الاحد 19 يوليو 2020 21:08 م بتوقيت القدس
كتبت ريهان أسد وهي محامية ورئيسة الجمعية الأمريكية الدولية للمحامين الترك، وشقيقة إكبار أسد رجل الأعمال المعتقل في الصين، ويوناه دياموند، وهو المستشار القانوني في مركز راؤول والينبرج لحقوق الإنسان، مقالًا حول ما يتعرض له شعب الإيغور من محاولات لمحو هويته، وما ترتكبه الصين بحقه من ممارسات ترقى إلى مستوى جرائم الإبادة الجماعية المكتملة.
يستهل الكاتبان مقالهما بحادثين مثيرين للقلق، قد يوقظان العالم أخيرًا إلى حجم ورعب الفظائع التي ترتكب ضد الإيغور، وهي أقلية مسلمة علمانية في الغالب، تعيش في إقليم شينجيانج بالصين.
الحادث الأول؛ هو تقرير موثوق به يوثق التعقيم (سلب القدرة على الإنجاب) الممنهج لنساء الإيغور. والآخر؛ هو مصادرة وكالة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية 13 طنًّا من منتجات صنعت من شعر بشري يعتقد أنه نزع قسرًا من الإيغور المسجونين في معسكرات الاعتقال.
يقول الكاتبان إن الحادثتين تبعثان القشعريرة في الأبدان، وتُذَكِّران بفظائع حدثت في الماضي في أماكن أخرى، من التعقيم القسريِّ للأقليات والمعاقين والسكان الأصليين، وصورة العرض في صناديق زجاجية لأطنان من الشعر الذي يحتفظ به في أوشفيتز (معسكر الاعتقال النازي).
تُعَرَّف اتفاقية الإبادة الجماعية، التي وقعت عليها الصين، الإبادة الجماعية بأنها أفعال محددة ضد أعضاء جماعة بقصد تدميرها كليًّا أو جزئيًّا. وتشمل هذه الأفعال (أ) القتل، (ب) إلحاق أذى جسدي أو عقليٍّ خطير، (ج) إخضاع الجماعة، عمدًا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها جسديًّا (د) فرض تدابير تستهدف منع إنجاب الأطفال داخل الجماعة، (هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى. وتمثل أي من هذه الأعمال إبادة جماعية.
يخلص الكاتبان إلى أن الأدلة الدامغة التي تثبت وقائع الحملة الحكومية الصينية المتعمدة والممنهجة لتدمير شعب الإيغور تنطبق بوضوح على كل واحدة من هذه الفئات.
«حطموا سلالتهم.. حطموا أصولهم»
ويشير الكاتبان إلى أن أكثر من مليون من الإيغور ذوي الأصول التركية يحتجزون في معسكرات اعتقال وسجون ومصانع للعمل القسري في الصين. ويخضع المعتقلون لنظام شبه عسكري، والتحول الفكري، والاعترافات القسرية. وهم يتعرضون لسوء المعاملة والتعذيب والاغتصاب، وحتى القتل.
يقول الناجون إنهم خضعوا للصعق الكهربائي، والإيهام بالغرق، والضرب المتكرر، والأوضاع المجهدة، والحقن بمواد غير معروفة. ويلفت المقال إلى أن معسكرات الاعتقال الجماعي مصممة بحيث تتسبب في أضرار جسدية ونفسية خطيرة، وتحطم شعب الإيغور عقليًّا.
وتصدر الحكومة الصينية أوامر متكررة مفادها: «حطموا سلالتهم، حطموا جذورهم، حطموا صِلاتهم، حطموا أصولهم» و«اعتقلوا كل شخص يتعين اعتقاله»، وامنعوا الإيغور من إنجاب الأطفال، وكلها توجيهات تعبر عن نية واضحة لاستئصال شعب الإيغور ككل.
وإكبار أسد (وهو شقيق أحد كتاب هذا المقال) هو مثال رمزي على كيفية استهداف الإيغور، بغض النظر عن اعتراف الحزب الشيوعي بهم بوصفهم مواطنين صينيين نموذجيين.
وكان أسد موضع إشادة الحكومة؛ بفضل قيادته المجتمعية «كباني جسور» و«قوة إيجابية» بين الأقليات الإثنية وحكومة شينجيانج المحلية. غير أن أسد ما زال يعاني المصير نفسه الذي لقيه أكثر من مليون من الإيغور الآخرين، واختفى في غياهب معسكرات الاعتقال في عام 2016. وهو محتجز في سجن انفرادي، ويقال إنه يقضي عقوبة 15 عامًا لاتهامات ملفقة «بالتحريض على الكراهية». ولا توجد وثيقة محكمة واحدة بشأن قضيته.
