من يتتبع سلوك الطغاة والظالمين والظلم الذي يوقعونه على شعوبهم، وأساليب الكيد والإذلال التي يمارسونها لقمع كل من يخالفهم الرأي، بأن الشعوب بالنسبة لهم ليست إلا متاعًا وأشياء من مقتنياتهم ومجموعة من العبيد يعملون في مزرعتهم الخاصة، لذلك فإن هؤلاء الطغاة وهم يرون انكسار إرادة الشعوب أمام ظلمهم وقهرهم فإن الأمر يصل بأحدهم إلى درجة أن يقول ما قاله فرعون} أنا ربكم الأعلى} أو أن يقول ما قال النمرود {أنا أُحيي وأُميت}.
فبالقهر والتخوين والتجويع والتهديد، وبوجود أعوان الظالمين الذين هم السوط الذي به يجلد الظالم ضحيته ممن باعوا ضمائرهم وباعوا آخرتهم بِعَرَضٍ من الدنيا، فينصرف الناس إلى أن يصبحوا مثل الجهاز الذي يتم تشغيله من خلال التحكم الإلكتروني عن بُعد، لا هَمّ لأحدهم إلا أن يأتي برزق أولاده ويعمل جاهدًا لاتقاء شر الظالم وأعوانه.
وتدور الأيام ويجمع الطاغية من أموال الشعب ما يجمع ليضعه في حسابات أولاده وأقاربه ومقرّبيه، ويمسك بزمام الأمور ويتحكم بكل صغيرة وكبيرة، ويدور في خلده أن الدنيا ستظل تضحك له إلى الأبد.
إنه ولغبائه لا يدري أنه بارتفاع منسوب ظلمه، فإن منسوب غضب شعبه عليه يزداد حتى لحظة الانفجار، وإذا بها حمم الغضب المكبوت تنبعث كأنه البركان العظيم يرسل ناره ولهيبه. ومع غروره ونفاق المصفقين حوله الذين يصورون له المشهد بأنه لعب أطفال، وأنه مشهد مسرحي ليس إلّا، وأنها أيام وينتهي المشهد ولا يستيقظ الظالم وأعوانه إلا على وقع هدير غضب الشعب المتزايد والذي ورغم الدماء والجراح والشهداء فإنها لحظة الغضب التي حانت، وساعة الانتقام التي أزفت. إنه لا يستيقظ ذلك الطاغية من غروره وصلفه إلا وحبل المشنقة قد لفّ عنقه بعد إذ حاصرت جموع الشعب قصره ومقرّ حكمه، وعندها سيقول ما قاله فرعون {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا أول المسلمين}، وسيقول ما قاله زين العابدين بن علي طاغية تونس وقد رأى وسمع هدير جموع الشعب التونسي نهاية شهر 12 /2010 وهي تهتف لإسقاطه، فقال حينها جملته الشهيرة “فهمتكم”. وهكذا كان مصير معاصرين أمثال حسني مبارك والقذافي وقبلهم طاغية رومانيا تشاوشيسكو وشاه إيران وآخرين من عرب وعجم وما أكثرهم.
ولأن الطاغية يعيش حالة الغرور فإنه يعتبر أن كل الناس قد يحصل معهم ذاك المشهد إلا هو، لأنه أذكى وأقوى ويعيش في أحلام غروره، ولا يستيقظ إلا وناموس الطغاة يجري عليه، فإذا به إما مقتولًا أو مسجونًا أو هاربًا منفيًا.
فللطغاة من مخلفات عصور الذل العربية، السيسي وآل سعود وآل زايد وآل الأسد وغيرهم. إننا نذكرهم بمصير من سبقوهم بأنه إياهم والغرور واستشعار جنون العظمة وعظمة القوة التي تجعلهم أقرب ما يكونون إلى تلك النهاية، ولا أتردد بالقول أننا قريبًا سنشهد ما شهدناه قبل سبع سنوات في الفصل الأول من فصول الربيع العربي، حيث ستتوالى فصول الربيع العربي والإسلامي الثاني على ما تبقى من مخلفات التاريخ ومن بقايا سلالات الظلم والقهر.
ولن ينسى الشعب المصري للسيسي جرائمه الكثيرة، وخاصة ما فعله في رابعة والتي تستمر ذكراها الخامسة يوم 14/ 8 القريب، حيث قتل آلاف المصلين المسلمين وبالبث المباشر سعيًا منه لقمع كل صوت يقول له إنك طاغية وانقلابي وعميل.
