الاربعاء 20 فبراير 2019 19:43 م بتوقيت القدس
يتناقض احتفاء القيادة الإسرائيلية بالخطوات التطبيعية التي أقدمت عليها دول خليجية، وتحديدا السعودية، والتي وصلت إلى ذروتها مؤخرا في قمة وارسو، مع تحرك تل أبيب المكثف ضد مصالح الرياض وتحريضها عليها.
وفي الوقت الذي تنشغل وسائل الإعلام العبرية بالضجة التي أثارها نواب ديمقراطيون وجمهوريون في الكونغرس، إثر الكشف عن السماح لشركات أميركية ببيع مفاعل نووي للأغراض السلمية للسعودية، فإنه يتم إغفال حقيقة أن من أطلق رصاصة البدء في رفض توجه الرياض للحصول على هذا المفاعل هو تحديداً رئيس وزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي عكف منذ عامين على التلميح إلى نجاحه في تطوير العلاقات والشراكات السرية مع نظام الحكم في الرياض.
وقد أسهبت وسائل الإعلام الإسرائيلية قبل عام في رصد المحاولات التي بذلها نتنياهو خلال لقاءاته المتكررة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقادة إدارته لإقناع واشنطن بعدم بيع مفاعل نووي وطائرات من طراز “إف 35” للسعودية.
ومن المفارقة أن الحجة التي استند إليها نتنياهو في تسويغ التحريض على عدم تزويد الرياض بالمفاعل تتمثل في أن نظام الحكم السعودي غير مستقر، ويمكن أن يسقط، مما يزيد من مخاطر وقوع هذه المقدرات في أيدي “جهات متطرفة”.
وقد تبنى “مركز أبحاث الأمن القومي” الإسرائيلي هذه الحجة، وطالب، في أكثر من تقدير موقف، بأن تصدر القيادة السياسية في تل أبيب تعليماتها للأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية بتكثيف جمع المعلومات عن السعودية، خشية أن تفاجأ إسرائيل بـ”تحولات خاطفة” تقود إلى المس باستقرار نظام الحكم في الرياض.
ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل وصلت إلى صدور دعوات داخل تل أبيب بعدم استبعاد توجيه ضربة استباقية للسعودية في حال راكمت مركبات القوة التي يستند إليها المشروع النووي.
وهناك دلالات واضحة لما تضمنه المقال الذي نشره اليوم الأربعاء عامي دومبا، محرر مجلة “ISRAEL DEFENSE”، وثيقة الصلة بالمجمع الاستخباري الإسرائيلي، على موقعها، من أنه بالاستناد إلى العقيدة الأمنية التي أرساها رئيس الحكومة الأسبق مناحيم بيغن، فإنه يتوجب المبادرة لتنفيذ عمليات قصف في العمق السعودي لإحباط أية محاولة لبناء قوة عسكرية يمكن أن تستند إلى الخيار النووي.
ويبدو مما كتبه دومبا أن إسرائيل ترى مجرد توجه السعودية لتطوير ترسانتها الصاروخية، تحولا ينطوي على مخاطر كبيرة، على اعتبار أنه يتوجب على تل أبيب أن تراقب ما إذا كانت الصواريخ التي تحصل عليها الرياض قادرة على حمل رؤوس نووية.
وقد أفردت مراكز التفكير المرتبطة بدوائر صنع القرار في تل أبيب دراسات حول مخاطر حصول السعودية على صواريخ متطورة، سيما من الصين، التي يصل مدى بعضها إلى 5 آلاف كلم، وذلك خوفاً من أن تسقط هذه المقدرات في أيدي “المتطرفين”.
وعلى الرغم من أن السعودية لا تملك غواصات حتى الآن، فإن إسرائيل تبدي قلقاً كبيراً إزاء توجهات الرياض لشراء غواصات، على اعتبار أن هذا النوع من الوسائط الحربية البحرية يمكن أن يكون قادراً على حمل صواريخ ذات رؤوس نووية.
وفي هذا السياق، فإن تل أبيب تشكك في التحركات الدبلوماسية لنظام الحكم الرياض، حيث يسود قلق من تطور العلاقة بين السعودية وباكستان، إذ نقلت الإذاعة العبرية أمس الثلاثاء عن محافل أمنية إسرائيلية قولها إن هناك مخاوف من أن تستفيد السعودية من القدرات التي راكمتها إسلام آباد في المجال النووي.
وقد وصل الأمر إلى حد التشكيك بمسوغات بعض المشاريع الاقتصادية التي وقعت عليها الرياض مؤخراً.
في السياق، شككت “ISRAEL DEFENSE” اليوم الأربعاء بمشروع خطة السكة الحديد الذي يفترض أن يربط الأردن والسعودية، زاعمة أن الغاية الحقيقية وراء تدشين هذا المشروع تتمثل في نقل اليورانيوم الذي يتم استخلاصه من صحراء جنوب الأردن، بهدف استخدامه في بناء المشروع النووي السعودي العتيد، مع العلم أن المجلة نفسها تستدرك أنه لا يوجد ما يدلل على أن لدى السعوديين أية نية لتطوير برنامج نووي عسكري.
اللافت أنه على الرغم من أن نتنياهو يتجنب التحريض علنا على السعودية، إلا أنه من الواضح أن التحركات المتلاحقة داخل الكونغرس والهادفة إلى إصدار تشريعات تحول دون تمكين الإدارة من تزويد الرياض بمفاعل نووي تعود للتحركات السرية التي قام بها رئيس الحكومة الإسرائيلية، سواء بشكل مباشر، أو عبر اللوبيات اليهودية.
ومن المفارقة أن إسرائيل تبدي كل القلق من مخاطر حصول السعودية على مقدرات يمكن أن تسمح لها مستقبلا بتطوير أسلحة نووية يأتي على الرغم من أنه سبق لمركز أبحاث الأمن القومي أن كشف عن وجود خطة أميركية للاستيلاء على المقدرات الاستراتيجية التي باعتها واشنطن للسعودية في حال تعرض استقرار نظام الحكم هناك للخطر، وذلك بهدف عدم السماح بسيطرة “أطراف متطرفة” عليها.