في قائمة هي الأكبر منذ بدء تسريب النظام السوري لأسماء المعتقلين الذين قام بتصفيتهم داخل السجون، بعد سنوات من انقطاع أي أخبار بشأنهم، سلم النظام السوري لمديرية السجل المدني، قائمة بأسماء نحو ألف معتقل من أبناء مدينة داريا في الغوطة الغربية من ريف دمشق، قضوا في المعتقلات، ليتم تدوين وفاتهم على السجلات، وسط تساؤلات حول توقيت تسارع وتيرة كشف النظام عن مصير المعتقلين، وتعمّده تسريب عدد كبير من الأسماء الذين كانوا قد فارقوا الحياة منذ سنوات تحت التعذيب في معتقلات النظام، قبل أيام من عقد مؤتمر اللقاء العاشر للدول الثلاث الضامنة لأستانة في المدينة الروسية سوتشي نهاية الشهر الحالي.
ونقلت صحيفة "العربي الجديد"، أن "النظام سلّم مديرية السجل المدني، قائمة بأسماء نحو ألف معتقل من أبناء مدينة داريا في الغوطة الغربية من ريف دمشق، قضوا في المعتقلات، ليتم تدوين وفاتهم على السجلات".
وأفاد عدد من ذوي المعتقلين من داريا، في حديث مع "العربي الجديد"، بأن "مديرية السجل المدني، قامت بتوفية المعتقلين الواردين في تلك القوائم والتي تعتبر شهادة وفاة رسمية، في سجلاتها، فيحصل ذوو المعتقلين المتوفين في حال مراجعتهم أو أحد أقربائهم المديرية على إخراج قيد عائلي أو فردي للمعتقل، يسجّل عليه أنه متوفى، ويبين تاريخ الوفاة، التي تعود غالبيتها إلى عام 2013".
ولفتت المصادر نفسها إلى أن "غالبية المعتقلين الذين تمت توفيتهم، هم من الناشطين والمشاركين في الحراك السلمي المطالب بالحرية والكرامة، عامي 2011 و2012، المعروفين بإيمانهم بالسلمية وعدم الانجرار وراء العنف".
والقائمة هي الأضخم من نوعها منذ أن بدأ النظام اعتماد آلية إرسال قوائم بأسماء المُعتقلين في مدن وبلدات سورية عدة إلى مديريات السجل المدني في مناطقهم لتتم توفيتهم، إذ اعتمد النظام سابقا آلية مغايرة لتبليغ عائلة المعتقل عن موته، وهي اتصال فرع الشرطة العسكرية أو مختار المنطقة بذوي المعتقل، للمراجعة وتسلم شهادة وفاة المعتقل وهويته الشخصية وأغراضه الشخصية إن وجدت، على أن يقوم ذوو المعتقل بعدها بمراجعة مديرية السجل المدني لتتم توفيته على السجلات، والحصول على شهادة وفاة باسم المعتقل.
وسبق للسجل المدني أن قام بتوفية العديد من المعتقلين السابقين في العديد من المناطق ومنها داريا، بذات الآلية، بينهم الأخوان معن ويحي شربجي، المعروفان في داريا وسورية بأنهما من الناشطين السلميين غير العنفيين.
