الخميس 08 اكتوبر 2020 20:48 م بتوقيت القدس
تحت وصاية ورعاية الاحتلال الإسرائيلي، تدفع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والإمارات ملايين المسلمين حول العالم للتعايش مع بقاء المسجد الأقصى بالقدس الشرقية تحت سلطة وسيطرة الاحتلال لا الفلسطينيين. ففي 15 سبتمبر/أيلول الماضي، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال حفل بالبيت الأبيض إن صفقة التطبيع ستعزز “السلام بالمنطقة عبر زيادة وصول المسلمين إلى المسجد الأقصى للصلاة السلمية”. وأضاف: “سيدحض ذلك هذه الرواية الكاذبة التي يستخدمها المتطرفون بأن المسجد الأقصى يتعرض لهجوم، وأن المسلمين لا يمكنهم الصلاة في هذا الموقع المقدس”.
وسبق لجاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، القول في إيجاز عبر الهاتف مع صحفيين في 17 أغسطس/آب الماضي “أعلم أن كثيراً من المسلمين متحمسون؛ لأنه يمكنهم الآن السفر عبر دبي إلى تل أبيب، لزيارة المسجد الأقصى”. وأضاف: “سأقول إنه على مدى المئة عام الماضية على الأقل أو أكثر، استخدم المتطرفون موضوع المسجد (الأقصى) لمحاولة زرع الانقسام والتطرف”.
واستدرك: “كلما أمكننا حمل المسلمين على القدوم للصلاة في المسجد بحرية وبشكل سلمي، أدرك عدد أكبر من الناس في جميع أنحاء العالم أن المسجد ليس عرضة للهجوم، وأنه مفتوح”. وتابع كوشنر: “نأمل أن يقلل ذلك من التوتر القائم بين إسرائيل والعالم الإسلامي على أساس بعض الانقسامات التاريخية المعادية للسامية، التي كانت موجودة منذ زمن طويل جداً”.
وفي إشارة إلى “صفقة القرن” المزعومة، قال البيان الثلاثي الإسرائيلي الإماراتي الأمريكي في 13 أغسطس: “إن جميع المسلمين، كما هو موضح في رؤية السلام، يمكن لهم أن يأتوا بسلام لزيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، وكذلك يجب أن تظل الأماكن المقدسة الأخرى في القدس مفتوحة للمصلين المسالمين من جميع الأديان”.
ولم يوضح البيان الثلاثي أو الرئيس الأمريكي ومستشاره إن كان القدوم إلى المسجد الأقصى عبر الإمارات سيكون مقتصراً على سكان الأخيرة، أو إن كان يتطلب الحصول على تأشيرات خاصة.
تحريم زيارة الأقصى تحت الاحتلال
منذ احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة عام 1967، امتنع المسلمون باستثناء من تقيم دولهم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، عن زيارة القدس والمسجد الأقصى.
ويزور بعض المسلمين حول العالم المسجد الأقصى، من قبيل التضامن مع الفلسطينيين في القدس الشرقية تحت الاحتلال، وليس تطبيعاً مع إسرائيل.
وفي 24 سبتمبر، أكد مجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين “الفتوى الصادرة عن الشيخ محمد حسين، المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، التي تحرم الزيارات التطبيعية مع المحتل الإسرائيلي، لما تشتمل عليه هذه الزيارات من طعن للفلسطيني وأرضه ومقدساته، وخذلان ممن يجب عليهم النصرة والمؤازرة”.
وقال المجلس في بيان: “إن هدف الإدارة الأمريكية الصهيونية هو قبول العالمين العربي والإسلامي بالاحتلال الإسرائيلي، على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، التي تقرّها الشرعية الدولية”.
إسرائيليون يشككون في المخطط الثلاثي
بدورهم، يرى خبراء إسرائيليون أن المخطط المنصوص عليه في البيان الثلاثي الأمريكي الإسرائيلي الإماراتي “بعيد المنال”. وكتب المحلل الإسرائيلي ناتي بافيت في صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” في 24 سبتمبر: “يتحدث الرئيس ترامب عن حشود من السائحين المسلمين الذين يزورون الحرم القدسي بعد الاتفاق مع الإمارات”. وأضاف: “وزارة السياحة متفائلة أيضاً، حيث تتوقع استقبال مليوني شخص سنوياً”.
لكن الكاتب أشار في المقابل إلى أن اقتحامات المستوطنين الإسرائيليين للمسجد ترتفع، ما يزيد من تحذيرات قادة فلسطينيين ومسلمين من أن “الأقصى في خطر”. واعتبر بافيت إلى أن الاقتحامات “ساهمت في زيادة التوتر”.
وفي هذا الصدد، يشكك المحلل اليميني الإسرائيلي المختص بشؤون القدس نداف شرغاي، في إمكانية نجاح رؤية ترامب بخصوص “الأقصى”. وقال شرغاي إن “حشود المسلمين تشتري قصة أن (الأقصى في خطر)، ويتوقع ترامب أن الزيارات من المسلمين من جميع أنحاء العالم يمكن أن تبددها”. وأضاف: “الآن ستأتي جماهير المسلمين إلى الأقصى وتدرك أنه لا أساس للكذب.. هذا ساذج بعض الشيء، لكن هذا ما قاله”.
ويشير بافيت كذلك إلى “تصاعد الدعوات للسماح لليهود بالصلاة” في المسجد الأقصى. وأوضح: “في العقد الماضي اقتحم التيار اليميني السائد، الصراع حول الحرم القدسي (المسجد الأقصى)، وأصبح جدول أعمال مفتوحاً لأعضاء الليكود، بما في ذلك (القياديان) يهودا غليك وميري ريغيف”.