# إذا فَسَقَ الحاكم فقد حَكَمَ الفِسق
إنها حكمة ورائعة أديب العربية الكبير المرحوم مصطفى صادق الرافعي ” إذا فَسَقَ الحاكم فقد حَكَمَ الفِسق”. إن قراءة التاريخ تقول إنه وحسب توجه الحاكم أيًا كان ملكًا أو أميرًا أو رئيسًا أو غير ذلك من الألقاب، فإن توجه الرعية يكون مثله، وقبل الرعية وعموم الناس فإنهم المقربين والبطانة التي ينتقيها ذلك الزعيم فتكون وفق المعايير الفكرية والأخلاقية التي تتلاءم مع أفكاره وأخلاقه. إن هذه البطانة من المستشارين والوزراء والأمراء والقضاة وغير ذلك من الوظائف الهامة، هم من يمسكون بعصب الحكم ومفاتيح الدول، لذلك فإذا كان الحاكم خيّرًا وصالحًا فإنه لن ييُقدّم إلى الصفوف الأولى ولا يُقرّب منه إلّا الصالحين والصادقين والأنقياء الأتقياء الذين يسيرون على نهج من اختارهم، ولأن ضمائرهم وتربيتهم وإيمانهم سيكون هو مرشدهم إلى السلوك الفاضل.
والعكس هو الصحيح، فإذا كان الحاكم فاسقًا وظالمًا ومستبدًا فإنه لن يقرب منه ولن تكون بطانته إلا الأشرار والفاسدين والفاسقين، لأنها البيئة التي لا يستطيع العيش إلا من خلالها، ولأنهم هم المستشارون وهم الوزراء وهم الولاة، فإنهم يكونون نسخة طبق الأصل عن ذلك الطاغية الظالم، وعندها فلن يتبوأ مقاليد الأمور في كل المراكز الهامة إلا أمثالهم كما قال الشاعر:
وفي السماء طيور اسمها بُقع إن الطيور على أشكالها تقع
إنه لن يكون إلا الإعلامي الفاسد وإلا القاضي المرتشي وإلا المفتي المتملق وإلا القائد العسكري الظالم المستبد والفاجر، وعند ذلك ستطبق مقوله الدكتور الرافعي “إذا فَسَقَ الحاكم فقد حَكَم الفِسق”.
قيل إنه في زمن حكم الأمويين وفي خلافة بعضهم ممن كانوا يحبون الاستمتاع بالطعام والشراب وجمع المال وبناء القصور، وقد أصبح هذا حال بطانتهم بل أصبح حال رعيتهم، حتى شاع بين الناس يومها سؤال بعضهم لبعض ماذا أكلت اليوم وماذا ستأكل غدًا، كم عدد غرف بيتك، كم خادمًا عندك، وكم ثمن ثوبك، فانشغل الناس بهذه الأشياء التي كان قد انشغل بها الحاكم. فلمّا كان حكم عمر بن عبد العزيز رحمه الله بما هو عليه من تقوى وعدل وعزوف عن الدنيا، كذلك كانت بطانته وهكذا أصبح سلوك الرعية في زمانه، حتى كان يشيع بين الناس سؤال هل صلّيت الليلة الفجر في المسجد، هل قرأت جزءًا من القرآن، هل أنت اليوم صائم، إنها المقولة التي تقول “الناس على دين ملوكهم”.
ها نحن نرى الحكام من الملوك والرؤساء العرب والمسلمين، إننا نرى ذلك في سيسي مصر وفي عجوز الحجاز وغيرهم، نراهم كيف لا يقربون إلا أراذل الناس والمنافقين وفاسدي الضمائر والأخلاق ممن لا يفعلون إلا ما يرضي الذين جاؤوا بهم. ولأن هذا حال كل زعماء العرب والمسلمين فإننا نرى ما عليه الأمة من ذل وفقر وفساد أخلاق وهزائم، ولأنهم كذلك فإنه قد عزّ وثقل عليهم أن يأتي رئيس اختاره الشعب وهو محمد مرسي، وهم الذين سرقوا الحكم غصبًا أو ورثوه وراثة، فتآمروا عليه وحرّضوا للانقلاب على حكمه ثم سجنه. ولأنهم فاسدون وظالمون ولصوص، فإنهم لا يطيقون أن يروا رئيسًا صادقًا وجريئًا يحبه شعبه وهو الرئيس رجب طيب أردوغان، لذلك فإنهم يتآمرون عليه مع الأعداء ويناصبونه العداء، ويتمنون أنه لو نجح الانقلاب عليه يوم 15/7/2016، ويتمنون أنه لو فشل في الانتخابات الأخيرة، لا لشيء إلا لأن هذه النماذج من الصادقين تفضح وتكشف سوءات أولئك المارقين المنافقين.
فعلًا لقد صدق الرافعي لما قال: “إذا فَسَقَ الحاكم فقد حَكَمَ الفِسق”. ومثلها وإذا عدل الحاكم فقد حكم العدل، وإذا صدق الحاكم فقد حكم الصدق. صدق الشاعر لما قال:
مررت على المروءة وهي تبكي فقلت علام تنتحب الفتاة
قالت كيف لا أبكي وأهلي جميعًا دون خلق الله ماتوا
ففي غياب أهل المروءة فقد جاء الرويبضات والأراذل، وفي غياب الخيرين فقد حكم الفاسدون.
