الاربعاء 30 اكتوبر 2019 15:52 م بتوقيت القدس
اعتبر محللون إسرائيليون، اليوم الأربعاء، أن استقالة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، أمس، كانت متوقعة. ويبدو من هذه التحليلات أن إسرائيل مرتاحة لاستقالة الحرير، لأنها خطوة أولى في تلبية مطالب الاحتجاجات الشعبية الواسعة وغير المسبوقة، والأهم من ذلك، بالنسبة للإسرائيليين، لأن الاستقالة، تعني استقالة الحكومة أيضا، ستؤثر سلبا على حزب الله، بعدما أعلن أمينه العام، حسن نصر الله، عن معارضته ورفضه لحل الحكومة.
وكتب محلل الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس"، تسفي برئيل، أن استقالة الحريري لم تكن مفاجئة، وأنه لوح بها في حزيران/يونيو الماضي. وأشار إلى قول الحريري إن الأمور "وصلت إلى طريق مسدود"، لكن برئيل أضاف أن "’الطريق المسدود’ ليس نتيجة للمظاهرات، التي بدأت قبل أسبوعين. فلبنان غارق في دين قومي هائل يزيد عن 150% من الناتج المحلي الخام، شركة الكهرباء أفلست، مصادر المياه ملوثة، البطالة مستفحلة ووجود أكثر من مليون لاجئ سوري في الدولة يشوش الأسس الاقتصادية للدولة وتهز النسيج الاجتماعي – السياسي فيها"، وأنه "بالإمكان فقط التساؤل لماذا تأخرت المظاهرات في لبنان على خلفية الأزمة التي اشتدت طوال السنوات الثماني الفائتة منذ اندلاع الحرب في سورية".
وتوقع برئيل ألا يكتفي المتظاهرون باستقالة الحريري، وأنهم "يطالبون بتغيير بنية النظام، سن قانون انتخابات جديد، اجتثاث الفساد العميق واستقرار الاقتصاد. وتغيير شكل النظام، الذي يعني إلغاء المحاصصة الطائفية في مؤسسات الحكم والبرلمان والشركات الحكومية وفي الحكومة طبعا، هو حلم يرافق لبنان منذ اتفاق الطائف، في العام 1989، الذي أنهى الحرب الأهلية في العام التالي".
وأضاف برئيل أن "شكل النظام الطائفي ما زال يُملي البنية السياسية وكذلك تقاسم الميزانيات والموارد". مشيرا بشكل خاص إلى تحالف "التيار الوطني الحر" بزعامة رئيس الجمهورية، ميشال عون، مع حزب الله. وحسب برئيل، فإن "حزب الله أيد تعيين الحريري لأنه أدرك أنه هو فقط بإمكانه تمثيل اللبنانيين أمام مؤسسات التمويل الدولية ومنح الدولة صورة محترمة".
وعبر برئيل عن الموقف الإسرائيلي عندما تشكلت حكومة الحريري الأخيرة، بأنه "نشأ تناقض، بموجبه حزب الله، الذي يعرّف كتنظيم إرهابي في الولايات المتحدة، بات شريكا في الحكومة ومستفيدا من المساعدات الأميركية. بل أنه بإمكان حزب الله، تحت قيادة الحريري، إملاء سياسة الحكومة بإيعاز من إيران والاستفادة من كافة العوالم".
واعتبر برئيل أن "الدعم الذي يحصل عليه وزير الخارجية وصهر عون، جبران باسيل، من جانب حزب الله، زجّ بالحرير في زقاق ضيق وفيما يديه مكبلتين، من دون قدرة على إقالة وزراء أو تشكيل حكومة كمشيئته. واستقالته واستقالة الحكومة من شأنها فتح فرصة جديدة. لكن هذه فرصة نظرية وحسب، لأنها تستوجب إجماع القوى السياسية على التنازل عن وظائف الوزراء والمصادقة على تشكيل حكومة تكنوقراطيين ليسوا ملتزمين طائفيا ودينيا".
وأردف أن "هذا يعني أن باسيل وحزب الله لن يتمكنا أن يكونا أعضاء في حكومة كهذه، كالتي يطالب بها المتظاهرون، وكالتي اقترحها الحريري قبل استقالته. وثمة شك فيما إذا كانت ستتشكل حكومة تكنوقراط غير منحازين طائفيا. والإمكانية الثانية هي تكليف الحرير بترؤس حكومة انتقالية ضيقة حتى إجراء انتخابات جديدة".
وتابع برئيل أن "تشكيل حكومة انتقالية قد يحظى بتأييد حزب الله، الذي يسعى بالنأي عن نفسه من المسؤولية عن فوضى سياسية في لبنان وكي لا يقف وحده ضد المتظاهرين. والسؤال هو هل جمهور المتظاهرين، الذي شبع وعودا وإحباطا، سيوافق على الاكتفاء بهذه الخطوات المؤقتة مع علمه أن عملية انتخابية هي مسألة طويلة ولا تضمن نتائج مختلفة أو احتمالا لإشفاء اقتصادي".
وأشار برئيل إلى أنه "لا توجد حاليا قيادة سياسية متفق عليها لحركة الاحتجاج، وقادرة على تتحمل إدارة الدولة. والتجربة السياسية في لبنان تدل على أنه في نهاية مواجهات يتم التوصل إلى تسوية لا ترضي أي طرف ولكنها تسمح للدولة بالصمود لفترة أخرى حتى الأزمة المقبلة. ولكن يصعب الاعتماد على تجربة الماضي على ضوء قوة الاحتجاجات التي قد تتحول في أي لحظة إلى مواجهة عنيفة".
