السبت 05 ديسمبر 2020 20:26 م بتوقيت القدس
قال أليكس وارد في موقع «Vox»: إن إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن ربما تركز على القضايا طويلة الأجل، مثل جائحة فيروس كورونا، وتغير المناخ، وإعادة بناء التحالفات، وعلاقة أمريكا بالصين، ولكن من المحتمل أن تتطلب بعض مشكلات السياسة الخارجية الرئيسة على المدى القريب اهتمامها أولًا.
فبعد اغتيال كبير علماء إيران النوويين على يد مهاجم مجهول – يوضح وارد – قد تكون طهران أقل استعدادًا للانخراط في الدبلوماسية مع أمريكا، وتسعى للانتقام من خلال استهداف المسؤولين الأمريكيين. وقد تختبر كوريا الشمالية صاروخًا باليستيًا عابرًا للقارات في وقت مبكر من ولاية بايدن لمحاولة قياس رد الإدارة الجديدة. من المقرر أن تنتهي آخر صفقة متبقية للحد من الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة وروسيا بعد أسبوعين فقط من تولي بايدن منصبه. وقد يؤدي انخفاض عدد القوات الأمريكية في أفغانستان إلى عرقلة محادثات السلام المتعثرة وتفاقم الوضع الأمني في البلاد.
مثل هذه المعضلة لن تكون فريدة من نوعها بالنسبة لبايدن. يأتي كل رئيس جديد بأفكار حول كيفية التعامل مع مشاكل عالمية أكبر. قال كريستوفر بريبل، المدير المشارك لمبادرة المشاركة الأمريكية الجديدة في المجلس الأطلسي: «إذا افترضت أن السياسة الخارجية ستستغرق أقل من نصف، وربما ربع، وقت الرئيس، فإن ذلك يسلط الضوء حقًا على مدى خطورة هذه الملفات».
بمجرد وصوله إلى المكتب البيضاوي، من المحتمل أن يجد بايدن آماله في معالجة تحديات السياسة الخارجية الكبرى محطمة بسبب الجهد الذي سيبذله لإعادة ترتيب الفوضى. وفي ما يلي أربع معضلات كبرى تنتظره، إذا ما حدثت.
1- إيران قد تحاول اغتيال مسؤولين إسرائيليين أو أمريكيين
وضعت الاتفاقية النووية لعام 2015 بين إيران والولايات المتحدة والقوى الأوروبية وروسيا والصين قيودًا صارمة على برنامج طهران النووي مقابل تخفيف العقوبات. كان هدف إدارة أوباما هو عرقلة امتلاك طهران سلاحًا نوويًا بالطرق الدبلوماسية بدلًا عن القوة العسكرية. لكن الرئيس دونالد ترامب سحب أمريكا من الصفقة في 2018، وأعاد فرض عقوبات مالية على إيران، وطلب من الدول الأوروبية وقف أعمالها معها.
أدى ذلك إلى بدء دورة التصعيد التي استمرت لسنوات، والتي شهدت من بين أمور أخرى ارتفاع مخزون إيران من اليورانيوم منخفض التخصيب 12 ضعف كمية اليورانيوم منخفض التخصيب التي سمحت بها الصفقة واغتيال اثنين من المسؤولين الإيرانيين البارزين.
في يناير (كانون الثاني) قتلت الولايات المتحدة قاسم سليماني، قائد القوات شبه العسكرية الإيرانية وأحد أقوى الرجال في البلاد. ووعدت إيران بـ«انتقام أشد» ردًا على ذلك؛ حتى الآن، انطوى الانتقام في الغالب على هجمات ضد القوات والأصول الأمريكية من قبل الميليشيات المدعومة من إيران في العراق.
ووقعت جريمة القتل الثانية يوم الجمعة الماضي – ينوه وارد – عندما اغتيل العقل المدبر للبرنامج النووي الإيراني، محسن فخري زاده، برصاصة قاتلة داخل سيارته بالقرب من طهران، بسلاح يتم التحكم فيه عن بعد. لم تعلن أية جهة مسؤوليتها عن الهجوم، لكن يُشتبه في قيام إسرائيل بتدبير اغتيالات مماثلة لعلماء نوويين إيرانيين في الماضي.
ألقى الرئيس الإيراني حسن روحاني باللوم على إسرائيل بالفعل. قال في كلمة ألقاها يوم السبت الماضي: «إيران سترد بالتأكيد على استشهاد عالمنا في الوقت المناسب». إذا ردت إيران على هذه الاغتيالات بتصعيد الهجمات على الموظفين الأمريكيين في العراق أو بمحاولة اغتيال مسؤولين أمريكيين أو إسرائيليين، فسيشكل ذلك تحديًا كبيرًا لإدارة بايدن.
قالت داليا داسا كاي، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة راند: «من المؤكد أن الانتقام الذي يستهدف أمريكيين في مسرح مثل العراق سيخلق تعقيدات خطيرة لفريق بايدن». صرح الرئيس المنتخب مرارًا أن التزام أمريكا بأمن إسرائيل سيبقى «صارمًا» في ظل رئاسته. وإذا قامت إيران بمهاجمة إسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر فسيكون بايدن تحت ضغط كبير لدعم تل أبيب بطريقة ما.
