الجمعة 15 نوفمبر 2019 21:03 م بتوقيت القدس
يمكن تلخيص مشهد العنف الدامي الذي استفحل فينا كما يلي: عدد ضحايا هذا العنف الدامي يزداد من أبنائنا يوما بعد يوم، وكلما قيل انقضى تمادى، وتارة يضرب بالنقب، وتارة بالساحل، وتارة بالمثلث، وتارة بالجليل، وما عاد فينا واحد سالم منه إطلاقا، وفي المقابل ماذا فعلنا؟ يمكن أن نلخص ما فعلناه حتى الآن بثلاث نقاط لا رابع لها، الأولى: الدور الوعظي في المساجد وعبر الصحف وصفحات التواصل، والثانية: الدور الاحتجاجي حيث قمنا بمظاهرات وأقمنا خيام اعتصام وأغلقنا الشوارع وسرنا في قوافل سيارات وواصلنا الاعتصامات، والثالثة: دور إصلاح ذات البين وهو علاج لآثار العنف وليس لذات العنف في معظم الأحيان، وها هو العنف الدامي ازدادت ضحاياه فينا بعد كل هذه الخطوات!! وكأن الذين يوقدون نار العنف فينا يريدون أن يبعثوا رسالة لنا مفادها أننا عاجزون عن حصار العنف الدامي ثم اقتلاعه من جذوره في حساب أولئك المردة حمالي الحطب ومغذّي العنف الدامي فينا، وتبقى هناك مجموعة أسئلة مصيرية عن العنف الدامي فينا تبحث عن إجابة وأهمها ما يلي:
بعد أن ثبت بالدليل القاطع للمرة الألف أن الشرطة تتعمد عدم جمع السلاح الأعمى الأصم الأبكم من مجتمعنا، وبعد ان ثبت أن بعض جيوب الجيش الإسرائيلي متورطة في نشر هذا السلاح فينا، فكيف نعالج ظاهرة انتشار هذا السلاح فينا، حيث يتجاوز عدد قطع السلاح فينا أكثر من أربعمائة ألف قطعة عمياء صمّاء بكماء.
بعد أن ثبت بالدليل القطعي للمرة المائة ألف أن شركات القروض الفاحشة التي تنتشر فينا كالورم السرطاني هي إحدى المسببات الأساس لانتشار العنف فينا، وبعد ان ثبت أن الشرطة تتحاشى خوفا أو كيدا مواجهة هذه الشركات، فكيف نعالج أمر هذه الشركات التي باتت تخبطنا خبط عشواء بلا رحمة؟!
بعد أن ثبت بالدليل القطعي اليومي أن عشرات الآلاف من بيوتنا متورطة مع شركات القروض الفاحشة، وبعد أن ثبت أن هذه البيوت قد باعت ما تملك من أرض، وبعد أن ثبت أن بعضها باع ما يملك من سيارات بل وحتى بيوت، ومع ذلك لا تزال هذه البيوت متورطة مع شركات القروض الفاحشة ولا تزال مهددة بالقتل، فكيف نعالج مأساة هذه البيوت، وها هو القتل يتهددها في كل لحظة؟!
بعد أن ثبت بالدليل القطعي المشاهد لعيوننا أن سوط “الخاوة” بات يحصد أرزاق الآلاف من أرباب العمل من جماهيرنا الكادحة وبعد أن ثبت أن الشرطة تغض الطرف عن ذلك أو توفر الغطاء لذلك، فكيف ننقذ هؤلاء الآلاف من جماهيرنا الكادحة الذين باتوا مستعبدين لسوط “الخاوة”؟!
إن أوجاع فقدان كل ضحية من أبنائنا لا تقف عند حسرة فراقه، بل يتبع ذلك فتنة عمياء بين طرفين أو أكثر، ويتبع ذلك إيقاظ قانون الثأر، ثم ثأر الثأر، وهكذا بلا توقف، وهذا يعني أن مجتمعنا بات يعاني من مئات القنابل الموقوتة القابلة للانفجار في كل لحظة، والتي اسمها الثأر أو ثأر الثأر، فكيف ننقذ مجتمعنا، وهذه القنابل الموقوتة بدأت تزداد فيه ويتسع انتشارها، حتى لم تعد بلدة من بلداتنا ولو كان عدد سكانها ألفا ويزيد، إلا وتمت زراعة قنابل موقوتة فيها اسمها الثأر أو ثأر الثأر؟!
