الجمعة 28 اغسطس 2020 20:26 م بتوقيت القدس
عاد مشهد النفايات المتراكمة على جوانب الطرقات إلى العاصمة اللبنانية بيروت، حتى أن تراكمها أصبح يغطّي أرصفة ويقطع طرقاً بأكملها.
تزامنت هذه الأزمة بعد الانفجار الكبير الذي وقع في مرفأ بيروت بتاريخ 4 آب/أغسطس 2020 والذي أدّى إلى دمار كبير نتج عنه ركام من حجر، بالإضافة إلى زجاج محطّم، ونتيجة لذلك تكدّست النفايات في شوارع بيروت.
الأزمة ليست جديدة، إذ عانى لبنان منها بشكل حاد عام 2015 بسبب بلوغ مكبات النفايات في بيروت وضواحيها قدرتها الاستيعابية القصوى، وعلى إثرها نزل الشعب اللبناني إلى الشوارع غاضباً على السلطة التي فشلت في إدارة هذا الموضوع فيما أطلق عليه حينها حراك “طلعت ريحتكم”.
إضراب عمال رامكو.. شراكة في السياسة
المشكلة بدأت قبل انفجار مرفأ بيروت بإضراب عمال النظافة الذين طالبوا بزيادة المرتبات نتيجة غلاء المعيشة بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد في الأشهر الماضية.
يقول مصدر متابع للملف لـ”عربي بوست” إن شركة “رامكو” الموكلة بجمع النفايات يمتلكها مقربون من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بالشراكة مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي فرض على الحكومة السابقة -بحسب المصدر-إلغاء عقد شركة “سوكلين” والإتيان بشروط جديدة تلائم شركة رامكو التي يتشارك فيها الرجل مع جماعة الحريري، بحسب وصف المصدر.
وشمل الإضراب كل مناطق بيروت وضواحيها، وبحسب المصدر، فإن التيار الوطني الحر حاول قُبيل كارثة المرفأ الاستفادة من إضراب العمال لترجمته في الحكومة لإلغاء عقد الشركة والإتيان بشركة جديدة مقربة من التيار الحر، لكن ومع أزمة المرفأ شهدت بيروت غرقاً واسعاً في النفايات، ما أدى لوعود تلقاها العمال من إدارة الشركة بزيادة الرواتب مقابل العمل، خوفاً من استثمار الأزمة البيئية في تفجير حراك شعبي تقوده المعارضة وهو ما لم يتم.
المشكلة لها أسباب سياسية
يقول الخبير البيئي بول أبي راشد إن دور وزارة البيئة مُلغى بشكل تام فأزمة مثل هذه كالانفجار وما خلّف من نفايات سامّة، كان يتوجب على الوزارة أن تتحرك بسرعة لكنها لم تفعل وتركت الأمر لبلدية بيروت.
يعتبر أبي راشد أن الأزمة الحقيقية تتمثل في مجلس الإنماء والإعمار الذي يستلم موضوع النفايات، وهذا المجلس فاسد وسلب من الوزارات دورها الأساسي بسبب التقسيمات السياسية للصناديق التي باتت طائفية.
ومجلس الإنماء والإعمار يدير مشاريع عدّة منها الجسور مثلاً والبنى التحتية والنفايات
ويضيف أبي راشد أن تعاطي القوى السياسية مع ملف النفايات يتوخّى الربح فقط، وما يضمن جيوب المتعّهدين، ومن هنا نعود إلى مجلس الإنماء والإعمار المسيطَر عليه من قِبل تيار المستقبل أيضاً الذي -وبحسب أبي راشد-لم يسلم مشروعاً ناجحاً للبنانيين طيلة المراحل السابقة.
يقول أبي راشد إنه لا حلّ للمشكلة إلا إذا كان أحد المتعّهدين موجوداً: داني خوري المقرّب من الوزير السابق ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، أو جهاد العرب المقرّب من الرئيس سعد الحريري.