كل هذا سيقود الولايات المتحدة وإيران نحو الحرب والابتعاد عن حل دبلوماسي محتمل. ينقل وارد عن إيلي جيرانمايه، محللة شؤون إيران في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: «من المرجح أن تقوض مثل هذه الردود فرص الدبلوماسية وتخفيف العقوبات الأمريكية».
وأضافت أن إيران يمكن أن تستخدم التهديد بشن هجوم كأداة ضغط. ولكن يمكنها أن تكبح تحركاتها الانتقامية – مع الإبقاء على ردها في الوقت والمكان اللذين تختارهما. بهذه الطريقة تمتلك إيران بعض أوراق المساومة عندما يتعلق الأمر بالمحادثات المستقبلية المحتملة مع إدارة بايدن والأوروبيين. وعليه فما ستفعله إيران في الأشهر المقبلة يمكن أن يؤثر بشكل كبير على خطط السياسة الخارجية الأكبر لبايدن.
2- كوريا الشمالية قد تلجأ لاختبار أقوى صاروخ لها حتى الآن
خلال الأشهر القليلة الأولى من رئاسة باراك أوباما، اختبرت كوريا الشمالية صاروخًا طويل المدى وآخر نوويًا. وفي العام الأول لترامب في منصبه – يضيف وارد – أجرت بيونج يانج تجارب على إطلاق أول صاروخ باليستي عابر للقارات، واختبرت أقوى قنبلة نووية لديها حتى الآن. لذلك يحذر بعض الخبراء من أن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون قد يتخذ خطوات استفزازية مماثلة في الشهور الأولى من إدارة بايدن.
قال فيبين نارانج، الخبير في البرنامج النووي لكوريا الشمالية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: «كوريا الشمالية هي واحدة من تلك التحديات التي لا يريد أحد حقًا التعامل معها في الوقت الحالي، حيث لا توجد حلول أو مسارات سهلة لإبطاء نمو برنامجها النووي. لكن كيم لديه طريقة لإعادة وضع نفسه على قائمة الأولويات القصوى».
هناك العديد من الطرق التي يمكن بها لكيم القيام بذلك، ولكن هناك طريقة واحدة تبرز بشكل خاص: إجراء الاختبار الأول للصواريخ الباليستية العابرة للقارات الجديدة التي عرضها خلال استعراض أكتوبر (تشرين الأول).
لم تكن تلك الصواريخ الأكبر على الإطلاق في ترسانة كوريا الشمالية فحسب، بل قال الخبراء أيضًا إنها كانت أكبر صواريخ محمولة على شاحنات في العالم. في حالة نشوب حرب – يشدد وارد – يمكن لجيش كوريا الشمالية إخراج هذه الصواريخ من المخابئ، وإطلاقها على الولايات المتحدة.
إن الاختبار الذي يحاكي هذا النوع من الإطلاق سيكون من بين أكثر الإجراءات تهديدًا من جانب بيونج يانج على الإطلاق؛ مما سيؤدي بالتأكيد إلى تصعيد التوترات مع الولايات المتحدة في هذه العملية.
لم يتم اختبار الصواريخ الجديدة بعد، وقد تكون بحاجة إلى إصلاح. لهذا السبب يتوقع العديد من الخبراء أن تختبر بيونج يانج على الأرجح أحدها في أوائل عام 2021، لمعرفة كيف ستسير الأمور، ولإرسال رسالة إلى بايدن: كوريا الشمالية قوة نووية، ولا يمكنك فعل أي شيء حيال ذلك.
تتطلب مثل هذه الخطوة الاستفزازية ردًا من إدارة بايدن – يقول وارد. أكدت إليزابيث سوندرز، خبيرة السياسة الخارجية الأمريكية في جامعة جورج تاون، أن هذا لا يعني بالضرورة الحرب. لكن قد يعني ذلك المزيد من العقوبات على كوريا الشمالية، أو إعادة التدريبات العسكرية الأمريكية مع كوريا الجنوبية، أو إرسال المزيد من السفن الحربية الأمريكية إلى المنطقة، أو كل ما سبق.
قد يستغرق اكتشاف أفضل استجابة الكثير من الوقت والجهد في وقت مبكر من ولاية بايدن؛ مما يترك وقتًا وطاقة أقل لمعالجة بعض أهداف سياسته طويلة المدى.
3- روسيا قد تعرقل مفاوضات الحد من التسلح
ألقى الكاتب الضوء على معاهدة ستارت الجديدة (معاهدة الحد من الأسلحة الإستراتيجية)، وهي اتفاقية للحد من الأسلحة النووية وُقعت بين الولايات المتحدة وروسيا في عام 2011. ويحد الاتفاق من حجم الترسانات النووية للبلدين، التي تمثل معًا 93% من جميع الرؤوس الحربية النووية في العالم.
المشكلة هي أن الاتفاق – آخر اتفاق رئيس للحد من الأسلحة بين واشنطن وموسكو لم يزل ساري المفعول – من المقرر أن ينتهي في 5 فبراير (شباط) 2021. وهذا يمنح بايدن 16 يومًا فقط من توليه الرئاسة لتمديد الاتفاقية.
