كشفت وثائق أطلعت عليها شبكة "سي إن إن" الأميركية لمحاكمة وإعدام 37 سعوديا قبل أيام عن تعرّض بعضهم لتعذيب، وتلفيق المحققين اعترافات بحقهم، بينما ناشد آخرون المحكمة إنقاذَ حياتهم.
وتعد عملية الإعدام التي جرت يوم الثلاثاء الماضي أحد أكبر الإعدامات الجماعية في تاريخ السعودية.
وقالت "سي.إن.إن" في تقرير حصري اليوم الجمعة إنّها حصلت على مئات الوثائق من ثلاث محاكمات جرت في عام 2016، وشملت 25 شخصاً ممّن أعلنت السعودية عن إعدامهم، هذا الأسبوع.
وبحسب الوثائق، لقد أُدين 11 شخصًا بالتجسس لصالح إيران، بينما أُدين 14 آخرون بتشكيل "خلية إرهابية" خلال احتجاجات في مدينة العوامية شرقي المملكة والتي تقطنها أغلبية شيعية في عامي 2011 و2012.
وأظهرت وثائق المحاكمة أنّ العديد من هؤلاء، شددوا على براءتهم التامة من الاتهامات الموجهة إليهم، وأنّ الاعترافات التي وردت في سجلات المحاكمة كُتبت من قبل الأشخاص أنفسهم الذين قاموا بتعذيبهم.
وقال بعض الأشخاص قبيل إعدامهم- وفق الوثائق- إنّ لديهم أدلة على تعرّضهم لتعذيب وسوء معاملة على أيدي المحققين.
فيما جدّد أحدهم تقديم الولاء للملك سلمان وابنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على أمل تساهل المحكمة.
غير أنّ كل ذلك لم يحرّك القضاة الذين أشرفوا على المحاكمات في عام 2016، وأُدين المعتقلون بارتكاب جرائم متعلقة بالإرهاب وحُكم عليهم بالإعدام.
وأعلنت الرياض يوم الثلاثاء الماضي إعدام 37 شخصًا من بينهم ثلاثة كانوا قاصرين عندما قالت المملكة إنّهم ارتكبوا جرائمهم، وقد تم صلب أحد هؤلاء بعد إعدامه، وربطه وعرضه كتحذير للآخرين، وفق ما تذكره "سي إن إن".
وكان الأصغر من بين من أُعدموا عبد الكريم الحواج، وفقاً لمنظمة "العفو" الدولية، وواجه تهمة المشاركة في احتجاجات في سن الـ16، وأثار حكم الإعدام الصادر بحقه اعتراضاً من الأمم المتحدة التي حثت المملكة على إلغاء الحكم.
ومِن بين مَن تم إعدامهم مجتبى السويكات البالغ من العمر 17 عامًا عندما شارك في مظاهرات وجرى اعتقاله في عام 2012، بعد احتجازه في مطار بالدمام بينما كان يستعد لصعود طائرة متوجهًا إلى الولايات المتحدة لتقديم طلب قبول في جامعة بولاية ميشيغان.
وقال نادر السويكات المحامي الذي رافع عن ابنه أثناء المحاكمة الجماعية- وفقاً لوثائق المحكمة- إنّ مجتبى "تعرض لإيذاء نفسي وجسدي استنزف قوته، وقام المحقق بإملاء الاعتراف وأجبره على التوقيع عليه مقابل وقف التعذيب".
وأشارت "سي إن إن"، إلى أنّ الوثائق أظهرت أنّ أحد المتهمين واسمه منير الآدم ويبلغ من العمر 27 عامًا كان مصابًا بالعمى والصمم جزئيًا قال أثناء المحاكمة: "هذه ليست كلماتي"، في إشارة إلى اعترافات ساقها المحققون بحقه، مضيفاً: "أنا لم أكتب رسالة. هذا تشهير كتبه المحقق بيده".
وشهدت مدينة العوامية شرقي السعودية احتجاجات للمعارضة، تزامناً مع الربيع العربي في عام 2011، وتُعتبر مسقط رأس رجل الدين الشيعي الشيخ نمر النمر والذي تم إعدامه من قبل السلطات السعودية في عام 2016.
وادّعت الوثائق التي قُدّمت إلى المحكمة أنّ أحد المعتقلين الذين تم إعدامهم، اعترف بممارسة الجنس مع أربعة من الموقوفين معه، وظهرت الاتهامات بعلاقاته الجنسية مرتين في البيانات المنشورة، ممزوجة مع تفاصيل أخرى حول تهم إثارة عنف مناهض للحكومة.
ويورد تقرير المحكمة أنّ المعتقل "قال إنه فعل كل هذا لأنّه ينتمي إلى الطائفة الشيعية، ولأنّه كان ضد الطائفة السنية، وبسبب كراهيته للدولة ورجالها وقوات الأمن التابعة لها"، بينما نفى الرجل التهم الموجهة إليه، وقال محاميه إنّ المحقق "لفّق" هذا الاعتراف.
وقال معتقل آخر قبيل إعدامه واسمه حسين محمد المسلم، للمحكمة إنّه عانى من إصابات متعددة من بينها كسر في الأنف وعظام الترقوة والساق.
وتظهر الوثائق أنّ المسلم قال للقاضي: "لا يوجد شيء صحيح في هذه الاعترافات، ولا يمكنني إثبات أنني اضطررت للقيام بذلك، لكن هناك تقارير طبية من مستشفى سجن الدمام وأطلب من حضرتك استدعاءهم. التقارير تثبت سبب آثار التعذيب على جسدي".
ووفقاً لمنظمة العفو الدولية وبعض الناشطين السعوديين، لم يتم إبلاغ عائلات المعتقلين مسبقاً بعمليات الإعدام، والتي صُدم أفرادها عندما تلقوا الأخبار التي تفيد بأنّ أقاربهم المحتجزين منذ فترة طويلة قد جرى إعدامهم.
وقاد ولد العهد السعودي محمد بن سلمان حملة مكثفة على المعارضة، منذ بروزه على الساحة السياسية في المملكة في عام 2015، وقد أمر باعتقال رجال أعمال وأمراء بارزين، ضمن حملة "ريتز كارلتون"، فضلاً عن ناشطين، وناشطات مدافعات عن حقوق المرأة أفادت تقارير بتعرضهن للتعذيب، بينما تتهمهن السلطات "بالاتصال المشبوه" بكيانات أجنبية.
وفشلت المملكة باحتواء تداعيات قتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بينما خلصت وكالة المخابرات المركزية الأميركية "سي آي إيه" إلى مسؤولية بن سلمان عن الجريمة.
ولم ترد الحكومة السعودية على الفور على عدة طلبات لـ"سي إن إن"، للتعليق على مزاعم التعذيب والاعترافات القسرية الواردة في وثائق المحكمة.
وكان مسؤول سعودي قال للشبكة، تعليقاً على نبأ الإعدام الثلاثاء إنّ "محاكمة المتورطين في احتجاجات العوامية، كانت بالنسبة إلى السلطات السعودية قضية مفتوحة وجرى إغلاقها"، مكتفيًا بالقول: "اعترف الرجال وتحققت العدالة".