السبت 12 يناير 2019 14:52 م بتوقيت القدس
قال الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، د. حسن خاطر، إن إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، أحدث تداعيات خطيرة على مستقبل المدينة المقدسة، ولعل أبرزها تسارع وتيرة تسريب العقارات للجمعيات الاستيطانية والاستخفاف بالقرارات الدولية التي اتخذت لصالح القدس، وأهمها القرار 2234 الذي اعتبر القدس مدينة محتلة.
وأكد أن العام 2019 سيضع القدس أمام مفترق طرق، وسيشهد ارتفاعا غير مسبوق في وتيرة تسريب العقارات خاصة بالقدس القديمة، مبينا أن الجمعيات الاستيطانية التي تعتبر الذراع الرسمي للحكومة الإسرائيلية ستنشط نحو وضع اليد على أكبر عدد من العقارات وأملاك اللاجئين، وذلك عبر رفع المغريات المالية للمقدسي الذي يعيش بفقر مدقع بغية دفعه لبيع عقاره لتحسين ظروفه المعيشية.
خاطر
وحذر خاطر من توظيف المال لتحطيم إرادة المقدسي في معركة الصمود والتمسك بالعقارات، لافتا إلى أن المغريات المالية هي معادلة تم الشروع بها منذ إعلان ترامب، مبينا أن تسريب عقار آل جودة في حارة السعدية بالقدس القديمة مقابل 17 مليون دولار كان البداية لتطبيق هذه المعادلة.
ترويض وتسريب
وأعرب عن مخاوفه أن تقع عائلات تتواجد بحالة العوز الشديد في فخ تسريب العقارات أمام هذه المغريات المالية، حيث لا يستبعد تنفيذ مثل هذه الصفقات من وراء الكواليس، ولربما أشياء أخرى تجري قد تكون صادمة حين الكشف عن تفاصيلها.
يقول الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات: "ما نخشاه هو دخول مال عربي إلى جانب الاحتلال ليوظف في تسريب العقارات، فهناك الكثير من المؤشرات والدلائل حول ضلوع مال وسماسرة وشركات عربية مقرها قبرص ودول أوروبية في تسريب العقارات، إذ يهدف هذا المال العربي لترويض المقدسي بدلا من تعزيز صموده ووجوده، وإقناعه بأنه لا يبيع لليهود بل يبيع للعرب لإنقاذ العقارات".
واستشهد خاطر في معلومات وصلت الهيئة تؤكد رفض مواطن مقدسي يملك عقارا بمساحة عشرات الأمتار ملاصقا للمسجد الأقصى، حيث عرضت عليه شخصيات عربية مبلغ 14 مليون دولار لبيعه، إلا أنه رفض رغم محاولات السماسرة الادعاء بأن العقار سيحول لملكية عربية لإنقاذه من الجمعيات الاستيطانية التي حاولت في السابق شراء العقار.
تفريغ وتطبيع
وأوضح خاطر في حديثه لـ"عرب 48"، أن الموقف الأميركي أسدل الستار على مختلف القرارات الدولية المناصرة للقدس، كما أنه أطلق قطار التطبيع وهرولة العديد من الدول العربية والإسلامية نحو إقامة علاقات مع إسرائيل، سيما وأنه تم تفريغ القرارات الدولية من مضمونها بنقل سفارة واشنطن للقدس، الأمر الذي أضعف من تأثير وقيمة ومكانة القرارات الدولية.
كما أن ذلك، بحسب خاطر، شجع الحكومة الإسرائيلية وبشكل غير معهود للتمادي في استهداف القرارات الدولية من جهة، وكذلك لتتصرف بالمدينة المقدسة وكأنها الحاكم المطلق، والشروع بمخططات تهويد واستيطان كانت معطلة في الأدراج بسبب الموقف الدولي الضاغط، لتذهب سلطات الاحتلال نحو الإعلان عن "القدس الكبرى" عاصمة للشعب اليهودي في العالم بحول عام 2020، وتتعامل بشكل علني مع القرارات الدولية وكأنها غير موجودة.
ولفت إلى أن الموقف الأميركي أضفى شرعية دولية للاحتلال بالقدس عبر تشجيع دول أخرى لنقل مقراتها الدبلوماسية وسفاراتها، كما فتح الباب أمام دول عربية للتناغم مع واشنطن وتل أبيب بمحور مصالح سياسية إقليمية، وباتت هذه الدول تتعامل مع القدس على أنها عاصمة لإسرائيل مع تهميش البعد العربي والإسلامي والفلسطيني للمدينة المقدسة.