وبدأ النظام تسليم مديريات السجل المدني في المحافظات السورية، قوائم بأسماء معتقلين فقدوا حياتهم داخل المعتقلات، بعد أن كان مصيرهم مجهولاً لسنوات، منذ شهر نيسان/إبريل الماضي، إذ بدأ من محافظة الحسكة التي أُرسلت إليها أول دفعة من المعتقلين المتوفين تحت التعذيب كقائمة جماعية، وذلك بإرسال قائمة من 100 معتقل تلتها قائمة بأسماء 400 آخرين قضوا تحت التعذيب، وتبعها دفعة أخرى في معضمية الشام بنحو 45 معتقلاً تمت توفيتهم، ثم قائمة معتقلي مدينة الزبداني ضمّت 65 معتقلا. وتتابعت القوائم من يبرود بريف دمشق وحماة وغيرها من المناطق والمدن. وأعاد النظام أسباب الوفاة إلى حالات طبيعية كتوقف القلب المفاجئ أو الجلطة الدماغية، وعدة أمراض أخرى، دون ذكر لحالات الموت أثناء التعذيب والتحقيق، أو إعدامه بقرار من المحاكم الخاصة كالمحكمة الميدانية، المتهمة بإصدار عشرات آلاف أحكام الإعدام بحق الناشطين السوريين. كما أن النظام امتنع عن تسليم جثامين المعتقلين لذويهم، ولم يصرح عن مصيرها أو أماكن دفنها؛ كما كان من اللافت للنظر أخيراً وضع النظام للمرة الأولى خلال هذه الفترة سببا لموت المعتقلين، وهو القنص من قبل الفصائل المسلحة، والذي يبدو أنه سبب تم اختراعه لتوفية المعتقلين الذين تمت تصفيتهم بالإعدام بالرصاص.
ورأى متابعون أن "النظام حاول التخلص من أهم الملفات الإنسانية التي ألمّت غالبية السوريين طوال السبع سنوات الماضية، وهو ملف المعتقلين، والذي كان أشدّ أوراق الضغط عليه. وقد فاق ملف القصف والحصار والتجويع، وذلك مع اقتراب اجتماع مجموعة أستانة المكونة من روسيا وإيران وتركيا، وبمشاركة وفد من النظام وآخر يمثل جزءا من الفصائل المسلحة، إلى جانب الأمم المتحدة والأردن كمراقبين في سوتشي، في ظل أنباء عن تصدر الملف الإنساني جدول أعمال اللقاء الملف الإنساني، والذي يعتبر لملف المعتقلين به حصة الأسد، إذ يعمل النظام على التخلص من عبء كبير هو مصير عشرات آلاف المعتقلين الذين تكتم عليهم منذ سنوات. بإصدار شهادات وفاة بأسباب طبيعية لهم".
وذكرت عضو "هيئة المفاوضات العليا" المعارضة، أليس مفرج، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هذه القوائم التي يتزايد تسليمها إلى دوائر السجل المدني بأسماء معتقلين لتتم توفيتهم، غالبيتها لرواد الحراك السلمي اللاعنفي، الذين اتخذوا خيارهم منذ بدية الحراك، والذين كانوا يشكّلون الخطر الأكبر والحقيقي على وجوده". واعتبرت أن "شهادات الوفاة الأخيرة هي ضمن إستراتيجية النظام، الذي رفض طوال الفترة الماضية فتح ملف المعتقلين، الذي يؤكد ارتكابه جرائم حرب في المعتقلات، وتهرّب من التحقيق الذي سيطاوله، على اعتبار أن هؤلاء المعتقلين هم الشاهد الحقيقي على الجرائم والانتهاكات المرتكبة في المعتقلات، حتى يتم طي ملف المعتقلين، وتنظيم الترتيبات الأخرى بتواطؤ المجتمع الدولي، بالتزامن مع إعادة النازحين على أساس أنه ضمن توطيد الأمن والاستقرار، ببسط سيطرته على باقي المناطق السورية تحت راية محاربة الإرهاب واستمراره بهذه الدعاية".
وتابعت "دخل النظام مرحلة التعافي المبكر، وهذا مرتبط بإعادة الإعمار، وإلزام الجميع بالتعاون معه. طبعا هذا الحل المشوه اليوم يرضي المجتمع الدولي، الذي يعمل على توافقات لإنجاز حلول مشوهة وإسقاط المساءلة والمحاسبة الخاصة بالإبادة الجماعية والممنهجة بحق المعتقلين، مع العلم أنها جرائم لا تسقط بالتقادم".
ولفتت إلى أن "هذا يأتي بالتزامن مع عقد اجتماعات غرفة العمل المشتركة بملف المعتقلين، وهي مخرج عن مؤتمر أستانة وبمشاركة الأمم المتحدة التي تساهم بالدم السوري، عبر تخليها عن مسؤولياتها من خلال التناقض مع القرارات الدولية التي تؤكد أن الملف هو من ضمن البنود الإنسانية، ويجب حله فورا، وإقرار خضوعه إلى التفاهمات".