التزم بايدن بتمديد معاهدة ستارت الجديدة – يواصل وارد كلامه. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه يريد تمديدها لمدة عام على الأقل. يعتقد معظم الخبراء أن بايدن وبوتين سيمددان الاتفاقية بسرعة قبل الموعد النهائي. وقالت سارة بيدجود، الخبيرة في البرنامج النووي الروسي في معهد ميدلبري للدراسات الدولية: «انطباعي هو أن روسيا لم تزل تعتبر تمديد معاهدة ستارت الجديدة في مصلحتها».
لكن الجدول الزمني القصير يمكن أن يمنح موسكو ميزة لانتزاع بعض التنازلات المبكرة من إدارة بايدن قبل الموافقة على التمديد. يقول الخبراء: إن الكرملين قد يطالب بايدن برفع العقوبات التي فرضها ترامب على البلاد، أو يطلب من الولايات المتحدة الإدلاء ببيان يشيد بالوجود العسكري الروسي في كاراباخ للحفاظ على السلام بين أرمينيا وأذربيجان.
ليس من الواضح ما إذا كانت مثل هذه الطلبات ستكون حقًا مقبولة. قد ترغب موسكو في معرفة ما يمكن أن تحصل عليه، قبل الموافقة على التمديد. ومع ذلك، فإن مثل هذه الخطوة يمكن أن تدفع بالولايات المتحدة وروسيا إلى حافة خسارة معاهدة ستارت الجديدة وعقود من جهود الحد من التسلح.
الأكثر من ذلك، قالت بيدجود: يمكن أن يتبع ذلك مفاوضات صعبة بعد التمديد، خاصة إذا لم تُطِل واشنطن وموسكو تمديد معاهدة ستارت الجديدة للسنوات الخمس الكاملة بموجب الاتفاق.
4- تقليص عدد القوات الأمريكية في أفغانستان يمكن أن يعرقل محادثات السلام بين كابول وطالبان
في الشهرين الأخيرين له في المنصب تسارع إدارة ترامب لإنهاء الحرب الأمريكية التي استمرت 19 عامًا في أفغانستان عبر خفض عدد القوات الأمريكية في البلاد من 4500 إلى 2500 بحلول 15 يناير، قبل خمسة أيام من أداء بايدن اليمين.
ولكن في حين أن كثيرين في كل من اليسار واليمين في الولايات المتحدة يؤيدون إنهاء تلك الحرب – يستدرك وارد – يشعر الخبراء بالقلق من أن مثل هذا الانسحاب السريع سيضر بمصالح أمريكا في البلاد. قال لي جيسون ديمبسي، ضابط مشاة سابق بالجيش خدم في أفغانستان والعراق، في وقت سابق من هذا الشهر: «من الصعب تخيل طريقة أسوأ للانسحاب».
مصدر القلق الرئيس هو ما الذي يعنيه الرحيل المفاجئ للاتفاق الدبلوماسي بين أمريكا وطالبان. ينص الاتفاق الذي وقع عليه الطرفان في وقت سابق من هذا العام على أن جميع القوات الأمريكية يجب أن تغادر بحلول مايو (أيار) 2021، على افتراض أن الظروف في البلاد سلمية نسبيًا، وأن طالبان قد نفذت حصتها من الاتفاق، والتي تتضمن الدخول في محادثات سلام مع الحكومة الأفغانية، ووقف مهاجمة القوات الدولية.
بدأت محادثات السلام هذه في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنها لم تسر على ما يرام؛ لأسباب ليس أقلها أن مقاتلي طالبان زادوا من هجماتهم على قوات الأمن الأفغانية والمدنيين في جميع أنحاء البلاد في الأشهر الأخيرة.
وقال ديمبسي، الذي يعمل الآن في مركز أبحاث الأمن الأمريكي الجديد: إن سحب المزيد من القوات الأمريكية من البلاد مع تقدم هذه المفاوضات قد يضر بموقف كابول التفاوضي ويشجع المزيد من هجمات طالبان: «إن التخلي عن أي نفوذ لديك عندما تغادر هو غباء مطلق».
السؤال هو ما الذي سيفعله بايدن بالقوات التي يعتزم ترامب تركها. قال الرئيس المنتخب إنه يريد الاحتفاظ ببعض القوات على الأقل في أفغانستان لمكافحة الإرهاب، لذلك فمن المحتمل ألا يغير أي شيء عندما يتولى منصبه في يناير.
ولكن إذا شجع الوجود الأمريكي الأصغر حركة طالبان على طلب المزيد في المحادثات الدبلوماسية مع الحكومة الأفغانية، أو حتى محاولة الاستيلاء بالقوة على الحكومة الأفغانية – كما فعلت في عام 1996 – فقد تضطر إدارة بايدن إلى التدخل لدعم حليفها في كابول. قد يؤدي ذلك إلى تصعيد الرئيس الجديد للحرب في البلاد، وبالتالي تحويل الكثير من وقته واهتمامه بعيدًا عن المشاريع الأخرى.