
وأضاف أنه "في موازاة العمل العسكري، يتعين تحريك منظومة إنهاء الحرب سياسيا، من أجل دفع المصالح الإسرائيلية. وذلك بواسطة جهات مثل مصر ومبعوث الأمم المتحدة نيكولاي ملادينوف". واعتبر يدلين أن بالإمكان التوصل إلى "هدنة صغيرة"، مشروطة بتبادل الأسرى، وتحسين الوضع الإنساني في القطاع، إقامة بنى تحتية في مجالات الكهرباء والماء والصرف الصحي والمواصلات، وفتح المعابر بصورة مراقبة وبموجب معايير أمنية، نزع سلاح الفصائل. واعتبر أيضا أن "’هدنة صغيرة’ كهذه يمكن دمجها بـ’صفة القرن’ التي تقصدها إدارة ترامب ودول عربية مستعدة للانضمام إليها".
حرب استنزاف متبادلة
لفت المحلل العسكري في "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، إلى أن الجيش الإسرائيلي يستعد، منذ أشهر طويلة، "لما يبدو كخطة منتظمة هدفها التسبب بتآكل القوة العسكرية لحماس من دون أن يضطر إلى احتلال قطاع غزة ودفع أثمان الحرب والسيطرة على القطاع.
وأضاف فيشمان أنه إلى جانب القضاء على الأنفاق في القطاع، "يخوض الجيش الإسرائيلي منذ أشهر حرب استنزاف ضد البنى التحتية العسكرية لحماس. وتسارع هذا الاستنزاف منذ 30 آذار/مارس الماضي (بدء فعاليات مسيرة العودة)، عندما بدأت حماس حربها الاستنزافية عند السياج الحدودي".
ووفقا لفيشمان، فإنه "في المرحلة الحالية لا توجد نية لشن غارات جوية والمس جسديا بعناصر حماس، إذ أن هذه مادة مشتعلة لمواجهة شاملة. تماما مثلما تحاذر حماس ألا تهاجم بصواريخ طويلة المدى تصل إلى ما بعد غلاف غزة. ولكن توجد لدى كلا الجانبين، في الدرجة المقبلة للموجهة، قدرات للمس بشكل مكثف بمناطق مكتظة بالسكان".
ورأى فيشمان أنه "توجد لدى إسرائيل اليوم جميع الأسباب السياسية للامتناع عن فتح جبهة عسكرية واسعة واحتلال القطاع. ولا يوجد لدى حماس أيضا، بقدر ما هو معروف، رغبة بالوصول إلى مواجهة شاملة قد ترحلها عن الحكم. وهكذا نبقى هذه المرة أيضا مع مواجهة عسكرية تبحث عن حل ومع حربي استنزاف ستستمر في تغذية بعضها".
"معادلة الردع" الجديدة: تدهور ليس عفويا
وفقا للمحلل السياسي في صحيفة "معاريف"، بن كسبيت، فإن جهاز الأمن الإسرائيلي استعد منذ أسبوعين للهجوم على غزة في نهاية الأسبوع الماضي. "هذا لم يكون تدهورا عفويا غير مسيطر عليه، وإنما عملية عسكرية خطط الجيش الإسرائيلي لها"، وجاء في أعقاب تعليمات وجهها وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، إلى الجيش "بتغيير السياسة والتوجه إلى هجوم واسع ضد حماس، حتى لو كلف تصعيدا أو جولة عنف أخرى".
وتابع كسبيت أنه "لا توجد بشائر في المجال الإستراتيجي. حكومة إسرائيل ليست مستعدة لإسقاط حكم حماس في غزة مثلما وعد رئيسها (بنيامين نتنياهو)، وليست مستعدة للتوصل إلى تسوية طويلة الأمد تُهدئ الجنوب لعدة سنوات. إنها مستعدة للمزيد من الشيء نفسه. أي العيش من جولة إلى أخرى، كل ثلاث – أربع سنوات لدفن بضع عشرات الجنود الشبان على مذبح الحفاظ على هذا الستاتيكو (الوضع القائم) الغبي".
وأكد كسبيت على أن الحصار يجعل المقاومة الفلسطينية تبتكر وسائل المقاومة. "حتى لو أخذنا منهم الأنفاق ونعترض صواريخهم ونشل قذائفهم، فإنهم سيجدون طريقة لإيلامنا. والفرق الأساسي بينهم وبيننا هو أن ليس لديهم ما يخسرونه، وفيما هم يعيشون في أسفل البرميل، فإنهم سيبذلون أي جهد كي يرشون علينا قليل من مياه الصرف الصحي. لكن نشعر بالرائحة".
واضاف أن "الاستخبارات الإسرائيلية تؤكد على موقفها في الأشهر الأخيرة وأنه في تقديرها حماس ليست معنية بجولة أخرى من القتال في غزة. والمعولومات منمقة، متصالبة، منطقية، مرتبة، مثلما كانت عشية الجرف الصامد (العدوان عام 2014). ولا حاجة لتقييم استخباري للتأكيد على أن إسرائيل أيضا لا تريد جولة قتال أخرى في غزة".
من جانبه، أشار المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، إلى أن ما تغير حاليا هو أن حماس كانت تغض الطرف عن إطلاق فصائل صغيرة القذائف الصاروخية أو الهاون باتجاه إسرائيل، "لكن الآن، حماس تتبنى علنا المسؤولية عن إطلاقها. وهذه ’معادلة الردع’ الجديد التي تحاول إسرائيل كسرها الآن، بواسطة هجوم مكثف يوم أمس".
بدوره، لفت محلل الشؤون العربية في "هآرتس"، تسفي بارئيل، إلى أن سياسة ترامب تجاه الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، "تهديداته للفلسطينيين، نقل السفارة، ورفض الفلسطينيين لأي اتصال مع مبعوثي الرئيس الأميركي، فتح فراغا سياسيا سيكون لإمكان روسيا، إذا أرادت، أن تدخل إليه".