السبت 01 سبتمبر 2018 08:14 م بتوقيت القدس
تتفاخر إسرائيل بأنها دولة متطورة، وحتى أن قادتها يصفونها بأنها "أمة ستارت-أب" بسبب تطور صناعة الهايتك فيها. لكن الخبير الاقتصادي والمحاضر في جامعة تل أبيب ورئيس معهد "شورِش" للاقتصاد الاجتماعي، البروفيسور دان بن دافيد، يرى أن حال جهاز التعليم في إسرائيل لا يبشر بأن إسرائيل تلحق بركب التطور، بل أن هذا الجهاز "يشكل خطرا على مستقبل إسرائيل".
وأكد بن دافيد، في مقال مطول في صحيفة "هآرتس" اليوم، الجمعة، أن "نصف التلاميذ في إسرائيل يتلقون تعليما بمستوى عالم ثالث، وعندما يكبرون سيكون بإمكانهم صيانة نظام اقتصادي بمستوى عالم ثالث فقط". ويستدرك الباحث أنه على الرغم من أنه توجد في إسرائيل حاليا صناعة هايتك متقدمة وجامعات متطورة، ونسبة حاملي الألقاب الأكاديمية في سن 35 – 54 عاما مرتفعة وفي المكان الرابع عالميا، وعدد سنوات التعليم للفرد في المكان الثالث على مستوى العالم، إلا أن هذا لا يدل على مستوى ثقافي ومعرفي مرتفع.
"في الفترة التي بالإمكان الادعاء فيها أن ’الحقيقة ليست الحقيقة’، وعندما تكون الأخبار ’فيك نيوز’ ويضعون مقابل الواقع ’حقائق بديلة’، فإن الانطباع هو أنه دخلنا عصرا تحل فيه الأفكار مكان الحقائق. ونحن غارقون بكميات معلومات كثيرة، يصعب على معظم الأفراد التمييز بين المهم والتافه. وهذه أرضية خصبة للديماغوغية".
وتوضح المعطيات الوضع الحاصل في إسرائيل. ورغم أن "الإسرائيليين مثقفون أكثر، على الورق، من مواطني جميع دول منظمة OECD تقريبا، لكن إنتاجية العمل، التي تُملي القدرة على دفع أجر ساعة عمل مرتفع، هي أقل من معظم دول المنظمة. كما أن إنتاجية العمل الإسرائيلية تتراجع عن المعدل في دول G7، منذ سنوات السبعين، واتسعت الفجوة بينها وبيننا بأكثر من ثلاثة أضعاف".
وفي مقابل سهولة قياس "كمية التعليم"، أي عدد سنوات التعليم والألقاب الجامعية وما شابه، فإن إسرائيل فشلت فشلا ذريعا بكل ما يتعلق بقياس وتقييم نوعية التعليم التي تمنحه للتلاميذ، وفقا لبن دافيد. وفيما يتقدم جيل بعد جيل لامتحانات البجروت (إنهاء المرحلة الثانوية)، فإن جهاز التعليم الإسرائيلي لم يضع معايير للامتحانات حتى اليوم، وذلك كي يكون بالإمكان معرفة مستوى المعرفة لدى التلاميذ، وما إذا كان قد ارتفع أو انخفض على مدار العقود.
تحصيل التلاميذ العرب في إسرائيل: صورة محزنة
ولفت بن دافيد إلى أن الامتحان القطري الوحيد الذي بمقدوره إجراء مقارنة كهذه بين فترات زمنية مختلفة في إسرائيل هو امتحان "ميتساف" (مؤشرات النجاعة والنمو المدرسي)، المعمول به منذ العام 2008. وبصورة عامة، إنجازات التلاميذ اليوم أعلى مما كانت عليه قبل عشر سنوات. لكن نسبة الإجابات الصحيحة في موضوع اللغة الانجليزية في هذا الامتحان هي 68%، بينما هذه النسبة تنخفض في موضوع الرياضيات إلى 56% وفي موضوع العلوم والتكنولوجيا إلى 50%، أي "علامة رسوب للدولة كلها"، وفقا لبن دافيد، "وهذه إحدى الإخفاقات المدوية لإسرائيل، وذلك من دون أخذ التأثير السلبي بالحسبان والذي كان سيخفّض المعدل القطري أكثر، لو شارك في الامتحان التلاميذ الحريديون الذين لا يتعلمون الانجليزية والعلوم والتكنولوجيا أبدا".