تتمثل أزمة النفايات هذه المرة في المواد السامة، فالمواد التي ترمى في المستوعبات ليست فقط مواد عضوية أي طعام وشراب، إنّما مواد خطرة.
فبحسب ممثل المنظّمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية في لبنان آندريه سليمان، فإن النفايات تحتوي على مادة الزئبق الموجودة في السيارات واليوم السيارات بعضها محطّم وبقاياها ترمى في الحاويات، بالإضافة إلى وجود مادّة “الأسبستوس” وهي ليست خطرة فقط، بل مسرطنة.
ويعتقد سليمان أن المشكلة تعود إلى منتصف التسعينات حينما سلبت الحكومة اللبنانية دور جمع النفايات وتنظيمها من البلديات وتحكّمت بها وحدها، وذلك لأسباب سياسية تتعلّق بالمحاصصة السياسية.
فإذا لم يكن هناك إدارة عملية وعلمية لفرز النفايات بالشكل الصحّي، تصطدم السلطة بحائط مسدود عندما تكون أمام حالة طارئة في البلاد، وعندما تتكدّس النفايات فجأة، كما الحال اليوم مثلاً.
يقول سليمان: “لم يكن هناك أي خطّة من البداية، وإعطاء هذا الدور للبلديات فجأة بعد 20 سنة وتكديس الديون عليها جعلهم أمام تحدٍّ صعب خاصة عام 2015.
في شهر أيّار/مايو من هذا العام، صرّحت الحكومة بأن مكبّ الكوستا برافا لم يعد يحتمل، ويبقى حل الأزمة بعهدة البلديات، والتي أصبحت مسؤولة عن إدارة الأزمة.
وبحسب سليمان، كان عليها إرشاد المواطنين إلى كيفية توضيب النفايات وفرزها وتفرقة المواد الزجاجية والحجر عن المواد الأخرى، ومن ثمّ تستلم البلدية عملية مسح الزجاج والمواد الخطرة وعزلها في مكان خاص.
البلدية تعاونت مع جمعيات لجمع الزجاج المكسور..
أصدرت بلدية بيروت بياناً أعلنت فيه أنّها تتعاون مع جميعة “آرك أون سيال” الخيرية لجمع الزجاج المكسور من الأبنية والمحلات والسيارات، وإرسالها إلى مكان خاص من أجل إعادة تدويرها للاستفادة منها، خصوصاً أنّ هذه المواد تؤخذ مع المواد الأخرى وترمى في مرمى برج حمّود الممتلئ أصلاً.
ويفيد متطوّع يعمل مع الجمعيّة بأنّهم يقومون بدور الدولة التي لم تكلّف نفسها بإرسال متخصصين من أجل مسح المكان ومعاينة الأضرار. ولكن رغم ذلك، يقول المتطوّع غيث الحجّار إنّ هذا أضعف الإيمان تجاه بلده، خصوصاً مع غياب الدولة بشكل تام.
يرى مراقبون أن أمام لبنان خيارات لحل الأزمة وكلها صعبة، من بينها شراء مساحات خاصة لوضع النفايات أو رمي النفايات في البحر، وهذا الأمر ممنوع دولياً، وسيؤدي إلى كوارث لاحقة، أمّا ما يخص التصدير، فيجب فرز هذه النفايات قبل تصديرها إلى الخارج.
لذا، نظراً للحلول المستعصية، فإن الحل الأنسب هو تخفيف كمية النفايات، ويجب أن يبدأ ذلك من كلّ منزل لبناني وبتوعية من الدولة والبلديات.
وإلى حين اتخاذ هذه الخطوات، يبقى اللبنانيون رهينة هذه النفايات السّامة التي تهدّد حياتهم الصحية، وكأن ما حصل من تهديد مباشر لحياتهم لم يكفِ. بوجود المحاصصة والاستفادة السياسية، لا يمكن أن تحلّ الأزمة، ومع محدودية المكبّات، يبدو أن شوارع بيروت المدمّرة أصلاً عليها أن تحمل عبئاً إضافياً بعد أن لفظت أنفاسها الأخيرة.