وشككت في أن "عملية توفية المعتقلين حصلت بالخضوع لقرار إعدام جماعي صادر عن محكمة خاصة سرية، أو تصفيتهم تحت التعذيب"، مضيفة "يبدو أن النظام قام بالتخطيط للأمر عبر التلاعب بالسجلات المدنية، وبمخالفة واضحة للقوانين الناظمة". وقالت إن "هناك قوائم ترد إلى مختلف المناطق السورية تضم الناشطين السلميين، ولكن هناك أسماء لسياسيين قد تكون مرتبطة بتوافقات، ما زالت مجهولة المصير، وتمّ استخراج قيد نفوس لهم لكن لم يتم التحقق أنهم من بين القتلى".
وبيّنت أن "غرفة العمل المشتركة الخاصة بالمعتقلين بوجود الأمم المتحدة أنجزت 3 اجتماعات في أنقرة، إلا أنها تعمل بشكل بطيء جدا، وإجراءات النظام تسبقها بخطوات، بالتزامن مع عدم الموافقة على نقل ملف المعتقلين إلى جنيف، الذي يتم العمل على إنهائه من قبل المجتمع الدولي، عبر دعم سوتشي وأستانة، وبالتالي تسييس الملف، خصوصاً أن الأمر يترافق مع إعادة النازحين وتجنيد الشباب بمناطق التسوية، والعمل على ترتيب ما في إدلب وريف اللاذقية".
هذا ويبلغ عدد المعتقلين بداريا بحسب فريق التوثيق الخاص بالمدينة 2809 معتقلين منذ بداية الثورة السورية في عام 2011، تم توثيق 68 منهم قضوا تحت التعذيب، وتم إبلاغ ذويهم بوفاتهم قبل صدور القائمة الأخيرة، التي تضم نحو ألف معتقل تمت توفيته. وكشفت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن "هناك قائمة أخرى خاصة بمعتقلي داريا ستصدر قريبا". ما يعني أن نحو 40 في المائة من معتقلي مدينة داريا تم الكشف عن قتلهم تحت التعذيب حتى الآن، فيما تؤكد مصادر حقوقية في المدينة أن "الرقم مرشح لزيادة هذه النسبة لتصل لنحو 70 في المائة. ما يعني أن النظام قد قام بالتخلص من معظم المعتقلين بقتلهم تحت التعذيب، وأن شهادات الوفاة التي سيصدرها خلال الفترة المقبلة ستعد بعشرات الآلاف".
يشار إلى أنه لا يوجد رقم دقيق حول عدد المعتقلين المتواجدين في معتقلات النظام، ففي حين تقول مصادر إعلامية وحقوقية أن العدد يقدّر بنحو 200 ألف معتقل، بينما يقول النظام إن لديه نحو 30 ألف موقوف ومحكوم، على خلفية أحداث 2011.
وكان نائب مدير قسم الإعلام والصحافة في الخارجية الروسية، أرتيوم كوجين، قال في مؤتمر صحافي "تستضيف مدينة سوتشي يومي 30 و31 يوليو/تموز الحالي، الاجتماع الدولي الـ10 حول سورية في إطار منصة أستانة"، مشيرا إلى أن "هذه الفاعلية تأتي بمشاركة نواب وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا بصفة الدول الضامنة لعملية أستانة الخاصة بالإسهام في التسوية السورية، ووفدين من الحكومة السورية والمعارضة السورية، ومراقبين من الأمم المتحدة والأردن، وتم كذلك توجيه دعوة مماثلة للولايات المتحدة"، التي أعلنت عبر وزارة خارجيتها عدم مشاركتها.
وأوضح كوجين أن "اجتماع سوتشي سيركز اهتماما خاصا على الأوضاع الإنسانية في سورية، وعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم". وكان الموفد الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، أطلع مجلس الأمن الدولي، يوم الأربعاء الماضي، على التحضيرات من أجل عقد المحادثات السورية المقبلة في مدينة سوتشي.