واحتلت إسرائيل مرتبة متدنية، وأدنى من جميع الدول المتطورة في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية وشرق آسيا، في امتحان "بيزا" (البرنامج الدولي لتقييم الطلبة) الأخير، والذي جرى في إسرائيل من دون مشاركة تلاميذ حريديين أيضا.
وأشار بن دافيد إلى أن صورة هذا الوضع بين التلاميذ العرب في إسرائيل محزنة أكثر. إذ يتبين أن تحصيلهم في مواضيع الرياضيات والعلوم والقراءة ليس فقط أدنى من المعدل في جميع الدول المتطورة، وإنما هو أدنى أيضا من المعدلات في العديد من دول العالم الثالث، كما أنه أدنى من المعدلات في غالبية الدول الإسلامية والعربية التي شاركت في امتحان "بيزا".
أسباب تدني التحصيل العلمي
السبب الأساسي الذي يؤثر على تحصيل التلاميذ هو مستوى ثقافة الأهل، وخاصة الأم. وبيّن الدكتور نوعام غروبر، في بحث صدر عن معهد "شورش"، مدى قوة العلاقة بين المستوى الثقافي للأم وتحصيل ابنها التلميذ. فقد حصل تلاميذ من الدول العشر التي حصلت على أعلى علامات في امتحان "بيزا"، وكانت أمهاتهم غير متعلمات، على 6 نقاط أقل من التلاميذ الذين أنهت أمهاتهم المرحلة الدراسية الثانوية. وفي المقابل، حصل التلاميذ من هذه الدول نفسها والذين تحمل أمهاتهم لقبا جامعيا على 6 نقاط أكثر من التلاميذ الذين أنهت أمهاتهم المدرسة الثانوية فقط.
وكتب بن دافيد أن العلاقة بين تحصيل التلاميذ ومستوى تعليم الأم قوية جدا، "ما يدل إلى مدى فشل جهاز التعليم الإسرائيلي في تقليص الفجوات التي يحضرها التلاميذ معهم من بيوتهم. وليس صدفة أن الفجوات في التحصيل في المواضيع الدراسية الأساسية بين التلاميذ الإسرائيليين هي الأعلى في العالم الصناعي في أي امتحان دولي منذ سنوات التسعين".
واضاف بن دافيد أنه "عندما يكون ربع تلاميذ المدارس الابتدائية في إسرائيل يتعلمون في جهاز التعليم العربي، وخمسهم في جهاز التعليم الحريدي، وكثيرون آخرون في جهاز التعليم الحكومي الديني في بلدات الأطراف من الناحيتين الاجتماعية والجغرافية، فإنه حتى لو لم يتلق جميعهم تعليما سيئا، واضح أن نصف التلاميذ في إسرائيل يحصلون على تعليم بمستوى عالم ثالث، وأنهم ينتمون إلى الفئات السكانية التي تزداد بأسرع وتيرة".
وتابع: "لذلك، ليس صدفة أن إنتاجية العمل في إسرائيل متدنية لهذه الدرجة، وحتى أنها تتراجع بالقياس مع المعدلات في دول G7، وذلك من دون الإتيان على ذكر نسب الفقر وانعدام المساواة الأعلى في العالم المتطور".
ورأى بن دافيد أن "الضرر يلحق بنا جميعا، لأن محرك الاقتصاد الإسرائيلي يدوّر ’اسطوانات’ أقل ويواجه صعوبة ’بالدفع’. ونحن بحاجة إلى اسطوانات أخرى من أجل الاستمرار في التطور والتنمية اقتصاديا، خاصة من أجل تمويل الإنفاق العام المطلوب على بنية تحتية أمنية، تعليمية، صحية، رفاهية وغيرها".
ساعات تعليم أكثر تحصيل علمي أقل!
