يواجه رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، معركة مصيرية على حياته السياسية، يخوضها على ثلاث جبهات مختلفة ومتزامنة، أولها معركته القضائية، ثم المعركة السياسية الداخلية، والسياسية الخارجية.
وللمرة الأولى في الكيان الإسرائيلي يقرر المستشار القضائي للحكومة تقديم لائحة اتهام ضد رئيس حكومة، بعد تحقيق متشعب استمر نحو سنتين، وتقرر في نهاية المطاف تقديم ثلاث لوائح اتهام خطيرة في ثلاثة ملفات، حيث سيتهم في "الملف 4000" بتلقي الرشوة، وفي الملفين "1000" و"2000" سيتهم بالاحتيال وخيانة الأمانة.
يشار في هذا السياق إلى أن قرار تقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو منوط بجلسة الاستماع لطعونه. وفي حين يدعي أنصاره أن القرار قد يتغير وأنه غير نهائي، إلا أنه، وعلى أرض الواقع، فإن احتمالات إغلاق هذه الملفات تعتبر منخفضة، خاصة وأن المستشار القضائي للحكومة قد اتخذ كل جوانب الحذر، كما أن نشر التوصيات بشأن تلقي نتنياهو الرشوة عشية الانتخابات يشير إلى مدى الثقة التي توفرت لديه قبيل قراره النهائي.
وبالنتيجة، فإن "إسرائيل" تواجه سلسلة "هزات أرضية"، بحسب وصف المحلل الإسرائيلي بن كسبيت في موقع "المونيتور"، بدأت قبل أسبوع في إعلان بيني غانتس ويائير لبيد توحيد حزبيهما "مناعة لإسرائيل" و"يش عتيد"، وانضمام رئيسي أركان سابقين، غابي أشكنازي وموشيه يعالون، إليهما، الأمر الذي جعل نتنياهو في المكان الثاني في الاستطلاعات.
أما الهزة الثانية فهي إعلان المستشار القضائي للحكومة تقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو وما يتلوه خلال الانتخابات وخلال محاولة تشكيل الحكومة، ثم جلسة الاستماع لنتنياهو. بيد أن الهزة الأعظم ستكون في حال اضطر إلى الاستقالة من الحياة السياسية ليواجه لوائح الاتهام.
وبحسب بن كسبيت، فإن نتنياهو يواجه معركة مصيرية ويحارب على ثلاث جبهات مختلفة ومتزامنة.
أولها الجبهة القضائية والتي تعتبر الأكثر تهديدا، والتي تنطوي على إمكانية تدمير حياته السياسية، حيث بدأ، في الأسابيع الأخيرة، بتذويت إمكانية أن ينهي حياته في المكان الذي انتهى إليه سابقه في المنصب، إيهود أولمرت، في السجن؛
أما الجبهة الثانية فهي الجبهة السياسية الداخلية (البوليتية)، وهي تتألف من جبهتين ثانويتين: الأولى هي معركته للفوز في الانتخابات، خاصة وأنه يعلم أن خسارته تضاعف إمكانية دخول السجن، حيث أنه من الأسهل بالنسبة له أن يدير معركته القضائية وهو على كرسي رئاسة الحكومة؛ أما الجبهة الثانوية الثانية فهي معركته من أجل تثبيت ائتلافه الحكومي المستقبلي رغم ضغوطات المستشار القضائي، حيث أن الفوز في الانتخابات لن يكون ذا قيمة بدون القدرة على تشكيل الحكومة، ما يعني أنه سيكون معلقا أكثر مما مضى بشركائه في الائتلاف.
وتكمن مشكلة نتنياهو هنا في أنه سيكون بحاجة لشركائه من أجل التمسك بحياته السياسية وتشكيل حكومة كمتهم بتلقي الرشوة. ولا تكمن مشكلته هنا مع الأحزاب الحريدية أو مع أفيغدور ليبرمان، وإنما مع موشيه كاحلون ونفتالي بينيت وأييليت شاكيد، حيث صرح الأول أنه لن يجلس في حكومته في حال قدمت لائحة اتهام ضده، بينما أبقى كل من بينيت وشاكيد المسألة مفتوحة.
وتشير التقديرات إلى أنه بالنسبة لحزبي "كولانو" (برئاسة كاحلون) و"اليمين الجديد" (برئاسة بينيت) فإن القرار النهائي للمستشار القضائي، بعد جلسة الاستماع، هو الحاسم. ويتوقع أن يكون في نهاية العام الحالي، أو مطلع العام القادم 2020. وفي حال لم يتمكن نتنياهو من تغيير رأي المستشار القضائي، فإنه سيكون قد وصل إلى نهاية حياته السياسية؛
أما الجبهة الثالثة التي يواجهها نتنياهو فهي الجبهة السياسية الخارجية، حيث أنه يقترب موقع عرض خطة السلام الأميركية، التي يطلق عليها "صفقة القرن". وبحسب بن كسبيت، فإنها قد تكون الجرعة السامة بالنسبة لنتنياهو أو خشبة النجاة، فالأمر يتعلق بالتوقيت، حيث يحارب نتنياهو على أصوات اليمين، وعليه فهو يتجنب أن يظهر كمن يوافق على خطة تهدف إلى قيام دولة فلسطينية، أما بعد الانتخابات فـ"من الممكن أن يتغير الوضع".
ولا يغفل بن كسبيت الإشارة إلى أنه بعد أقل من ساعة من إعلان قرار المستشار القضائي، ألقى نتنياهو خطابا شن فيه هجوما واسع النطاق على الشرطة والنيابة العامة وأجهزة سلطة القانون و"اليسار"، متجاهلا الحقائق والأدلة والشهادات، وخلق رواية ذاتية تعتمد على نظرية المؤامرة والأكاذيب ونوبات الغضب على سلطات القانون والمؤسسات الرسمية للدولة التي يرأس حكومتها. كما أشار بالاسم، للمرة الأولى، إلى المدعي العام، شاي نيتسان، والمدعية المرافقة للتحقيقات معه، ليئات بن آري، كمن خططا لمكيدة ضده ويخدمان مصالح جهات أجنبية.
في المقابل، فإن غانتس رد عليه بخطاب "هادئ ورسمي ومدروس"، بحسب بن كسبيت، قال فيه إنه لن يجلس معه في الحكومة، ودعا إلى تمالك نفسه وإبداء المسؤولية والاستقالة.