# موسم الخير
لعله يوم الأحد أو يوم الاثنين القريب، سيكون هو اليوم الأول من شهر ذي الحجة. إنها الأيام التي أقسم بها الله سبحانه لعظيم فضلها لما قال {والفجر وليال عشر} آية 1-2 سورة الفجر، وإنها أيام العشر التي أتم الله بها الأربعين لموسى عليه السلام {وواعدنا موسى ثلاثين ليله وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة} آية 142 سورة الأعراف، وإنها خاتمة الأشهر المعلومات أشهر الحج التي قال الله فيها {الحج أشهر معلومات} آية 197 سورة البقرة. وفي أشهر الحج المعلومات شوال وذو القعدة وذو الحجة فإنها عشر معلومات وهي أيام الذكر {ويذكروا اسم الله في ايام معلومات} آية 28 سورة الحج.
إنها الأيام التي بيّن النبي صلى الله عليه وسلم عظيم فضلها لما قال: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني العشر، قالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله. قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء”. إنها الأيام والليالي المباركة التي يستحب صيامها، وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستحب كذلك قيام ليلها والإكثار فيها من الذكر كما ورد في مسند الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من مثل هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد”.
وكيف لا تكون هذه الأيام هي الأيام المباركة وفيها سيّد الأيام يوم عرفه، اليوم التاسع من ذي الحجة، وإذا كان للحاجّ فيه أن ينشغل بالعبادة فلا يصوم، فإن غير الحاجّ يستحب له في هذا اليوم الصيام، وقد صام كثيرون من العلماء وكل الأيام التسع من ذي الحجة، واشتهر ذلك عن عبد الله بن عمر رضي عنهما.
# يا راحلين إلى منى
ها هم حجاج بيت الله الحرام يودعوننا ويرحلون إلى حيث تهوي أفئدة المسلمين إلى البلد الحرام مكة المكرمة، وإلى البيت العتيق حيث أول بيت وضع للناس في الأرض. يرحلون من أرض القبلة الأولى إلى أرض القبلة التي ارتضاها الله عز وجل لنا، يرحلون من أرض الإسراء حيث الصعود من الأرض إلى السماء، إلى أرض الوحي حيث النزول من السماء إلى الأرض، يرحلون عنا إلى حيث إبراهيم يرفع القواعد من البيت وإسماعيل، يرحلون عنا إلى حيث منشأ الدعوة الأول إلى حيث تنزلت “إقرأ” و “يا أيها المدثر”، يرحلون إلى حيث عطاء أبي بكر وصلابة عمر وإلى حيث دموع بلال تختلط بعرقه يعذب في بطحاء مكة، يرحلون إلى حيث قبل ذلك كله إلى حيث إبراهيم يقول {يا بُنَي إني أرى في المنام أني أذبحك}، وإلى حيث يقول إسماعيل {يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين}.
يرحل عنا حجاج بيت الله الحرام من المسجد الأقصى إلى شقيقه المسجد الحرام، ينقلون إليه الحب والسلام علّ المسجد الحرام يتذكر شقيقه وما يعانيه في أسره، فينطلق منه صوت النخوة يبعثه في الأمة من منبره لتحرير أخيه من أسره وكسر قيده.
يرحلون عنا إلى حيث أداء الركن الخامس من أركان الإسلام {وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر يأتين من كل فجّ عميق}، يأتون يحملون أثقال الدنيا ودنس الأرض وذنوب ابن آدم الضعيف “كل ابن آدم خطاء”، يرجعون بإذن الله كيوم ولدتهم أمهاتهم، يرجعون وقد غفر الله ذنوبهم وستر عيوبهم، فهم قد وفدوا على كريم والكريم لا يرد من وقف على بابه.
يرحلون عنا إلى حيث مكة المكرمة البلد الأول وفيها الميلاد، وإلى حيث طيبة الطيبة البلد الثاني وفيها المثوى والممات لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليقرأوا السلام ويذرفوا العبرات، ويجددوا البيعة والعهد على الاقتداء والسير على المنهج.
يا راحلين إلى منى بقيادي هيجتموا يوم الرحيل فؤادي
سرتم وسار دليلكم يا وحشتي الشوق أقلقني وصوت الحادي
بالله يا زوار قبر محمد من كان منكم رائحًا أو غادي
فليبلغ المختار ألف تحية من عاشق متفتت الأكباد
السلام على مكة المكرمة، السلام على طيبة الطيبة من القدس الحزينة السلام على المسجد الحرام، السلام على المسجد النبوي من المسجد الأقصى الأسير.
إنني على يقين أن الشمل قريبًا سيجتمع بإذن الله، وقد زال من هناك حكم الطواغيت والعملاء، وقد زال من هنا حكم المحتلين الدخلاء وإن غدًا لناظره قريب.
رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون