الاحد 03 نوفمبر 2019 08:01 م بتوقيت القدس
قال ضابط أمني إسرائيلي بارز، إن قتل منفذي العمليات المسلحة في الضفة الغربية لا يعدّ الهدف الأسمى، بالنسبة له على الأقل، بقدر ما يعدّ إلقاء القبض على أفراد الخلايا المنفذة والمخططة لهذه العمليات أكثر أهمية؛ صحيح أن قتل المنفذين يخفف من أجواء الغضب والحزن على مقتل الإسرائيليين في تلك الهجمات، لكن ذلك ليس نهاية المطاف.
وأضاف أريك باربينغ الضابط السابق الكبير في جهاز الأمن العام-الشاباك في حوار مطول مع الخبير العسكري يوآف ليمور، نشرته صحيفة “إسرائيل اليوم”، أنني “ما زلت أذكر مئات العمليات الإحباطية التي شاركت فيها، سواء من خلال اغتيال أو اعتقال قيادة حماس العسكرية في الضفة الغربية، المسؤولين عن سلسلة طويلة من العمليات التفجيرية في القدس ونتانيا وحيفا، وقتلت عشرات الإسرائيليين”.
هجمات حماس
وأشار إلى أن “أبرز العناوين الإخبارية التي رافقتني آنذاك هو مقتل عبد الله القواسمي أحد قادة حماس العسكريين، المسؤول عن قتل 30 إسرائيليا وإصابة المئات، في سلسلة عمليات تفجيرية وإطلاق نار، لأن اغتياله منع وقوع قتلى إسرائيليين آخرين، مما يذكرني باعتقال إبراهيم حامد المسؤول عن قتل 80 إسرائيليا، وما زال حتى اليوم في السجن الإسرائيلي”.
وأوضح أننا “ما زلنا في مرحلة العمليات الفردية، التي لم تنته بعد، ومن أجل التصدي لها، فإن الشاباك يسعى لتطوير قدراته للتعرف على عالم جديد لم يكن مدرجا سابقا في أجندته الأمنية، وهم المنفذون الوحيدون، من خلال العمل أكثر في الفضاء الافتراضي، حيث الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، من أجل تجسيد أركان النظرية العسكرية الإسرائيلية القائمة على الإنذار والردع والحسم”.
وأكد أن “لدينا منفذي عمليات فلسطينيين صغارا في السن، لا ينتمون لتنظيمات، مما أجبرنا على تغيير نظرتنا للمنفذ التقليدي للهجمات ضدنا، حيث دأبنا على التعامل مع هجمات منظمة، وإيجاد الطرق الكفيلة بإحباطها، انطلاقا من هذه النظرة، بما في ذلك جمع المعلومات، مع أن شبكات التوصل ساهمت بانتشار هذه الظاهرة، ومحاولة محاكاتها”.
العمليات الفردية
وأشار إلى أنه “بين 2014-2017 بلغت نسبة العمليات الفردية من مجموع كل الهجمات بالضفة والقدس وإسرائيل 60%، وبجانب الدوافع الوطنية القومية، فإن هناك أسبابا شخصية وعائلية، مع أن أحداث المسجد الأقصى تشكل دافعا مهما لتنفيذ العمليات، لأنه رمز إسلامي، وكل ما يحصل فيه يساهم بصياغة الهوية الفلسطينية، وسكان القدس بالذات يرون في أنفسهم حماة للمسجد، مما يشكل حافزا فوريا لاشتعال الميدان”.
وأضاف أن “من دوافع هجمات الفلسطينيين ضد الإسرائيليين، تراجع شعبية السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، حيث يراها الفلسطينيون فاسدة، وغير متواصلة معهم، وتزدحم بالمحسوبية”.
وأضاف أن “الجيل الفلسطيني الصاعد يرى في الإعلام الجديد “الديجيتال” منصته الوحيدة للإطلال على العالم، من خلاله يقيم علاقاته ودراساته، وأيضا يخطط للعمليات ضد إسرائيل، بعضهم ينشر وصيته قبل خروجه للعملية، بكلمات أخرى المنفذون يتركون توقيعهم التكنولوجي، ويظهر ذلك من خلال الإعجابات اللافتة في المنشورات التي تحث على العمليات، أو زيارة المواقع الإلكترونية التي تتحدث عن الشهداء والتحريض”.
ولفت الأنظار إلى أن “بعض المنفذين يكونون ملتحين، وفجأة يحلقون لحاهم، هنا يبدو الأمر خطرا، وتبدأ التحركات الأمنية لدينا، بما فيها التحقيقات وجلب المعلومات عنه، حيث يعدّ كشف البنى التنظيمية أسهل لدينا من العمليات الفردية، لدينا تاريخ طويل من العمل الاستخباري في غزة والضفة، هناك نعرف العائلات والزعماء والتنظيمات”.
