الاحد 15 نوفمبر 2020 20:42 م بتوقيت القدس
عملت إدارة ترامب في الخفاء على تعيين مسؤولين جمهوريين في مناصب مدنية حساسة، مما أثار مخاوف الديمقراطيين من أن يعرقل ذلك عمل الإدارة القادمة بمجرد أداء الرئيس المنتخب جو بايدن اليمين الدستوري.
تُعرف هذه الممارسة بشكل عام في واشنطن باسم سياسة “الاختراق”، حيث يتم تعيين عدد من المسؤولين السياسيين في مناصب إدارية دائمة وبصلاحيات واسعة، ويصبح من الصعب لاحقا عزلهم من مناصبهم مع قدوم الإدارة الجديدة. وهذا يحدث كل أربع أو ثماني سنوات، مع تغير الرئيس وقدوم إدارة جديدة.
بالنسبة لترامب، بدأ بتعيين مسؤولين جدد حتى قبل أن يخسر السباق الرئاسي في وقت سابق من هذا الشهر، وذلك وفقًا لبيانات التوظيف الفدرالية التي حصل عليها موقع “إنسايدر”.
في الربع الأول والثاني من سنة 2020، أشارت الوثائق إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب عينت ما لا يقل عن 13 مسؤولا سابقا في وظائف إدارية مهمة، بما في ذلك وزراة العدل والداخلية وشؤون المحاربين القدامى.
وعبّر الديمقراطيون وعدد من المسؤولين الحكوميين عن مخاوفهم من التعيينات الجديدة التي قام بها الرئيس ترامب، والتي من المتوقع أن تزيد خلال الأيام القادمة قبل أن يغادر الرئيس منصبه بحلول كانون الثاني/ يناير.
ويرى الديمقراطيون وعدد من المراقبين، أن الموالين لترامب سيحصلون على مناصب من المفترض أن يتقلّدها مرشحون آخرون يتمتعون بالكفاءة. كما يعتقدون أن إدارة بايدن ستكون مكبّلة إلى حد ما بالرواية التي يروج لها ترامب منذ حملته الانتخابية في 2016 حول مفهوم “الدولة العميقة”.
يقول النائب جيري كونولي، عضو مجلس النواب الأمريكي عن ولاية فرجينيا، ورئيس اللجنة الفرعية للعمليات الحكومية بالمجلس، لموقع “إنسايدر”، إن “الخدمة الفدرالية يجب أن تخضع للجدارة والكفاءة، وليس للولاء. ويتعيّن على إدارة بايدن الجديدة والكونغرس إفشال محاولات إدارة ترامب لإنشاء نظام محسوبية جديد”.
في الواقع، تصاعدت المخاوف بشأن التعيينات الجديدة مع قيام ترامب بعزل مسؤولين عيّنهم بنفسه سابقا لكنهم اختلفوا معه في بعض القضايا أو السياسات التي ينتهجها. وفي المقابل، قام بتعيين عدد من المسؤولين الموالين له في الأيام الأخيرة من ولايته.
ومن بين تلك التعيينات، يشير منتقدو الإدارة الحالية إلى تعيين مايكل إليس مستشارا قانونيا لوكالة الأمن القومي، وهو الذي أثار الكثير من الجدل السنة الماضية في خضم المساعي لمساءلة ترامب وعزله بسبب قضية أوكرانيا.
من جانبه، يقول أوستن إيفرز، المدير التنفيذي لجمعية “الرقابة الأمريكية” (American Oversight)، “إذا كنت تحتفظ بمنصبك الذي عينك فيه ترامب سنة 2020، فذلك ببساطة لأنك أظهرت ما يكفي من الولاء للرئيس”.
مساعدو ترامب السابقون في إدارة بايدن
يُعيّن رؤساء الولايات المتحدة حوالي أربعة آلاف موظف لخدمة سياساتهم داخل الحكومة الفدرالية، وتحتاج حوالي 1500 من هذه التعيينات إلى موافقة مجلس الشيوخ. ووفقًا للبيانات الحكومية، يبلغ العدد الإجمالي للقوى العاملة المدنية الفدرالية حوالي 2.1 مليون موظف.
في الحقيقة، يعدّ عزل هؤلاء المسؤولين السياسيين سهلا مقارنة بالموظفين المدنيين، الذين غالبا ما يعملون مع أكثر من إدارة، ويُفترض أن يقدموا الدعم للحكومة ويحترموا الدستور دون التدخل في الشؤون السياسية.
لهذا السبب تثير سياسة “الاختراق” مخاوف المدافعين عن الحوكمة الرشيدة، إذ أنها تُلغي الخط الفاصل بين السياسيين والمدنيين، وغالبًا ما تُسبب إرباكا خلال فترة الانتقال بين الإدارتين، حيث يخشى المسؤولين المُعيّنون حديثا على مناصبهم بعد أن تترك الإدارة القديمة البيت الأبيض.
