الجمعة 05 يونيو 2020 11:25 م بتوقيت القدس
قرأنا ما تداولته الأسبوع الماضي وسائل الإعلام في أخبارها وما صدر من بيانات شخصية على الصفحات الرسمية عن تعيين الدكتور منصور عباس نائب رئيس الكنيست الصهيوني. فبين مبارك بهذا الإنجاز التاريخي وفق تعبير البعض، وبين من اعتبر هذا المنصب “مفخرة للشعب الفلسطيني”، وبين ناقد ورافض مستهجن وبين لا مبال بكل ما حدث ويحدث.
ولعلّ بعض من سيقرأ ما أكتب سيقول: ما شأنكم وما دخلكم وأنتم لم تشاركوا في انتخابات الكنيست بل أنتم قاطعتم الانتخابات، فلماذا تحشرون أنفسكم ولماذا تتكلمون في هذا الموضوع أصلًا؟
الحقيقة أنني كتبت ما كتبت وأنا أعرف سلفًا أن كلامي هذا لن يعجب البعض ولن يرضي البعض الآخر، بل إنني أعلم أن ألسنًا ستتطاول وأن أقلامًا ستفيض بما في قلوب أصحابها، تغرف مما فيها من مخزون تسوّد به صحفًا وصفحات شخصية وسلفًا أقول إنني لن أرد على أحد ولن أعقب على أحد ولن أكترث لكل ما يقال، وإنما هو انتصار لدعوتي ومشروعي وتوضيح وموقف لله ثم للتاريخ، به أبرأ إلى الله تعالى.
ليس لكون السيد منصور عباس باسمه واسم عائلته أو بلده يشغل هذا المنصب، فلقد أشغله سابقًا أعضاء كنيست عرب هم شركاؤه الآن في القائمة المشتركة ومن قوائم مختلفة، فلم يستوقفني ذلك أبدًا لأنني لا ألتقي ولا قواسم مشتركه في الفكر والنهج السياسي معهم، ولكن لأن السيد منصور عباس يشغل موقعًا دعويًا فهو نائب رئيس الحركة الإسلامية الجنوبية، فقد أصبح يجمع بين نائب رئيس الحركة الإسلامية ونائب رئيس الكنيست الصهيونية. وعليه فإنني أكتب ما أكتب وأقول ما أقول لأن الحركة الإسلامية ليست ملكًا لأحد وليس لأي كان احتكار هذا الإسم وهذا المشروع وتشويهه. وإن حظر الحركة الإسلامية التي أعتز بالإنتماء إليها وإخراجها خارج القانون الإسرائيلي يوم 17/11/2015 وإغلاق مؤسساتها وجمعياتها ومنعها من ممارسة أي عمل دعوي أو سياسي أو اجتماعي، ليس معناه الصمت وترك أيًا كان ليستعمل هذا الاسم وهذه اللافتة وهذا التاريخ. وعليه فإنها جملة ملاحظات لا بد منها:
1/ كنا نعلم أن من يخوض هذا الغمار بدءًا من المشاركة في انتخابات الكنيست الصهيوني فإنه لا حدود لانزلاقه، وستأتي عليه مرحلة تغيب عنده الرؤيا السليمة حيث تصبح قواعد ومعايير المواقف هي المصالح وليس المبادئ والثوابت. وأن من لا يتوقف عند بداية أي انزلاق فإنه سيستمر في انزلاقه دون أن يشعر بمقدار هذا الانزلاق وخطورته.
2/ وكان واضحًا منذ بل وقبل الانقسام عام 1996 ودخول شق من الحركة الإسلامية انتخابات الكنيست الصهيوني، أن قرار البداية يملكه لكن قرار وشكل النهاية فإنه سيفرضه الواقع الجديد ومتطلباته، فالدعوة الصريحة بل واستخدام مآذن ومنابر المساجد لانتخاب والتصويت لبيرس جزار قانا في انتخابات 1996، والدعوة الصريحة لانتخاب والتصويت لباراك في انتخابات 1999 والذي ما لبث أن صفعهم بجريمته في هبة الأقصى عام 2000، ثم الجلسات السرية التنسيقية مع أعضاء وقادة في الليكود بعد انتخابات 4/2019 حتى دون علم شركائهم في المشتركة ثم التوصية بغانتس الدموي ودعمه ليكون رئيسًا للحكومة، ولعلّ هناك ما ستكشف عنه الأيام فقط يشير إلى المآلات التي وصلت إليها تلك البدايات.
