الثلاثاء 12 مارس 2019 20:58 م بتوقيت القدس
اعتبر المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة أن الجزائر مرشحة لانتقال ديمقراطي تدريجي، لأن هناك عزوفاً عند الجزائريين عن العنف، فيما تم بناء مؤسسات في الدولة، وهناك نوعاً ما أحزاب واتحادات وصحافة.
ولفت إلى أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة اتخذ في العهدة الثالثة قرارات مهمة مثل إخضاع الجيش للرئاسة وإن بشكل جزئي.
جاءت أقوال د. بشارة في لقاء مع برنامج "لقاء اليوم" على قناة الجزيرة، بث اليوم ويعاد بثه غدًا الأربعاء. وقال إن خطوة بوتفليقة بعدم الترشح لولاية خامسة "حكيمة"، لكنه استدرك بالقول إن ما سيحسم ما إذا كانت ستتحوّل إلى التفاف من الدولة العميقة أو لانتقال ديمقراطي تدريجي هو وعي الحركة الجماهيرية لعدم ترك الشارع، وأن تخرج قيادات قادرة على التفاوض وعدم الارتكان إلى العفوية. وأشار بشارة إلى أن استمرار حراك الشارع المدني السلمي "ضمان لكي لا تنحرف الأمور إلى سيناريو مصري"، في إشارة إلى انقلاب الجيش على ثورة يناير. واعتبر بشارة أن الواقعي في الجزائر هو تقاسم السلطة والتحوّل الديمقراطي والانتقال التدريجي، "لذلك من الضروري جداً التعلم من تجربة الربيع العربي".
وفي ما إذا كنا أمام نسخة مكررة في الجزائر اليوم عما حصل في مصر غداة ثورة يناير، أجاب بشارة بأن النهوض العربي في موجة 2011 لم يكن ثورات جذرية لإحلال أنظمة جاهزة مكان أخرى، بل رُفعت شعارات إصلاحية تطالب الأنظمة بالإصلاح، وانتهت في تونس بأن النظام دخل في انتقال تدريجي بشرخ الطبقة الحاكمة والدخول في توافقات مع المعارضة. وقال إن الحراك الجزائري "رفع رؤوسنا بسلميته ومدنيته، وهو أسقط آراءً مسبقة عنصرية عن الشعب الجزائري". ولفت بشارة إلى أن التجربة المصرية "عادت بوبالها على كل العالم العربي، وأن مجازر (رئيس النظام السوري بشار) الأسد سمحت لشخص مثل (الرئيس عبد الفتاح) السيسي بالانقلاب على الديمقراطية، لذلك يجب التعلّم من التجربة المصرية لعدم تكرارها". وقال إن ما استغله السيسي هو توق الناس إلى الاستقرار "لذلك يجب ألا يحصل شيء مماثل في مكان آخر، وما سهل حصول ما حصل في مصر هو عبث القوى المدنية وصراعاتها، وهذا من أساسيات التعلم من التجربة المصرية".
ووصف بشارة وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، أنور قرقاش، بأنه يتصرف "كوزير مستعمرات" لدى حديثه عن دول عربية أخرى (اليمن وليبيا ومصر...)، مع أن هذه الدولة (الإمارات) هي بمثابة "إمبراطورية على أرجل دجاجة". واعتبر أن دور الجزائر في تونس معقول، وفي ليبيا رافض للتمدّد الإماراتي المصري، وقال ربما هذا أحد أسباب طريقة تعاطي إعلام معسكر بعض الدول العربية مع الملف الجزائري. وحول الحراك الشعبي في السودان، قال المفكر العربي إن النظام السوداني يتصرّف بلا حكمة ولم يأت بخطوة واحدة حقيقية للحوار مع المعارضة التي تملك تجربة مع هذا النظام قادت إلى عدم الثقة. وأضاف أن الرئيس السوداني عمر البشير عليه أن يجد مخرجاً مشرفاً يمنع دخول البلد في الفوضى، وهذا لا يحصل إلا بعدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وأن يسير في مرحلة انتقالية، وأن يرحل ربما مع ضمانات بعدم محاكمته. وأكد بشارة على ضرورة أن يحتوي الحراك الشعبي في السودان جميع القوى المستاءة من النظام، الأمر الذي لم ينجح حتى الآن برأيه، وقال إن المؤسسة الكبرى في السودان هي الجيش، "ويجب احتواؤها، وهذا أمر لا زال بعيداً عن التحقق". وذكر بأنه في مصر حصل الأمر نفسه تقريباً، إذ كان من الممكن توسيع التفاوض مع الجيش وربما عقد تسويات معه.
اتفاقات السلام العربية مع إسرائيل لم تؤد إلى تنازل إسرائيلي
وحول صفقة القرن وموجة التطبيع العربي مع إسرائيل، اعتبر بشارة أن المردود من اتفاقات السلام العربية مع إسرائيل والتطبيع معها، أضرّ بالبلدان العربية نفسها ولم يؤدِّ إلى نيل أي تنازل إسرائيلي "بل على العكس، تزداد تطرفاً كلما نالت تنازلات عربية". واعتبر أن الأنظمة تدعي أن التطبيع لمصلحة الشعب الفلسطيني، "بينما العكس هو الصحيح، حتى إن الأنظمة تصبح أكثر عرضة للإملاءات عندما تمعن في التنازل عن سيادتها وفي سياساتها الخارجية". لكنه استدرك بأن هذا لا ينفي أن الارتماء في الحضن الإسرائيلي "خدم شخصياً رؤساء أنظمة" مثلما هي الحال مع عبد الفتاح السيسي.
ولاحظ بشارة أن "بعض" الأنظمة العربية تريد التطبيع، "لكن الإسرائيليين لا يريدون ذلك لأنهم يعرفون أن الأنظمة غير ثابتة وأن احتمال فرض الشعوب كلمتها وارد دائماً". وعن هذا الموضوع، أشار بشارة إلى أن "الحاكم في سلوك الأنظمة اليوم هو بقاء النظام، لا فلسطين ولا الممانعة"، وأن القوى الديمقراطية "حتى في صراعها مع الأنظمة، لديها مصلحة في أن تتفق الأنظمة لكي لا تلهي الشعوب بخلافاتها". وأضاف أن صفقة القرن لا يمكن أن تمرّ بالنسبة لأي طرف، لأنها حتى لا تحتمل محمود عباس الذي يوصف بأنه "رمز الاعتدال"، ولأنها قضت على ملفات الاستيطان واللاجئين والقدس، متسائلاً عن الذي يمكن أن تقدّمه دول الخليج في هذا السياق. وعن تكليف محمد اشتية تأليف حكومة فلسطينية جديدة، رأى بشارة أن الخطوة تترجم زيادة حصة "فتح" في السلطة الفلسطينية، ولا تعني أي تغيير سياسي، وأن "الجهاز الأمني لا يزال هو الأقوى في السلطة الفلسطينية لأنه عمود بقاء السلطة".