السبت 23 فبراير 2019 13:24 م بتوقيت القدس
يعيش في منطقة النقب اليوم قرابة 250 ألف نسمة من العرب الفلسطينيين، وهم السكان الأصليون لهذه المنطقة. ويتوزع نصف هؤلاء على بلدات معترف بها من قبل السلطات الإسرائيلية، ونصفهم الآخر في قرى وتجمعات غير معترف بها إسرائيليا، تطلق عليهم السلطات مصطلح “قرى غير معترف بها” رغم وجودها قبل قيام الكيان الإسرائيلي عام 1948 بزمن طويل.
وتحاول السلطات الإسرائيلية، منذ ما يزيد عن 60 عاما، تهجير واقتلاع فلسطينيي النقب من أرض آبائهم وأجدادهم، كما تحاول السلطات أيضا منذ عام 1967 تركيزهم داخل عدد قليل من البلدات التي قامت الحكومة بتخطيطها، وإرغامهم على التمدّن من خلال قطع ارتباطهم التاريخي بأراضيهم.
وتعتبر السلطات الإسرائيلية العرب الفلسطينيين في النقب الذين بقوا في قراهم التاريخية، “معتدين على أراضي الدولة” أو غزاة، ولذلك فإنها تحرمهم عمدا من الخدمات الأساسية والبنية التحتية التي هي من واجبات السلطة أو الكيان السياسي في كل قطر من العالم، بما في ذلك الماء، الكهرباء، شبكات الصرف الصحي، التعليم، الرعاية الصحية والطرق، كوسيلة ضغط لحملهم على الهجرة ومصادرة أراضيهم.
كغيرها من القرى غير المعترف بها إسرائيليا، في النقب، تتعرض قرية “أم نميلة-الزيادنة” قرب مدينة رهط، لاستفزازات واقتحامات وجرائم هدم مساكن، وتحرمهم السلطات الإسرائيلية من أبسط الخدمات ومقومات الحياة كالماء والكهرباء والمدارس ورياض الأطفال والعيادات الطبية، بينما ينعم المستوطنون في النقب العربي، بكل مقومات الحياة وتوفر لهم الحكومة الإسرائيلية كل ما يحتاجونه.
وقد تعرضت القرية لسلسلة طويلة من الملاحقات والإضرار بالأهالي خلال العامين الماضييْن، إذ حاولت الشرطة الإسرائيلية سابقا إجبار أهالي القرية، على الإخلاء الفوري لـ 60 دونمًا سكنية وزراعية؛ يُدير أصحابها معارك قضائية حول ملكيتها، وهي في مراحل متقدمة ويتوقع الاعتراف بها على أنها جزءٌ من الخارطة الهيكلية لمدينة رهط.
ومؤخراً، قامت السلطات الإسرائيلية بتجريف الطريق الوحيد الموصل بين قرية أم نميلة والشارع الرئيسي الموصل إلى مدينة رهط وإلى خارج القرية، وعلى إثرها أعلنت لجنة أولياء أمور الطلاب لعائلة الزيادنة عن الإضراب في المدارس وانضم لهذا الإضراب طلاب عدة عائلات، الهزيل والدريدي وأبو وادي وغيرها، من مدينة رهط.
الأهالي يرفضون المساومة
وللوقف على حقيقة ما يجري في القرية غير المعترف بها إسرائيليا، يقول الناشط السياسي والصحافي عقيل الزيادنة من قرية أم نميلة لصحيفة “المدينة”، إن القرية تتعرض بصورة شبه يومية لمضايقات من قبل موظفي “دائرة إسرائيل” و”الدوريات الخضراء”، والتي تقتحم القرية بحماية وحدات “يوآف” بشكل خاص وتقوم بإرهاب الاطفال والنساء بحجة الصاق أوامر “إخلاء من أراضي عامة” بحسب ادعاءاتهم.