وأكد أن “العمليات الفردية ليس لها عنوان يمكن التحقيق حولها، وليس هناك معلومات مسبقة عن المنفذ الوحيد، لكننا من خلال هذه الطرق التكنولوجية أحبطنا في السنوات الثلاث الأخيرة مئات العمليات، نصف المعلومات من الشبكة العنكبوتية، والباقية من مصادرنا المنتشرة بين الفلسطينيين، لقد اكتسبنا خبرة طويلة كي نعثر على خيط في كومة قش”.
“السلطة تساعدنا”
وأوضح أنه “بين تشرين الأول/ أكتوبر وكانون الأول/ ديسمبر 2015 وقعت 100 عملية، بمعدل عملية واحدة يوميا، السلطة الفلسطينية تساعدنا في إحباط العديد من العمليات، رغم أننا قادرون على العمل من دون مساعدتها، لكن لأسباب عملياتية ومصلحة إسرائيلية نقوم بإشراكها معنا، ونمنحها حرية العمل، خاصة في أعماق المخيمات والقرى في جنين ونابلس وقباطية، وهناك 20% من العمليات أحبطتها السلطة الفلسطينية”.
وأشار إلى أن “الحديث عن إسقاط السلطة الفلسطينية مسألة سياسية، وليس أمنية فقط، لكن العودة لفترة الحكم العسكري في الضفة الغربية لن تخدم إسرائيل، لأنها تكلفنا المزيد من الدماء، وتؤدي لمزيد من الاحتكاك بين الفلسطينيين والإسرائيليين. الوضع الحالي في الضفة الغربية هو الأفضل لإسرائيل، لكنه قد لا يصمد طويلا، لأنه في نهاية الأمر هناك حاجة لإيجاد حل سياسي”.
الضابط الإسرائيلي انتقل في حواره المطول إلى “إطلاق سراح أسرى حماس في صفقة التبادل الأخيرة، قائلا إن إبقاءهم في الضفة الغربية خيار صائب، في الضفة لدينا القدرة على جعلهم تحت نواظرنا طوال الوقت، لكننا لم نرد لجميعهم أن يعودوا للضفة الغربية، لأن ذلك سيشكل لحماس دعما شعبيا وتنظيميا، وهذا سيمس بالسلطة الفلسطينية”.
تهديد العاروري
وأضاف أننا “قمنا سابقا بإبعاد مسلحين فلسطينيين إلى أوروبا خلال حصار كنيسة المهد في بيت لحم زمن الانتفاضة الثانية، وكان ذلك نجاحا لنا، فهم كانوا من نشطاء فتح، واليوم لم يعد لهم نشاط أبدا، في حين أن لدينا نموذجا معاكسا يتمثل بصالح العاروري، الذي استطاع أن ينشئ منظومة عسكرية، واصبح ذا تأثير كبير في حماس، وبات له نفوذ لا ينكره أحد سيلقي بظلاله لسنوات طويلة على أداء حماس العسكري”.
وأكد أن “العاروري يحظى برعاية عدد من الدول التي يتنقل فيها، لذلك لست متأكدا من مدى صوابية إبعاده إلى الخارج، العاروري زعيم وقائد، وهؤلاء القادة ينبغي أن يكونوا قريبين من “الملعب” في إسرائيل أفضل من أن يكونوا في اسطنبول، فتركيا تستضيف اليوم قيادة حماس، وتساعدهم”.
وأشار إلى أن “إسرائيل تعيش اليوم مع السلطة الفلسطينية حالة من إدارة الأزمة بأقل عدد من القتلى والعمليات، لكن هذا الوضع لن يستمر طويلا دون حل سياسي، لأن مغادرة أبو مازن للمشهد السياسي في هذه المرحلة، لن يكون توقيته لصالحنا، وقد تشعل الميدان من جديد، وفي هذه الحالة يجب تسليط الأنظار ليس على حماس وحدها، وإنما على مختلف تيارات فتح التي لا تتبع لقيادة موحدة”.
وختم بالقول بأننا “لن نتنازل عن حرية الحركة للجيش والمخابرات في الضفة الغربية، وهو الواقع الذي قررته عملية السور الواقي في 2002، نتحرك في اليوم والليلة، 365 يوما في السنة، حتى في عيد الغفران لا نتوقف عن العمل، لأن حرية الحركة هذه أدت لتراجع كبير في العمليات وقدرات المنظمات المسلحة، وليس لدينا اليوم أي قيود سياسية على العمل في كل مكان بالضفة الغربية”.