تطرق بن دافيد إلى كمية الساعات الدراسية في جهاز التعليم في إسرائيل، وهو أعلى من جميع دول OECD، وأعلى بـ10% من اليابان التي تحتل المكان الثاني. وفي هذه الأثناء، تعكف وزارة التربية والتعليم على زيادة كمية الساعات الدراسية من خلال تقصير مدة العطلة الصيفية. وتمول الوزارة والحكومة الإسرائيلية ذلك من خلال زيادة الضرائب المفروضة على كاهل المواطنين.
ودعا بن دافيد إلى اعتماد دوام خمسة أيام دراسية، كما هو متبع في العالم، خاصة وأن المعلمين يعملون خمسة أيام. ولفت إلى أن هذا النهج، مثل الازدحام في الغرف الدراسية، هو مشكلة تنظيمية وتبذير أموال كبديل لحلول جذرية.
ورغم ذلك، يؤكد بن دافيد، فإن تدني مستوى التعليمي الكبير ليس نابعا من نقص في أيام التعليم ولا من نقص في ساعات التعليم. ففي مجال القراءة والكتابة والأدب، معدل ساعات التعليم في دول OECD أقل بـ21%، لكن تحصيل التلاميذ في موضوع القراءة في تلك الدول أعلى بـ3% من التلاميذ في إسرائيل. وعدد ساعات التعليم في موضوع الرياضيات أقل بـ28% لكنها العلامة أعلى بـ4%، وكذلك في موضوع العلوم حيث عدد الساعات أقل بـ29% والعلامة أعلى بـ6%.
وعزا بن دافيد التناقض بين كمية ساعات التعليم المرتفعة والتحصيل العلمي المتدني إلى ما يدور في غرفة الدراسة، بدءا من مناهج تعليم منقوصة، مرورا بالدمج بين مشاكل الطاعة الخطيرة والازدحام الكبير في الصفوف، وانتهاء بمستوى المعلمين.
نوعية المعلمين
بغض النظر عن أسباب التوجه للعمل في سلك التعليم، إلا أن المعطيات في هذه الناحية توفر جانبا من الصورة الواسعة لأسباب تدني مستوى التعليم في إسرائيل. وتظهر المعطيات التي يوردها بن دافيد أن 70% من مجمل الطلاب يتعلمون في كليات التربية، التي فيها شروط القبول متدنية قياسا بأي فرع تعليمي في الجامعات.
ويبلغ معدل علامة امتحان البسيخومتري لطلاب هذه الكليات 494، وهو أقل من علامة 61% من أولئك الذين يتقدمون لهذا الامتحان. إضافة إلى ذلك، أن 15% من طلاب التربية يتعلمون في كليات عامة وليست متخصصة بمجال التربية، وحصلوا على معدل علامة بسيخومتري 439، وهو معدل أقل من علامات 76% من مجمل المتقدمين للبسيخومتري. ويدرس 6% فقط من طلاب فرع التربية في السنة الأولى في الجامعات. ومعدل علامتهم في البسيخومتري هو 603، لكنه أدنى من معدل علامة البسيخومتري لطلاب الجامعات وهي 617.
وتساءل بن دافيد: "عندما يكون مستوى معظم المعلمين في إسرائيل أدنى من مستوى مجمل الطلاب في الجامعات، كيف يمكن التوقع منهم أن يجلبوا تلاميذ إسرائيل إلى المستوى المطلوب كي يُقبلوا في الجامعات وينجحوا فيها؟".
ودعا إلى تغيير مفهوم التعليم في إسرائيل، لأن الشهادات الأكاديمية "لا تساوي الورقة المطبوعة عليها وزيادة سنوات التعليم بأدنى مستوى في العالم المتطور" وهذا "ليس بديلا للمعرفة". كذلك دعا إلى "قلب مفهوم تأهيل المعلمين، وبدلا من التركيز على تعليم التدريس إلى جانب الاحتراف بمستوى متدن، على معلمي المستقبل عبور التصفية المطلوبة وأن يقبلوا لدراسة اللقب الأول في مجالات يريدون أن يصبحوا محترفين فيها".