وإلى جانب كل ما ورد أعلاه تبقى ظاهرة قتل النساء التي نرفضها كما نرفض قتل الرجال، والتي ندينها كما ندين قتل الرجال، والتي يجب ان نتصدى لها، كجزء أساس من تصدينا للعنف الدامي الذي بات يسمن من جراحنا ودمائنا ودموعنا، فكيف نقتلع ظاهرة قتل النساء من جذورها كجزء من اقتلاع ظاهرة العنف الدامي الذي استفحل فينا؟!
ثم ها هو العنف الدامي يزحف نحو مدارسنا ونحو مباني ومكاتب سلطاتنا المحلية، وبات ينتج ضحايا من المعلمين والطلاب والموظفين ومسؤولي الأقسام وسائر العاملين، وإذا ما استفحل في المدارس ثم في مباني ومكاتب سلطاتنا المحلية فهذا يعني أننا بين يدي كارثة قد تستعصي على الرتق إذا تركنا حبلها على غاربه، فهل نملك ولو فكرة واحدة أو خطوة واحدة لتحصين المدارس والسلطات المحلية من خطر العنف الدامي الذي بات يرتع في حماها؟!
قرأنا كتاب “المطلوب في قضية العنف” الذي أعدّه على هيئة مقالات الشيخ رائد صلاح- فك الله أسره- حيث بدأ بكتابة هذه المقالات منذ عام 2008م فصاعدا، وهو كتاب هام ومفيد وقيّم، ولكن يحتاج إلى استخلاص ما فيه ثم، صياغة الخلاصة على هيئة برنامج عمل قابل للتعديل مع الأيام لمواجهة لعنة العنف الدامي فينا.
قرأنا المذكّرة التي أعدّها د. أسعد غانم والطاقم المساعد له والتي وضعت برنامج عمل محدد الخطوات لمواجهة العنف، فوجدنا فيها ما يستفاد منه وهو كثير، ووجدنا فيها ما نرفضه علانية وبلا تردد لأنه يتناقض مع ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية، لذلك فمذكرة د. أسعد غانم تحتاج إلى غربلة وتنقيح، ثم بعد هذه الغربلة والتنقيح فهي تصلح أن تكون برنامج عمل قابل للتعديل بغية مواجهة العنف الدامي فينا!!
إن لجنة المتابعة الآن، واللجنة القطرية كذلك، وسائر الأحزاب والحركات في داخلنا الفلسطيني وسائر السلطات المحلية العربية مطالبة فورا أن تعلن لكل مجتمعنا في داخلنا الفلسطيني عن برنامج عمل مكتوب وواضح ومحدد الخطوات والأهداف بغية مواجهة العنف الدامي، وإلا فإن جماهيرنا الكادحة باتت تزداد إحباطا يوما بعد يوم، ومن يقرأ مقالة “عملاء وخونة بالنسبة لشعبهم” بقلم الإعلامي سهيل كيوان التي نشرتها صحيفة “المدينة” بتاريخ 8/11/2019، ومن يقرأ مقالة “الجريمة تنتشر في المجتمع العربي والكل يتفرج” بقلم الإعلامي أحمد حازم التي نشرتها في صحيفة المسار بتاريخ 8/11/2019 يجد أن المقالتين تدقان ناقوس الخطر، وكأن لسان حالهما يقول: “إصح يا نايم… النار بدارك شبّت”!!
ومن يقرأ صفحات تواصل جماهيرنا الكادحة يجد أنها باتت تكتب بلغة الإحباط والاستسلام عن العنف الدامي فينا لدرجة أن السيد أسعد أبو منير كتب على صفحة تواصله: “إزاء موجة العنف الذي يفتك بالمجتمع العربي في إسرائيل من الداخل، كالخلايا السرطانية، وفشل قادة المجتمع جميعهم دون استثناء: السياسيين، الشيوخ، لجان الإصلاح، الوجهاء، الطبقة المثقفة، الجميع… فشلوا فشلا ذريعا، فشلا يندى له الجبين”!!
إزاء كل ما أوردناه سابقا، ألم يأن لنا أن نخطو خطوة مصيرية أمام خطر العنف المصيري الذي بات يهددنا جميعا، ألم يأن لنا أن ننتخب لجنة “المتابعة العليا” انتخابات مباشرة- رئاسة وعضوية- من جماهيرنا الكادحة، بغية أن توفر لنا هذه الانتخابات “السلطان الاعتباري” الذي بتنا بأمس الحاجة إليه، سيّما بعد أن بات سلطان المؤسسة الإسرائيلية مدانا في عيوننا ومتورطا في نشر العنف الدامي فينا، وإلا فإن أخشى ما نخشاه أن تلعننا أجيالنا القادمة على ميراث العنف الدامي الذي سنتركه لها، وكأنه ضربة لازب لا نجاة منها!! فهل من مدكر؟! وهل من أحد فينا يسمع؟!