سياسات وقرارات
وأكد أن الخطورة تكمن في أن باب التطبيع نحو القدس ما زال مفتوحا وفي بدايته، وسيشهد خلال عام 2019 إقدام 10 دول، على الأقل، على نقل سفاراتها للقدس مقابل تحسين المواقف الأميركية من هذه الدول، ما يعني، بحسب خاطر، طمس الشرعية والقرارات الدولية، وفرض المواقف والسياسات والأجندة الأميركية الإسرائيلية على القرارات الدولية.
وعن تداعيات قرارات ترامب المناصرة للحكومة الإسرائيلية، يقول الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات: "هو الاستسلام العربي والإسلامي لهذا القرار وعدم مقاومته بشكل عملي، فالاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال كان من المفروض أن يكون زلزالا يترتب عليه مواقف وخطوات وقرارات ضد أميركا وإسرائيل، لكن الأمر لم يتعد دائرة الشجب والاستنكار والاحتجاج الخجول".
ويجزم أن صمت العديد من الدول العربية والإسلامية وحتى الكبرى منها يعكس الموقف الرسمي الأصلي الهش، حيث أتى قرار ترامب ووضع الأنظمة قبالة تحديات، وسرعان ما فضحها وعراها وكشف عن حقيقة مواقف الأنظمة العربية حيال القدس، والتي لم تكن خلال عقود "إلا ثورة مشاعر تدغدغ مشاعر الشعوب، وثبت أن هذه المواقف لم ولن تؤثر على مستوى القضية الفلسطينية والقدس على وجه الخصوص".
انقسام ونضال
ويعتقد د. خاطر أنه رغم حالة الانقسام الفلسطيني على مستوى الفصائل، والسجال بين حماس وفتح في قطاع غزة المحاصر والضفة الغربية المحتلة، إلا أن إعلان ترامب وما تبعه من مواقف عربية وإسلامية خجولة أقنعت الشعب الفلسطيني بأنه لا آمال من القرارات الدولية، ولا رجاء من أميركا، ولا رهان على المواقف الدولية بكل ما يتعلق في التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية.
وحيال هذا الواقع وفي ظل تأزم المشهد الفلسطيني الداخلي، لا يستبعد خاطر أن تتعزز القناعات لدى الشعب الفلسطيني بالذهاب إلى خيار المقاومة، خاصة وأن الشعب الفلسطيني وفي ظل خيبة الأمل من المسار السياسي عبر اتفاقيات أوسلو وما تبعه من صفعات أميركية ودولية وعربية، ترسخت القناعات لديه، بأنه يجب الاعتماد على الذات الفلسطينية، وعدم الرهان والاعتماد على الأنظمة العربية، وعدم الثقة بالقرارات الدولية في سبيل التحرر والاستقلال.
وأوضح أن التفاعل الشعبي الفلسطيني مع ما تتعرض له القدس والقضية الفلسطينية بشكل عام مستمر بالتفاعل، مؤكدا أن الأمر في بداياته، قائلا: "التحول في القناعات السياسية للشعوب لا يتغير، ولا ينتهي بين ليلة وضحاها، مبينا أن مسيرة التغيير بالقناعات للفلسطينيين انطلقت ويمكن ملاحظاتها وتطورها على مدار المحطات القادمة".
قناعات وتحولات
ووسط التحولات في القناعات الفلسطينية بكل ما يتعلق بالمسار التفاوضي والذهاب نحو المقاومة، يقول خاطر: "يواصل الاحتلال في جرائم هدم المنازل بالقدس وسحب الهويات والاعتقالات والملاحقات السياسية؛ ومصادرة الأراضي ومساومة المقدسي على لقمة عيشه ومصدر رزقه؛ بهدف تصفية الوجود الفلسطيني بالقدس".
ويقدر أن تشهد المرحلة المقبلة قرارات أكثر عدوانية من قبل سلطات الاحتلال تجاه القدس وضواحيها، وذلك من خلال مواصلة سياسات تهدف إلى إعادة ترسيم الحدود والجغرافيا والديموغرافيا للقدس، عبر تقطيع الجيوب الفلسطينية ومنع أي تواصل جغرافي مع الضفة الغربية.
وبما يتعلق في انعكاس هذه القرارات وسياسات الاحتلال على المقدسيين، يرى خاطر أن التوجه الآن لتعميق فقر العائلة المقدسية، إذ أن 80% من المقدسيين يعيشون تحت خطر الفقر، ولا يحظون بدعم أو أي مساعدة، عدا عن الوضع الاجتماعي السيئ، مع مواصلة التضييق على الفلسطينيين ودفعهم للبحث عن بدائل للخروج من المدينة المحتلة بحثا عن لقمة العيش في محيط السلطة الفلسطينية، علما أن جدار الفصل العنصري عزل عن القدس نحو 150 ألفا من المقدسيين، وذلك ضمن الهدف الإستراتيجي للاحتلال للوصول إلى قدس بأقل عدد من الفلسطينيين.