نزع القدرة على الإنجاب.. برعاية الدولة
في عام 2017، خاض إقليم شينجيانج «حملة خاصة للسيطرة على مخالفات تحديد النسل» مع توجيهات محلية محددة.
بحلول عام 2019 خططت الحكومة لإخضاع 80% من النساء في سن الحمل في جنوب شينجيانج لتركيب لولب في الرحم قسريًّا لحرمانهن من القدرة على الإنجاب. والهدف هو: التأكد من «عدم ارتكاب أي مخالفة لتحديد النسل».
وتكشف وثائق الحكومة عن حملة للتعقيم الجماعي للإناث مدعومة بتمويل من الدولة لتنفيذ مئات الآلاف من عمليات التعقيم في عامي 2019 و2020. ويتجاوز هذا المدى كثيرًا، من حيث عدد الأفراد، لعمليات التعقيم القسري التي أجريت للنساء في كل أنحاء الصين في ظل سياسة الطفل الواحد.
ويوضح الكاتبان أنه من أجل تنفيذ هذه السياسات، استخدمت حكومة شينجيانج تحريات «على غرار المصيدة» لملاحقة النساء في سن الحمل. وبمجرد اعتقالهن، لم يكن أمامهن سوى التعرض للتعقيم القسري من أجل تجنب إرسالهن إلى معسكر اعتقال. وبمجرد اعتقالهن، تواجه النساء الحقن القسري والإجهاض وعقاقير مجهولة. وتظهر الإحصائيات أن الحكومة تحقق مستهدفاتها الخاصة بمنع المواليد.
انخفاض معدلات المواليد بين الإيغور
بين عامي 2015 و2018، انخفضت معدلات النمو السكاني في قلب أرض الإيغور بنسبة 84%. وعلى النقيض من ذلك، تظهر الوثائق الرسمية أن معدلات التعقيم ارتفعت ارتفاعًا هائلًا في شينجيانج، بينما انخفضت في بقية أنحاء الصين، فيما يزيد التمويل لهذه البرامج.
بين عامي 2017 و2018 وفي منطقة واحدة، زاد عدد النساء اللائي أصبحن عقيمات أو ترملن بنسبة 124% و117%، على التوالي.
وفي عام 2018، كانت 80% من عمليات وضع اللولب في الصين كلها في شينجيانج رغم أن عدد السكان في الإقليم لا يزيد على 1.8% من سكان الصين. ولا يمكن إزالة اللولب إلا بجراحة توافق عليها الدولة أو ستكون العقوبة هي السجن.
في كاشجار، لم تلد إلا 3% من النساء المتزوجات في سن الولادة في عام 2019. وآخر التقارير السنوية من بعض هذه المناطق بدأت تحذف بيانات معدلات الولادة تمامًا من أجل إخفاء حجم الضرر.
وأغلقت الحكومة منصتها الإلكترونية تمامًا بعد الكشف عن هذه المعلومات. وبالنظر إلى مدى هذه الإجراءات وحجمها، يخلص الكاتبان إلى أنها تهدف بجلاء إلى وقف المواليد الجدد في أوساط الإيغور.
ومع اعتقال رجال الإيغور وتعقيم النساء، وضعت الحكومة الأساس للدمار الجسديِّ لشعب الإيغور. وجرى فصل نصف مليون طفل على الأقل من أطفال الإيغور الباقين عن أسرهم، لتربيهم الدولة تحت عينها فيما يعرف بـ«ملاجئ الأطفال».
استخدام التكنولوجيا المتقدمة في الإبادة الجماعية
ويشير الكاتبان إلى أن ما يجعل هذه الإبادة الجماعية خطيرة على نحو فريد هو التقدم التكنولوجي المستخدم فيها، والذي يتيح لها كفاءة في إحداث الدمار وأيضًا في إخفائه عن أنظار العالم.
يتابع المقال: يعاني الإيغور في ظل أكثر الدول البوليسية تقدمًا، مع وجود أدوات سيطرة وقيود موسعة على كل جانب من جوانب الحياة، الدينية والأسرية والثقافية والاجتماعية.
ومن أجل تسهيل المراقبة، تخضع شينجيانج لنظام إدارة الشبكات. والمدن والقرى مقسمة إلى مربعات يضم كل منها نحو 500 شخص. كل مربع به قسم شرطة يراقب عن كثب سكانه عن طريق فحص بطاقات الهوية والوجوه، وعينات الحامض النووي، والبصمات، والهواتف المحمولة بانتظام.