وتابع بافيت: “في نهاية 2014، أصدر 50 حاخاماً من الصهيونية الدينية دعوة عامة للصعود إلى الجبل (المسجد الأقصى) كجزء من الجهود لإعادة بناء معبد الهيكل اليهودي مكان المسجد”.
السياحة الإسلامية في الأقصى سيقابلها سياحة يهودية
ورداً على تصاعد اقتحامات السياسيين الإسرائيليين للمسجد الأقصى، وجّه المفوض السابق للشرطة يوحنان دانينو أوائل عام 2015، انتقادات للساسة الداعين إلى اقتحام المسجد الأقصى. وقال دانينو: “أنتم تشعلون ليس دولة إسرائيل والشرق الأوسط فقط، ولكن العالم الإسلامي بأسره -مليار شخص- ولماذا؟ بعد كل شيء، ليست هناك فرصة لتغيير الوضع الراهن”.
ويشير الكاتب شرغاي إلى الجدل الدائر داخل العالم الإسلامي حول زيارة المسجد الأقصى تحت الاحتلال الإسرائيلي، وهل هي تعزيز للتطبيع أم دعم للشعب الفلسطيني؟ ويضيف: “لكن بعد توقيع اتفاقات تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين، فإن الأولى تأمل قدوم أعداد كبيرة من المسلمين”.
وتقول “تايمز أوف إسرائيل” إن وزارة السياحة تقدر بأن مليوني مسلم سيزورون القدس سنوياً في المرحلة الأولى، من دول الخليج، وربما المزيد من الأماكن التي ستأتي لتشجيع الاتفاقية.
ولكن شرغاي قال: “أعتقد أنه إذا كانت هناك سياحة إسلامية، فهناك فرصة أكبر لأن تفتح الدولة الجبل (المسجد الأقصى) أكثر لزيارات اليهود، وربما سيكون هناك أيضاً قيود أقل بشأن الصلاة (اليهودية) غير الرسمية”.
هل يقسم الأقصى زمانياً ومكانياً بين المسلمين واليهود؟
لكن هذا الأمر سيقود لما هو أخطر؛ إذ يحذر محللون من خطورة بند مُدرج في اتفاقيتي التطبيع بين كل من الإمارات والبحرين، قد يؤدي إلى تقسيم المسجد الأقصى لأنه ينتهك الوضع الراهن. ووفقاً لتقرير لمنظمة “القدس الدنيوية” الإسرائيلية غير الحكومية (Terrestrial Jerusalem)، فإن هذا البند يتضمن “تغييراً جذرياً في الوضع الراهن للحرم المقدسي، وله تداعيات خطيرة بعيدة المدى وقابلة للانفجار”.
وأوضح التقرير أن هذا البند الملغّم استخدم مصطلح “المسجد الأقصى” للإشارة إلى المصلى القبلي فقط، والإشارة إلى بقية المكان باسم “جبل المعبد عند الحديث عنه كمقدس يهودي، وبعبارة الحرم الشريف عند الإشارة إلى المسجد بكامل مساحته”.
والمعروف أنه بموجب الوضع الراهن الذي تم تأكيده في عام 1967، يمكن للمسلمين فقط الصلاة داخل الحرم الشريف، المعروف أيضاً باسم مجمع المسجد الأقصى، الذي يقع على مساحة 14 هكتاراً (35 فداناً). ويمكن لغير المسلمين زيارة الموقع ولكن لا يمكنهم الصلاة فيه.
وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الوضع الراهن في إعلان رسمي عام 2015. ومع ذلك، فإن بنداً مُدرجاً في الاتفاقيتين الأخيرتين بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين يشير إلى أن هذا الوضع قد لا يكون كذلك.
إنهاء الوصاية الأردنية على الأقصى
وفي الترتيبات الإسرائيلية الخطيرة هذه مع الإمارات وبرعاية أمريكية، ستتعرض مكانة الأردن في الأقصى لخطر كبير وربما تسلب منه، إذ يعتبر الأردن المشرف على المسجد الأقصى، خاصة أن الملك عبدالله الثاني هو الوصيّ على المقدسات في القدس.
ويعلق الإسرائيليون بأنه “سيكون من المثير للاهتمام، معرفة ما إذا كانت السعودية، على سبيل المثال، ستحصل أيضاً على موطئ قدم على الجبل، وهو أمر يشعر الأردن بقلق شديد بشأنه، في أعقاب عملية التطبيع مع دول الخليج، والتي تقف وراءها الرياض، وإن بشكل غير رسمي”.
يقول شرغاي للصحيفة الإسرائيلية: “بالنسبة إلى الأردن، فإن وضعها على الجبل (المسجد الأقصى) ليس حقاً تاريخياً ودينياً فحسب، بل هو مرساة للاستقرار”.
أما كوبي ميخائيل، الباحث في معهد دراسات الأمن الوطني الإسرائيلي، فلفت للموقع الإسرائيلي نفسه إلى أن الرئيس ترامب، حينما تحدث عن المسلمين، قال إنهم يمكن أن يصلوا المسجد الأقصى في القدس، بإسرائيل”. وأضاف: “لقد قال في الواقع للفلسطينيين والأردنيين والعالم بأسره: إن المكان سيبقى تحت السيادة أو تحت السيطرة الإسرائيلية”.
وتابع ميخائيل: “أنا أفسر ذلك على أنه سيادة، لماذا أضاف القدس وإسرائيل؟ هذا ليس بياناً تافهاً وليس هناك جمل عشوائية”. واعتبر أنه “سيكون هذا دليلاً نهائياً آخر على وجود استيلاء إسرائيلي بدعم أمريكي على قدس الأقداس الإسلامية”.