ويبيّن عقيل أن الحدث الأكبر والأهم في الشهر الأخير كان إقدام موظفي “دائرة أراضي إسرائيل” على تجريف الطريق المعبد الذي يصل القرية بشارع رقم 40 وشارع رقم 6 مفرق “دفيرا”، حيث يعتبر هذا الشارع الوحيد الآمن لعبور حافلات الطلاب عبره يوميا والتي تقلهم إلى مدارسهم في مدينة رهط.
ويوضح أن سبب تجريف الطريق التي قامت بها “دائرة أراضي إسرائيل”، هو التضييق على الأهالي وإضعاف قدرتهم على الثبات والصمود، لأن من شأن ذلك، بحسب الزيادنة “في حال كان هاك طريق معبدة من شارع 6 أو شارع 40 إلى داخل القرية، فالسلطات الإسرائيلية ترى بذلك نقطة قوة لصالح قرية أم نميلة وعليه تقوم بتجريف الطريق كما فعلت في الأيام الأخيرة”. لافتا أن “الطرق الحالية رغم أنها غير معبدة بالإسفلت لكن يمكن العبور منها بصعوبة”.
وأشار الزيادنة إلى أن قرية أم نميلة يسكنها اليوم الجيل العاشر من عائلة الزيادنة، وهم يتمسكون بأرضهم رغم ممارسات السلطات الإسرائيلية وقراراتها المجحفة، مؤكدا في الوقت ذاته أن “أهالي قرية أم نميلة هم جزء لا يتجزأ من المجتمع العربي الفلسطيني في النقب ويعانون ما يعانونه ولا يرضى أحد من الأهالي المساومة على أرضه، ولا يقبل بأن يهدم بيته ولا أن يمنع من البناء في أرضه”.
ممارسات همجية تحركها العنصرية
مجلس القرى غير المعترف بها في النقب، إلى جانب تنظيم وقفات وتظاهرات احتجاجية وأخرى داعمة لهذه القرى، يعمل أيضا على توعية الأهالي وتقديم الإرشادات لهم من خلال المسارات القضائية وخصوصا الإلتماسات التي تقدم للمحكمة العليا الإسرائيلية، والالتقاء بسفراء دول العالم ويطلعونهم على معاناة القرى غير المعترف بها، ويتواصلون مع أعضاء الكنيست العرب، كما يقول مُركّز المجلس ميدانيا، السيد معيقل الهواشلة.
ويضيف: “قرية أم نميلة تفتقر لأبسط الخدمات الحياتية الأساسية ومعنى أن لا تعترف بها السلطات الإسرائيلية يعني أنه لا توجد لديها حدود نفوذ مثل البلدات المعترف بها، لذلك تحصل القرية على خدمات قدر المستطاع من مدينة رهط القريبة منها”.
وأكد الهواشلة “صحيح أن القرية معدومة الخدمات لكن أهلها يصرون على التشبث بأرضهم ولا يريدون التفريط بها، ويصرون على الصمود والبقاء، يعتاشون على الزراعة وتربية المواشي”.
ويتابع “القرى غير المعترف بها عموما لا توجد فيها خدمات، ويتحمل أهلها الكثير من المشقة والمعاناة، وعلى سبيل المثال هناك بعض القرى يضطر طلابها من أجل الالتحاق بالمدارس للسفر مسافة 50 كم تقريبا، ناهيك عن وجود قرى تفتقر لشبكة الكهرباء ولا تصلها المياه إلا ليلا بسبب الضغط الكبير على الشبكة في النهار بسبب بعدها عن خط المياه الرئيسي، ما يجبرهم على استخدام مخازن المياه “صهاريج” كي لا يموتوا عطشا”.
يضاف إلى ذلك، كما يقول الهواشلة “في فصل الشتاء هناك قرى غير معترف بها ومعدومة الخدمات تنقطع بالكامل عن العالم الخارجي، ولا يوجد فيها بنية تحتية ولا يستطيع سكان تلك القرى عبور الوادي، ويضطرون إلى استخدام طرق عشوائية وترابية، هذا علاوة على أنهم ممنوعون من تعبيد الطرق، وفي حال أقدم الأهالي على تعبيد الطرق فتتصدى لهم السلطات الإسرائيلية وتقوم بجرفها كما فعلت في قرية أم نميلة”.