حزب وسطي عابر للطوائف
من جانبها، أشارت محللة الشؤون العربية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، شيمريت مئير، أنه "يوجد أشخاص كثيرون، من كافة الطوائف، الذين لديهم ما يخسرونه من تغيير النظام في لبنان. ورغم أن الاحتجاجات شملت في البداية أنصار حزب الله وأمل، لكن نصر الله غير الاتجاه وخرج على الملأ ضد الاحتجاجات وانهيار النظام السياسي القائم".
واعتبرت مئير أن ثمة إمكانيات مفتوحة في المستقبل، لكنها تطرقت إلى سيناريوهين وصفتهما بأنهما "متطرفان". ويقضي السيناريو الأول "بتشكيل حكومة تكنوقراط وفي موازاة ذلك الاستعداد لانتخابات سريعة، قبل أن تفلس الدولة ويبدأ المواطنون بفقدان مدخراتهم"، وأنه "في هذه الأثناء يتأسس حزب وسطي عابر للطوائف ويفوز بأغلبية".
وأضافت أنه "في السيناريو المعاكس، يستغل نصر الله خطابه المتوقع يوم الجمعة، من أجل كسر القواعد ويبدأ احتجاجا جماهيريا مضادا قد يتدهور بسرعة إلى حرب شوارع. والاقتصاد اللبناني سينهار، ومخزون الوقود والقمح سينتهي بسرعة، وأي شخص يكون قادرا على الهروب من لبنان سيفعل ذلك".
وحسب مئير، فإن "لبنان مليء بالطوائف، الأحزاب والمصالح، لكن الذي سيحسم وجهة الدولة يجلس في الضاحية (أي نصر الله). والراعون الإيرانيون لنصر الله يواجهون الآن انتفاضة شديدة ضدهم في العراق، وينتشرون في المنطقة الممتدة من سورية إلى اليمن، ويعانون جدا من العقوبات الأميركية. والسؤال هو هل يوجد إلحاح بإضافة لبنان إلى قائمة الصداع".
"حزب الله لا يتطلع للسيادة بلبنان"
لفت المراسل العسكري لصحيفة "معاريف"، طال ليف رام، إلى أنه على الرغم من قوة حزب الله العسكرية، إلا أنه "خلافا لحماس، على سبيل المثال، حزب الله يلعب دورا مزدوجا. فبحوزته جيشا مستقلا في لبنان، ويسيطر من جوانب عديدة على الجيش اللبناني أيضا، ويقيم علاقات عميقة مع المخابرات اللبنانية، وهو قوة هامة كجزء من تزايد قوة المحور الشيعي في الشرق الأوسط، عسكريا وعقائديا. لكنه لا يسعد للسيادة السياسية. وهذا الفصل يسمح للبنان بالتمتع بحسنات العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع الدول الغربية، وبضمن ذلك مساعدات عسكرية تمنحها الولايات المتحدة".
وأضاف ليف رام أن "حزب الله يدرك جيدا الثمن المرتبط بالمسؤولية السلطوية وضررها بدولة ذات تاريخ من الحروب الأهلية ومفتاح ديمغرافي معقد جدا. والاعتقاد المعقول هو أنه حتى بعد استقالة الحريري، فإن الفكرة التي توجه نصر الله لن تتغير".
ووفقا لليف رام، فإن "الاعتقاد في جهاز الأمن الإسرائيلي، حتى قبل الاستقالة، هو أن لن تكون للأحداث الأخير (في لبنان) انعكاسات أمنية فورية على إسرائيل. وهي لا تزيد التهديدات من جانب حزب الله ضد إسرائيل في هذه الفترة بهدف حرف الأنظار ووقف الغليان الداخلي في لبنان. وهذا ليس السيناريو المعقول الآن أيضا، وحزب الله سيخسر الكثير من عملية كهذه. والثمن الذي يمكن أن يدفعه في حالة كهذه، داخليا في لبنان ومقابل إسرائيل، قد يكون باهظا جدا".
وأضاف أنه "رغم ذلكن فإن يوجد للأحداث في لبنان وزن في تقييم الوضع الأمني (الإسرائيلي)، وفيما الجميع متوتر ومتأهب مقابل إيران ومقابل حزب الله أيضا قبل الأحداث الأخيرة. وقد تكون للعمليات الإسرائيلية في سورية وأماكن أخرى، ضد أهداف حزب الله أيضا، تأثير آخر، وقد تطالب إسرائيل بأن تكون حذرة جدا في عملياتها في إطار ’المعركة بين حربين’ (بادعاء إبعاد احتمال نشوب حرب)".
ورأى ليف رام أن "الأمر المؤكد الآن هو أن لعنصر انعدام الاستقرار في لبنان وزن في تقييم الوضع الدائم من جانب الجيش الإسرائيلي، وستطالب إسرائيل بأن تكون حذرة جدا كي لا تصبح لاعبا نشطا داخل الجلبة في لبنان".
وفيما لم تتحول الاحتجاجات في لبنان إلى احتجاجات عنيفة، فإن "الجهة التي تعززت قوتها في أعقاب ما سُمي خطأ بـ’الربيع العربي’، هو المحور الشيعي – الإيراني بالأساس، وهو العدو الأخطر على دولة إسرائيل اليوم. واحتمال تكرار ذلك في لبنان مرتفع، وهذه بالتأكيد ليست بشرى سارة لإسرائيل".