هذه السنة، بدأ ترامب بتفعيل سياسة “الاختراق” حتى قبل أن يخسر الانتخابات، وذلك وفقًا للتقارير التي اطلع عليها حصريًا موقع “إنسايدر”، والتي كشفت عن عدد من المسؤولين السياسيين الذين حصلوا على وظائف فدرالية دائمة في النصف الأول من سنة 2020.
في شهر نيسان/ أبريل من السنة الجارية، عيّنت إدارة ترامب جوردان فون بوكرن في سلك الخدمة المدنية، حيث شغل منصب محامي الادعاء في الدائرة المدنية بوزارة العدل.
كان فون بوكرن، وهو مساعد سابق للقاضية المعينة حديثًا بالمحكمة العليا، إيمي كوني باريت، يشغل منصبا في مكتب السياسات القانونية التابعة لوزارة العدل تحت إشراف النائب العام ويليام بار. وقد أصبح راتبه 109 ألف دولار، بعد أن كان يتقاضى 94 ألف دولار في السنة.
كما عيّن وليان بار، تريسي شورت، المستشارة القانونية السابقة بوكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك، رئيسة لقضاة الهجرة في المكتب التنفيذي لمراجعة الهجرة. وقد أثارت هذه الخطوة غضب منتقدي الإدارة الذين قالوا إنها ستؤدي إلى تسييس محكمة الهجرة. كما حصلت شورت على زيادة بـ10 آلاف دولار، ليبلغ راتبها السنوي أكثر من 185 ألف دولار.
ومن ثم جاء تعيين لورانس كونيل، الذي عمل سابقا ضمن فريق ترامب الانتقالي سنتي 2016 و2017 في إدارة شؤون المحاربين القدامى، ثم شغل لاحقًا منصب رئيس الموظفين في إدارة الرعاية الصحية للمحاربين القدامى. وفي أيار/ مايو، عُيّن في وظيفة جديدة بسلك الخدمة المدنية كمدير تنفيذي لفرع الرعاية الصحية للمحاربين القدامى بولاية رود آيلاند، وحصل بالتوازي على زيادة قدرها 10 آلاف دولار ليصبح راتبه 190 ألف دولار سنويًا.
وقد أظهرت السجلات أن الإدارة أجرت تغييرات أخرى من وظائف سياسية إلى وظائف حكومية مدنية هذه السنة في وزارة الداخلية، وهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، وهيئة سلامة المنتجات الاستهلاكية، وهيئة التجارة الدولية، وهيئة مراجعة السلامة والصحة المهنية.
في هذا الصدد، أكد كونر سوانسون، المتحدث باسم وزارة الداخلية، لموقع “إنسايدر” في بيان له أن هيئة الموارد التنفيذية – وهو فريق يراجع تحركات الموظفين – “تقيّم جميع المرشحين للوظائف بناءً على جدارتهم ومؤهلاتهم لتولي المناصب الداخلية نيابة عن الشعب الأمريكي”.
لم تستجب المكاتب الإعلامية في كل من وزارتي العدل وشؤون المحاربين القدامى لطلبات التعليق على التغييرات الوظيفية التي حصل عليها فون بوكرن أو شورت أو كونيل.
محاولات الاختراق
يقول النائب الديمقراطي عن ولاية فرجينيا، دون باير، الذي عمل في فريق الرئيس باراك أوباما الانتقالي بوزارة التجارة سنة 2008، إن انتقال عدد من المسؤولين السياسيين إلى الوظائف المدنية ليس شيئا سيئا في المطلق. كان جزء من عمل فريق أوباما الانتقالي آنذاك البحث عن الموظفين الذي عيّنتهم سابقا إدارة جورج بوش الابن.
وفي مقابلة مع موقع “إنسايدر” الشهر الماضي قبل الانتخابات، قال باير: “إذا كان الجمهوريون يريدون وزارة التجارة مثلا، ضمن مسار انتقالي شرعي للسلطة، فلا بأس بذلك”. لكن على ما يبدو، فإن “ترامب يريد أن يبقي مساعديه لمراقبة إدارة بايدن، وليس هذا ما نرغب بحدوثه”.
ويخشى الديموقراطيون في الكونغرس وموظفو الوكالات الحكومية من أن تؤدي هذه التعيينات إلى تحوّلات سياسية في اللحظة الأخيرة من قبل مساعدي ترامب.
ويضغط أعضاء الكونغرس حاليا على إدارة ترامب للحصول على مزيد من التفاصيل حول تلك التعيينات، ويحاولون عرقلة أمر تنفيذي جديد أصدره ترامب لتسهيل إقالة موظفي الخدمة المدنية وتعيين آخرين.