3/ لا يهمني كثيرًا قول القائل أن هذا المنصب أصلًا هو منصب فخري لا يقدم ولا يؤخر ولا يعوض به إخراج القائمة المشتركة خارج أحلام توصيتها بغانتس وما بنته من آمال. ولا قول القائل بأن هذا المنصب سيساهم في تحقيق مصالح فلسطينيي الداخل.
لكن المهم بل الأهم أن هذا المنصب وإشغاله هو إفراز طبيعي من إفرازات اتفاقية الشراكة بين حزب نتنياهو وحزب غانتس، حيث حصة الليكود من هذه الشراكة هو منصب رئيس الكنيست الذي يشغله “ياريف ليفين” فمن هذا الذي سيقنعني بل سيقنع أي طفل من أبناء شعبنا أن الذين أخرجوا كل القائمة المشتركة من حساباتهم فإنهم سيعطون الفرصة ويسمحون لعضو من أعضائها بتعويض ما تبدد من أحلامها عبر منصب فخري هو نائب رئيس الكنيست، حيث الرئيس هو ليكودي يميني ووالده مستشرق ومن عتاة قادة المشروع الصهيوني، فهل يتكرم عليكم بصلاحياته أو بجزء منها. فلا تطعموا أنفسكم ولا تطعموا شعبنا جوزًا فارغًا ولا تبنوا قصورًا على الرمال!!!
4/ فهل إشغال منصب نائب رئيس الحركة الإسلامية ونائب رئيس الكنيست الصهيونية سيغيّر من كونها الكنيست التي أقرّت وشرّعت قانون القومية، وهي التي ستشرع قانون ضم أجزاء من الضفة الغربية بعد أسابيع ومن تحت قبتها وعباءتها خرّجت وستخرج كل القوانين العنصرية والحاقدة ضد شعبنا وقدسنا وأقصانا ونقبنا. فماذا سيفعل نائب رئيس الحركة الإسلامية ونائب رئيس الكنيست الصهيونية؟!
5/ لو كان في هذا المنصب ما يفيد ولو على الصعيد الشخصي، ما كان ليزهد به أحمد الطيبي الذي أشغله سابقًا، ولما كان تنازل لك عنه أعضاء الحزب الشيوعي والجبهة الذين يخدمون تحت هذه القبة منذ عام 1949، ولكني على يقين أنه الطُعم ألقموك إياه وابتلعته مع الأسف يا دكتور منصور!!!
6/ يؤلمني كثيرًا شعبوية الطرح ومحاولة اصطناع بريق عبر الإشارة إلى أن إشغال الدكتور منصور عباس هذا المنصب يصنف ويسوّق تحت شعار “أول إسلامي في منصب نائب رئيس الكنيست”، تمامًا كما كان الشعار “سندخل أول محجبة إلى الكنيست”. فليس بقصد الإساءة عبر المقارنة، ولكن أليس شعبنا قد أصبح يلهث خلف هذه الطروحات والعناوين الشعبوية والبرّاقة مثل أكبر طنجرة مقلوبة، أكبر رغيف مسخّن، أكبر سدر كنافة. لقد دخلت أول محجبة إلى الكنيست، وقرأت المقابلة التي أجريت معها في صحيفة يديعوت أحرونوت 22/5/2020 وصورتها بالجلباب أمام مبنى الكنيست، فلم أجد في الحقيقة أي فارق بين ما تطرح عضو الكنيست المحجبة إيمان الخطيب عمّا تطرحه عضو الكنيست غير المحجبة من الأحزاب الأخرى.
ليس نقاشي مع الأخت إيمان بشخصها ولا مع الدكتور منصور بشخصه، ولكن بعد جعل الجلباب والحجاب مادة تسويقية، فإنني سأنتصر لحجاب كل زوجة وجلباب كل أخت وكل أم وكل فتاة وكل منتمية للمشروع الإسلامي من لابسات الحجاب الفاضلات، بل اللاتي كنّ أول من لبسن الحجاب يوم كان لبس الحجاب يعني معركة نفسية واجتماعية شرسة، وجعل الإنتماء للحركة الإسلامية مادة تسويقية وتشويقية، فهذا ما لا يمكن السكوت عنه.
7/ كيف يستوي الجمع بين نائب رئيس الحركة الإسلامية ونائب رئيس الكنيست الصهيونية؟ أليس مجرد الجمع يدل على التناقض بل إنه كمن يريد خلط الماء الحلو بالماء المالح مع الإبقاء على خاصية كل منهما، لا بل إنه لخلط السم بالعسل، لأن مشروع الإسلامية لا يلتقي أبدًا مع مشروع الحركة الصهيونية حيث الكنيست هي دار تشريعها، لا بل إن الحركة الصهيونية تعلن الحرب السافرة على المشروع الإسلامي وعلى الحركات الإسلامية، لا بل إنها رأس الحربة العالمية في حرب ومواجهة الإسلام، فكيف يمكن الجمع بين المتناقضين بين العدوّين.
