الاربعاء 02 ديسمبر 2020 11:57 م بتوقيت القدس
حول الطاولة تلتف نساء من مدينة تالوين، في جنوب المغرب، لتباشرن عملية فرز خصلات الزعفران الأحمر الرقيقة عن زهرته البنفسجية اللون، التي قطفت خلال الساعات الأولى من الفجر، ورتبت بعناية في سلال مصنوعة من القصب.
وبعد فصل النساء يدويا لشعيرات الزعفران عن الزهرة، يتم تجفيفها في درجة حرارة مرتفعة أو في الظل، وتغليفها لتصبح جاهزة لسلك طريقها نحو الأسواق المحلية والعالمية.
"الزعفران الحر" أو "الذهب الأحمر" كما يسميه المغاربة نظرا لسعره المرتفع، حيث يعد من أثمن البهارات في العالم، ولا عجب أن تجد تجار الذهب في المغرب يبيعون الزعفران الحر، الذي يقاس بالغرام، إذ يصل سعر الغرام الواحد من هذا المنتج الفاخر إلى 4 دولارات.
ولا يخلو أي بيت في المغرب من الزعفران الحر القادم من مدينة تالوين، حيث يدخل في وصفات تحضير أشهر الأطباق المغربية التقليدية، كما يعرف بفوائده الصحية المتعددة.
عاصمة الزعفران
في شهر نوفمبر من كل سنة يغطي اللون البنفسجي حقول الزعفران في مدينة تالوين، وقد اكتسبت هذه المدينة الصغيرة القابعة وسط جبال الأطلس، شهرة عالمية بفضل جودة أنواع الزعفران الذي ينتج محليا، والذي يتطلب يدا عاملة لها خبرة وتجربة في التعامل مع النبتة النادرة وباهظة الثمن.
وتنطلق دورة إنتاج الزعفران في تالوين، مع بداية شهر يوليو إلى منتصف شهر أكتوبر من كل عام، وتمر عبر زرع بصيلات الزعفران و سقيها بشكل سطحي ثم مباشر، لتنطلق بعد تفتح زهرته عملية القطف، وهي المهمة التي توكل للنساء، انطلاقا من أواخر شهر أكتوبر إلى بداية شهر نوفمبر، وتستمر حوالي الأسبوعين.
يقول إدريس سميح رئيس تعاونية الذهب الأحمر لتالوين، "بعد الانتهاء من عملية قطف زهور الزعفران، تنتقل النساء بالمحصول إلى البيوت لتبدأن في عملية فرز خصلات الزعفران الحمراء، ويتم بعدها تجفيفها مما قد يفقده حوالي 80 في المائة من وزنه، إذ يتطلب غرام واحد من الزعفران حوالي مائة وخمسين زهرة".
يضيف إدريس المزارع والمنتج للزعفران، في حديث مع "سكاي نيوز عربية"، "للنساء دور كبير في سلسلة إنتاج الزعفران، فقطف هذه الزهرة الهشة تطلب دقة وعناية فائقة، وهو ما تتقنه نساء تالوين، حيث تحصرن على القيام بهذه العملية بدقة كبيرة".
ظروف مثالية
بفضل ظروفها المناخية الخاصة وتربتها معتدلة الحموظة، توفر تالوين بيئة مناسبة لزرع بصيلات الزعفران التي لا تنمو سوى في مناطق محددة من العالم.
" البرودة في فصل الشتاء والحرارة المعتدلة خلال الصيف، والرطوبة في الخريف، كلها عوامل مناخية تمتاز بها تالوين عن غيرها من المناطق، وهو ما يساعد على نمو نبتة الزعفران" حسب منتج الزعفران.
وبفخر كبير يتحدث إدريس عن جودة زعفران تالوين وعن مواصفاته الخاصة قائلا "رائحته فواحة وقوية، ولونه أحمر داكن، كما أن نكهة أصيلة". ويضيف "إنه مركز بشكل عالي، فبضع شعيرات منه كفيلة بإضفاء مذاق فريد إلى الطعام".
ويؤكد المتحدث أن إنتاج الزعفران قد ساهم بشكل كبير في تنمية منطقة تالوين، حيث يعد العمود الأساسي لاقتصادها، كما أضحى يشكل جزء من هوية سكانها ، ومصدر دخل أساسي لعدد من الأسر.
أسعار باهظة
ويختلف ثمن الزعفران حسب جودته ونوعيته، وقد يصل سعر أجود الأنواع حسب إدريس، إلى مائة ألف درهم مغربي (10000 دولار)، وهو النوع الغني ببعض المواد والفيتامينات التي تدخل في تحضير الأدوية. فيما يسوق أقل أنواع الزعفران جودة، بحوالي 20 ألف درهم مغربي (2000 دولار).
يؤكد إدريس سميح، أن ما يقارب 90 في المئة من إنتاج الزعفران المغربي، كان يوجه سابقا نحو السوق الخارجي، و تستخدمه بعض الدول الأروبية في صناعة الأدوية، حيث يشتهر الزعفران المغربي بجودته العالية، وتحتل المملكة المركز الثالث في إنتاج هذه المادة عالميا.
يضيف إدريس ابن مدينة تالوين: " المغاربة أصبحوا يقبلون بشكل متزايد على اقتناء هذا المنتج المحلي، وشرعوا بدورهم يستعملونه في تركيبة بعض الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة".
زهرة السعادة
علميا، تشير عدد من الأبحاث إلى أن للزعفران قيمة غذائية عالية، وفوائد صحية عديدة، يمكن أن تساعد على تحسين الحالة المزاجية، مما يدفع البعض لتسميته بـ "زهرة السعادة"، كما يحتوي على مواد ذات خصائص طبية تستخدم في صناعة بعض الأدوية.
يقول الطبيب المتخصص في علم التغذية، يونس أزهري، أن الزعفران مركب من 150 مادة، كما يحتوي على الماء وألياف ومعادن من بينها الحديد، الزنك، المنغنيز، الكالسيوم و المغنيسيوم، إلى جانب فيتامينات س و ب1 وب2 وب3.
و يتميز الزعفران حسب أزهري، بخاصياته المساعدة على تهدئة الأعصاب، كما يعرف بفوائده الكبيرة وتأثيره الإيجابي على وظائف الجهاز العصبي، وقد يستعمل أيضا كعلاج للاكتئاب بفضل احتوائه على البوتاسيوم .
ويحتوي الزعفران يقول المختص في التغذية، على مادة "السافرنال" المعروفة بفوائدها العلاجية، بالإضافة إلى مادة كروسين المقاومة لبعض الخلايا السرطانية، ومضادات الأكسدة التي تحمي من السرطانات، خاصة سرطان البروستاتا لدى الرجال.
يوضح أزهري بأن الزعفران يعزز تدفق الدم، ويساهم في تحسين وتنشيط الدورة الدموية، كما يساعد على معالجة اضطرابات الدورة الشهرية، لدى النساء اللواتي تعانين من عدم انتظام الدورة.