ولم ترد حملة بايدن على طلب التعليق على طبيعة هذه الخطط للتعامل مع الأمر التنفيذي، على الرغم من أن العديد من الخبراء الحكوميين يعتقدون أن الرئيس المنتخب سيلغي قرار ترامب عندما يتولى منصبه في كانون الثاني/ يناير. غير أن هذا القرار ذاته، يُمكن أن يسهل على بايدن مهمة إزاحة مساعدي ترامب من المناصب الإدارية الفدرالية.
ويراقب عدد من الموظفين الفدراليين الذين يعارضون أجندة إدارة ترامب عن كثب أي محاولات اختراق يقوم بها المسؤولون المعيّنون حديثا، لإبلاغ فريق بايدن الانتقالي القادم.
في هذا الصدد، أكد مسؤول رفيع المستوى في وكالة حماية البيئة الأمريكية لموقع “إنسايدر” أن “المسؤولين يدركون بالتأكيد إمكانية حدوث محاولات الاختراق والتخفي، وأي محاولة سيتم اكتشافها من قبل كبار المسؤولين”.
هل تُكشف العناصر المتخفية؟
يشعر المراقبون بالقلق من أن الإدارة الحالية – التي تتباطأ بالفعل في تنفيذ إجراءات انتقال السلطة إلى إدارة بايدن – سوف تتحايل على القواعد المعمول بها ولن تُسلم البيانات التي من المفترض أن تُسلمها.
ويحتفظ بهذه التفاصيل مكتب إدارة شؤون الموظفين، المكلف بالموافقة على تعيينات المسؤولين السياسيين السابقين في وظائف مدنية دائمة.
هذا المكتب يشكّل الذراع الحكومي لإدارة الموارد البشرية، ويقوده مايكل ريغاس، الذي عمل سابقًا كمدير لسياسات الحزب الجمهوري في ماساتشوستس، ومديرا لمؤسسة “هيريتج فاونديشن”، وهي مؤسسة فكرية محافظة.
لم يستجب مكتب إدارة شؤون الموظفين لطلب موقع “إنسايدر” للحصول على بيانات حول التعيينات في الأشهر الماضية. ويُطالب المكتب بتقديم تقارير منتظمة إلى الكونغرس حول السياسيين السابقين الذين تم تعيينهم في مناصب الخدمة المدنية.
وأظهرت الوثائق التي حصل عليها موقع “إنسايدر” أن المكتب رفض ثلاثة طلبات على الأقل لتحويل مسؤولين سياسيين إلى وظائف مدنية هذه السنة.
في إحدى الحالات، حاول موظف في مكتب مساعد المدعي العام في وزارة العدل، لم يُذكر اسمه، الحصول على وظيفة حكومية دائمة كمساعد للمدعي العام للولايات المتحدة. لكن مكتب إدارة شؤون الموظفين رفض هذه الخطوة، وقال إن التعيين لا يخلو من تأثير سياسي.
من جانبه، قال ماكس ستير، الرئيس والمدير التنفيذي للشراكة غير الحزبية للخدمة العامة، إنه من المحتمل أن يكون هناك المزيد من الاختراقات التي لم تظهر في تلك التقارير. وقال إنه من غير الواضح إذا ما تم توثيق جميع التغييرات من مناصب سياسية إلى وظائف مدنية، وإنه قد يتم تعيين مسؤولين آخرين بناء على الولاء السياسي وليس وفق المؤهلات.
في جميع الأحوال، لا يُعتبر ترامب أول رئيس يحظى بهذه الصلاحيات لوضع مساعديه في مناصب إدارية ومحاولة اختراق الإدارة الجديدة. إنه موضوع مثير للجدل يتكرر مع انتقال السلطة من رئيس إلى آخر، وقد واجه أوباما وبوش الكثير من الانتقادات بسبب مثل هذه التعيينات.
وافق مكتب إدارة العمليات في فترة رئاسة أوباما على 78 طلبًا على الأقل لتحويل مسؤولين سياسيين إلى وظائف حكومية مدنية، وفقًا لتقرير صادر سنة 2017 عن مكتب المساءلة الحكومية. وقد رصد مكتب المساءلة الحكومية ما لا يقل عن 139 تحويلاً من 2005 حتى 2009 في ظل إدارة بوش.
لم يرد مساعدو رئيس لجنة الأمن الداخلي في مجلس الشيوخ، النائب عن ولاية ويسكونسن رون جونسون، على طلب التعليق حول ما إذا كان ينوي المطالبة بفتح تحقيقات حول تحويل مساعدي ترامب إلى مناصب مدنية.
قبل نهاية فترة أوباما، وبعد إعلان فوز ترامب، كان جونسون من بين أكثر منتقدي عمليات الاختراق. وقال جونسون حينها: “في ظل نتائج الانتخابات الرئاسية، قد تكون هناك محاولات لتعيين حوالي 4 آلاف مسؤول سياسي في وظائف مدنية”. واعتبر أنه “من الضروري أن نضمن أن يكون تعيين القوى العاملة المدنية الفدرالية قائما على الجدارة والاستقلالية”.