وأن اسم الحركة الإسلامية وأن مشروعها قد مات بل قتل، بل سجن، بل هجّر، بل لوحق ثمنًا للحفاظ عليه، آلاف مؤلفة بل عشرات الآلاف بل ملايين على مدى عمر الحركة الإسلامية التي ليست هي المحصورة في الداخل الفلسطيني.
نعم إن هذا الإسم وهذه الراية لم يكتشفها أحد ولم يبتكرها أحد وإنما هي علامة مسجلة وهوية أصيلة لأبناء المشروع الإسلامي حيثما كانوا، فليس لأحد أيًا كان الحق بالمساس بها وإهانتها وتشويهها.
8/ إن الانتماء لهذا الجسم بهذا الإسم “الحركة الإسلامية” كان في العام 1985 بعد سنة من خروج الشيخ عبد الله نمر درويش رحمه الله من السجن، وفي جلسة شاركت فيها وأخي الشيخ الشيخ رائد صلاح وأخي الشيخ عبد الله وأخوة آخرين، حيث كان العمل الدعوي قبلها مرة يحمل اسم “الشباب المسلم” ومرة غير ذلك. وعليه فإن 37 سنة من عمري الدعوي الشخصي وغيري كثيرون ممن لا يرضون لهذا التاريخ وهذا الإسم وهذه الراية أن تشوه ولا أن تختطف ويتم تمريغها وإهانتها تحت قبة برلمان بل أحذية قادة المشروع الصهيوني.
9/ وإذا ظن البعض أن الحظر الظالم الذي وقع اليوم 17/11/2015 وتم بقرار من رئيس حزب الليكود ورئيس الحكومة نتنياهو والذي يشغل رئيس الكنيست هو “يريف لفين” الذي يشغل الدكتور منصور منصب نائبه، أقول إذا ظنّوا جميعًا أن حظر تنظيم الحركة الإسلامية يعني حظر فكرها وروحها ومشروعها فإنه واهم، وإذا ظن البعض أن حظر الحركة الإسلامية وفق قوانين نتنياهو يعني أن من حق أيًا كان أن ينتسب لهذا الإسم وأن يمارس به أي ممارسة فإنه كذلك مخطئ وواهم.
10/ إن الحركة الاسلامية رافد من روافد المشروع الإسلامي، فإذا حظروا هذا الرافد فإن روافد كثيرة ستبقى في خدمة هذا المشروع العظيم.
وإن الحركة الإسلامية وسيلة من وسائل خدمة ونصرة المشروع الإسلامي فإذا منعوا هذه الوسيلة بحظرها فإنها وسائل ما أكثرها، بها سنظل نعمل لخدمة الغاية الأسمى التي هي المشروع الإسلامي ونصرته لا نقيل عن ذلك ولا نستقيل بإذن الله تعالى. ولم أتخيّل يومًا أن يأتي أحد أيًا كان ليعتبر الكنيست الصهيونية وسيلة لخدمة الحركة الإسلامية أو لخدمة الإسلام. لسنا من أصحاب نظرية الغاية تبرر الوسيلة، وإنما نحن من أصحاب أن الغاية الشريفة نخدمها ونحققها بالوسائل الشريفة، وأما الغايات غير الشريفة فلسنا بحاجة إلى تحقيقها مهما كانت الوسيلة، فكيف إذا كانت هي الكنيست الصهيوني؟!
11/ وعليه فإنني أنا كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية والتي كان رئيسها الشيخ رائد صلاح، ويعرف أبناء شعبنا بل وأمتنا حضورها وامتدادها، والتي حظرتها حكومة المشروع الصهيوني بقيادة نتنياهو يوم 17/11/2015. هذه الحركة التي رفضت ولم تشارك في انتخابات الكنيست الصهيوني في يوم من الأيام، فانتصارًا لدعوتي وفكرتي ومشروعي الذي لن يغيب بتغييب الظالمين لاسمه، فإنني أبرأ إلى الله سبحانه من كل محاولة أو فعل يراد به تشويه تاريخ هذه الدعوة والحركة المباركة.
المشروع الإسلامي كان قبل نتنياهو وسيظل بعد نتنياهو.
المشروع الإسلامي كان قبل الكنيست الصهيوني وسيظل بعده.
المشروع الإسلامي كان قبل إسرائيل وسيبقى بعد إسرائيل.
المشروع الإسلامي كان قبل المشروع الصهيوني وسيبقى بعد زوال المشروع الصهيوني.
وإن غدًا لناظره قريب…
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا…
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون