احتلت قضية الرشوة الجنسية والفساد في الجهاز القضائي واعتقال رئيس نقابة المحامين، آفي نافيه، عناوين وسائل الإعلام الإسرائيلية.
ورغم أن القليل الذي نشر حول القضية التي هزت الجهاز القضائي بدد بعض الضباب حولها، إلا أنها أبقت الكثير من الأسئلة مفتوحة، حيث أن من يطلع على المواد المتوفرة لدى الشرطة يدرك أن الحديث عن مواد كثيرة تشير إلى شبهات بارتكاب سلسلة من المخالفات في عدة مجالات، خاصة وأنه لدى الشرطة مواد كثيرة من مصادر مختلفة تتصل بالمشتبه بهم المركزيين في القضية.
وكانت قد أعلنت الشرطة، الأربعاء، أنه جرى التحقيق في شبهات ارتكاب مخالفات بشأن تعيين قاضية في محكمة الصلح قبل عدة سنوات، ومحاولة ترقية قاض من محكمة الصلح إلى المحكمة المركزية، وألمحت إلى أن القضية قد تتشعب، بحيث تصل إلى مجالات أخرى وجهات أخرى لها دور في تعيين القضاة في البلاد.
وكتب الحقوقي الإسرائيلي المختص بالقانون الجنائي، مردخاي كريمنيتسر، في صحيفة "هآرتس"، أن اختيار وزيرة القضاء، أييليت شاكيد، لرئيس نقابة المحامي، نافيه، حليفا لها يجعلها تتحمل المسؤولية عما سيحصل للجهاز القضائي.
وبحسبه، فإن القضية تؤكد مدى خطورة مخالفة "خيانة الأمانة"، وتشير إلى إمكانية "تقديم رشوة بدون أموال"، ما يقتضي إعادة ممثلي المعارضة إلى اللجنة لتعيين القضاة، وتنصيب رئيسة المحكمة العليا رئيسة للجنة، بهدف تعزيز ثقة الجمهور بالجهاز القضائي.
وكتب أيضا أن ما خفي من القضية هو أعظم مما كشف عنه، وتدخل نافيه في تعيين قاضية قد يشير إلى إمكانية التاثير على ممثلي نقابة المحامين في لجنة تعيين القضاة، وربما على آخرين أعضاء فيها.
ولفت إلى أن شاكيد التي تتباهى دائما بتعيين قضاة بموجب رؤيتها، بادعاء أن الفترة السابقة قد شهدت تعيين قضاة ليبراليين فقط. وبالنتيجة، فإن شاكيد منعت تعيين قضاة جيدين من الناحية المهنية بسبب "ليبراليتهم". وبسبب توجه شاكيد فإن ذلك زعزع ثقة الجمهور بالجهاز القضائي.
وكتبت صحيفة "يسرائيل هيوم" أن القضية تثير الكثير من التساؤلات بشأن طريقة تعيين القضاة وغياب الشفافية، والقليل الذي نشر يثير تساؤلات كثيرة حول حجم وعمق القضية ذاتها، وحول ما إذا كانت شاكيد وباقي أعضاء اللجنة على علم بما كان يحصل.
كما تطرح تساؤلات، بحسب الصحيفة، بشأن ما إذا كانت قاضية معينة هي القاضية التي يجري الحديث عنها، وما إذا كان القرار في قضية معينة قد صدر عن قضاة متورطين في قضية فساد، خاصة وأن الشرطة تحقق في حالتي تعيين فاسدين، ومن المحتمل أن تكون هناك أدلة على حالات أخرى، علما أنه في عهد نافيه تم تعيين نحو 300 قاض، "فهل كانت هذه التعيينات نابعة من اعتبارات موضوعية"؟.
ولم تستبعد الصحيفة أن تؤدي مواد التحقيق إلى شخصيات أخرى كبيرة في الجهاز القضائي، خاصة وأن نافيه كانت له علاقات متشعبة في دوائر مختلفة ومتوازية، فهو يملك مكتب محاماة كبير، وله نشاطات تجارية قضائية واسعة، وناشط مركزي في نقابة المحامين وعلى علاقة مع عدد كبير من المحامين والقضاة والمدعين، ينضاف إليها تسلمه لمنصب رئيس النقابة.
من جهتها أبرزت "يديعوت أحرونوت" في موقعها على الشبكة، أن نافيه هو رئيس نقابة المحامين، وعضو سابق في لجنة تعيين القضاة، وحليف لوزيرة القضاء، شاكيد، وكان يعتبر مؤخرا أحد الشخصيات القوية في الجهاز القضائي. وبعد تقديم لائحة اتهام ضده في نهاية كانون الأول/ ديسمبر في قضية جنائية تتصل بالدخول والخروج من البلاد لصديقته، واضطر للاستقالة من اللجنة لتعيين القضاة، وهو يقف اليوم في مركز قضية "الجنس وتعيين القضاة".
وأبرزت الصحيفة التقارب بين شاكيد ونافيه، حيث أنهما عملا سوية على بلورة غالبية في اللجنة لتعيين القضاة. وقبل دخوله إلى اللجنة كان يعتبر شخصية مركزية في عالم القضاء، خاصة بعد أن ترأس نقابة المحامين منذ حزيران/ يونيو 2015 التي كانت سابقا منقسمة وتعاني من صراعات داخلية.
إلى ذلك، كتبت ريفيتال حوفيل في صحيفة "هآرتس" أن القضية تؤكد أن القضاة ليسوا "فوق البشر"، ولديهم نقاط ضعف ومصالح، وهم كانوا أول من أدرك أنه الشخصية المؤثرة في التعيين والترقي، ولذلك لم يتذمروا من سلوك نافيه العدواني، بدءا من دعاوى كم الأفواه التي قدمها ضد صحافيين، واستخدامه غير المشروع لبطاقة معاق، وحقيقة أنه قام بتسجيل صوتي لقضاة للتباهي بذلك في برنامج "عوفداه"، وإنما العكس، فقد توددوا إليه ومنحوه القوة والشرعية. ورغم أن "العنوان كان مكتوبا على الجدار"، إلا أن الجميع فضلوا السكوت، بمن فيهم السياسيون والصحافيون والمحامون والقضاة.
وكتبت أيضا أن طريقة تعيين القضاة لم تكن نقية أبدا، وفي عهد شاكيد أصبحت الأيديولوجية ضمن الاعتبارات المركزية. ورغم أنه في السابق تم تفضيل مقربين، وكان هناك قضاة زيفوا محاضر، وتورطوا في تحرشات جنسية، وإقامة علاقات مع مساعدات قضائيات، ولم يتم عزلهم، إلا أن الفارق في هذه المرة هو الجنس وربما الوقاحة والأسلوب النابعين من الإحساس بالقوة لدى نافيه، الذي كانت لديه شبكة من العلاقات مع السياسيين وكبار المسؤولين في الجهاز القضائي.
وأضافت أنه حتى بعد عودته من تايلند بمعية صديقته التي حاول إدخالها إلى البلاد بدون أي توثيق لدخولها، فإن شاكيد ورئيسة المحكمة العليا، إستر حيوت، واصلتا احترام مكانته. وفقط بعد تفجر القضية الأخيرة أدرك الجميع أن دوره قد انتهى.
وختمت بالقول إنه ربما، بعد اليوم، سوف يشدد القضاة في الحفاظ على استقلاليتهم، كي لا يكونوا خاتما مطاطيا بيد الشرطة والنيابة، مثل القاضيين اللذين صادقا على طلب الشرطة إصدار أمر منع نشر حول هذه القضية.