ويتساءل المركّز الميداني لمجلس القرى غير المعترف بها: “من المفترض في كل دول العالم أن تقدم الدولة الخدمات للمواطنين فلماذا عندنا تأتي هذه الدولة في وضح النهار لتخرب الطرق وتجرفها!؟، في اعتقادي أنه لا يوجد دولة في العالم كله تقوم بها الدور الهمجي الذي يعكس حجم الكراهية التي تحركها العنصرية تجاه أهل الأرض الأصلانيين المتواجدين في مضاربهم وتجمعاتهم السكانية قبل قيام الدولة”.
وختم معيقل الهواشلة حديثه لصحيفة “المدينة” بالقول: “نحن في القرى غير المعترف بها ندفع فاتورة النضال بصمودنا على أرضنا، دون خدمات أساسية وأهالي قرية أم نميلة حتى لو تم الاعتراف بقريتهم، فهم على استعداد أن يقوموا بتخطيط مسطح القرية مرة أخرى كما يجب”.
أم نميلة في سطور
تقع قرية أم نميلة إلى الشمال من مدينة رهط، وتبعد عنها مسافة 3 كم تقريباً. كما يذكر المؤرخ الفلسطيني الدكتور إبراهيم أبو جابر في كتابه (العراقيب: التاريخ، الأرض، الإنسان). وقد سُميت بهذا الاسم نسبة إلى أحد سفوحها الذي يطلّ على وادي الصَّفَا وتكثر فيه بيوت النمل بشكل ملفت للنظر مما جعل أهل المنطقة يطلقون عليها اسم “أم نْمِيلِة”.
يحدّ القرية من جهة الشرق والجنوب وادي الصَّفَا، ومن جهة الغرب منطقة زبالة، ومن الشمال ضحيّة، وتقدّر مساحة أراضيها بحوالي 4 آلاف دونم. وتسكن في قرية أم نميلة منذ القدم عائلة الزيادنة، حيث تسكن مجموعة منهم في الجهة الغربية منها، وهم عيال محسن، أما في الجهة الشرقية فتسكن مجموعة أخرى منهم تُدعى عيال حسين.
ويبلغ عدد سكان أم نميلة حوالي 700 نسمة، منهم أطباء ومحامون ومعلمون ومدراء مدارس، ونسبة التعليم عندهم عالية جداً. كما ويوجد في أم نميلة مسجدان صغيران، مسجد الظاهر في الجهة الغربية، ومسجد الفاروق في الجهة الشرقية.
أما في وسط أم نميلة فيوجد المكان الذي تكثر فيه بيوت النمل، وهو منطقة أثرية أو كِفْرِيّة كما يُعبّر سكان المكان قديمة العهد لم يبقَ منها إلا بعض قطع الفخار والحجارة السوداء التي تدلّ على أنه كان هناك مصنع للفخار. وربما كانت جزءاً من منطقة زبالة العامرة في العهد البيزنطي.
ويمر من القسم الغربي من أم نميلة واد متوسط العمق يبدأ من شرقي منطقة ضحية ويصبّ في وادي الصفا، أما في جنوبها فيمرّ وادي الصَّفَا وهو وادٍ كبير تسيل فيه مياه الأمطار وتصبّ في الجزء الغربي من وادي الخزّان.
قرية أم نميلة مربوطة بالمياه القطرية، والجزء الغربي منها مربوط بشبكة الكهرباء القطرية، أما في الجهة الشرقية فنصف السكان مددوا لأنفسهم كهرباء قطرية، بينما ظل القسم الآخر يستعمل المولدات الكهربائية في ساعات الليل فقط.
ويعتمد سكان أم نميلة في معيشتهم على تربية المواشي والفلاحة والتجارة والصناعة، ويوجد لدى عدد منهم مصانع ومحلات تجارية ومطاحن للحبوب والعلف.