وهذه الطرق يكملها نظام آلي معروف باسم منصة العمليات المشتركة المتكاملة. ويستخدم هذا النظام التعلم الآلي لجمع بيانات شخصية من مراقبة الفيديوهات، والهواتف الذكية، والسجلات الخاصة الأخرى لتوليد قوائم للاعتقال. وزُرِع أكثر من مليون من المراقبين الصينيين الهان في منازل الإيغور، مما يجعل حتى المساحات الحميمة خاضعة لمراقبة الدولة.
وتدير الحكومة الصينية أسوأ نظام مراقبة جماعية فجَّة في العالم، وتمنع المجتمع الدولي مرارًا وتكرارًا من الوصول إليه. ولذا ينصح الكاتبان بتقدير طبيعة الإبادة الجماعية وعمقها وسرعتها، وأن «نعمل الآن قبل فوات الأوان».
الاعتراف بالإبادة الجماعية ضرورة
يكمل المقال: والاعتراف بهذه الإبادة الجماعية أو رفض تسميتها كذلك سيكون موضوع حياة أو موت. ففي عام 1994، حين انتهى المسؤولون الأمريكيون من نقاش انطباق المسمى على الموقف في رواندا، كان مليون من التوتسي قد تعرضوا للذبح بالفعل.
وذكرت وثيقة مؤرخة في الأول من مايو (أيار) 1994، في ذروة الإبادة الجماعية أن «وضع الإبادة الجماعية يمكن أن يُلزم (الحكومة الأمريكية) بأن تفعل شيئًا ما بالفعل». بعد أربع سنوات وقف الرئيس بيل كلينتون أمام الناجين الروانديين وتأمل فشل إدارته التاريخي، وتعهد بعدم تكرار ذلك «لا يجب أبدًا أن نتردد مرة أخرى حين تتاح لنا الأدلة».
عقوبات ماجنيتسكي على بعض المسؤولين الصينيين
مع إجازة قانون سياسة حقوق الإنسان للإيغور، بدأت الولايات المتحدة في اتخاذ خطوات في الاتجاه الصحيح لتجنب كارثة إنسانية أخرى، بحسب المقال. وتقدم 78 عضوًا في الكونجرس بدعوة للإدارة لفرض عقوبات ماجنيتسكي على المسؤولين الصينيين المعنيين، وإصدار إعلان رسمي بشأن الجرائم البشعة، بما فيها الإبادة الجماعية.
وحتى الآن، فرضت الإدارة عقوبات ماجنيتسكي رسميًّا على أربعة من المسؤولين الصينيين وكيان مسؤول عن نظام المراقبة الأورويليِّ (نسبة إلى الروائي البريطاني الذي كان يكتب تحت اسم جورج أورويل، وتحديدًا عالم المراقبة الصارمة الذي توقعه مبكرًا في روايته 1984)، ومسؤول عن توسيع معسكرات الاعتقال في شينجيانج. يقول الكاتبان: على الحكومة الأمريكية الآن أن تتخذ قرارًا رسميًّا بشأن الإبادة الجماعية. لن يكون الأمر صعبًا، إذ أكدت مورجان أورتاجوس المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية بالفعل أن «ما يحدث لشعب الإيغور… هو أسوأ جريمة شهدناها منذ المحرقة النازية».
ويرى الكاتبان أن إعلانًا رسميًّا عن الإبادة الجماعية ليس خطوة رمزية، بل سوف يحفز الدول الأخرى على الانضمام إليه في جهد منسق لإنهاء الإبادة الجماعية الجارية في شينجيانج.
وسوف يحفز المستهلكين أيضًا إلى رفض أكثر من 80 علامة تجارية دولية تتربح من الإبادة الجماعية. علاوة على ذلك، سوف يقوي القرار إجراءات الانتصاف القانونية الرامية لمعاقبة الشركات التي تستفيد من العبودية الحديثة في سلسلة التوريد الخاصة التي يكون مصدرها الصين، ويجبر الكيانات التجارية على الامتناع عن التربح من الإبادة الجماعية والالتزام بالاستعانة بمصادر أخلاقية.
ويختتم الكاتبان مقالهما بالقول: في عالمنا المترابط، لن نكون مجرد متفرجين إذا ما فشلنا في الاعتراف بالإبادة الجماعية كما نراها، بل سنكون متواطئين.