الخميس 24 ديسمبر 2020 08:05 م بتوقيت القدس
في اليوم الثاني من هذا الشهر ديسمبر (كانون الأول)، أصبحت بريطانيا الدولة الأولى في العالم التي توافق على استخدام اللقاح ضد كوفيد الذي طورته شركة بيونتيك الألمانية وتنتجه شركة فايزر الأميركية، ثم أعقبتها الولايات المتحدة بعد أسبوع قبل أن توافق أيضاً منذ أيام على استخدام اللقاح الثاني الذي تنتجه شركة مودرنا الأميركية. وأول من أمس (الاثنين) وافقت الوكالة الأوروبية للأدوية على استخدام لقاح فايزر، وينتظر أن توافق على لقاح مودرنا قبل نهاية العام الجاري.
قوام هذين اللقاحين اللذين تم تطويرهما بتقنية غير مسبوقة هي مادة «توزيناميران» التي تحقن في العضلة الدالية اليسرى بمقدار ٣٠ جزءاً من المليون من الغرام، والتي تحمل تعليمات إلى الخلايا تساعدها على توليد اللقاح الفعلي الذي ليس سوى جزيئات من الفيروس تدرب دفاعات جهاز المناعة على محاربته.
وبعد أن تجاوز عدد الإصابات العالمية المؤكدة بفيروس كورونا ٧٥ مليوناً وزاد عدد الوفيات عن ١.٧ مليون، وفيما تنطوي أوروبا على ذاتها خوفاً من الموجة الثالثة التي بدأت طلائعها تدق على الأبواب، يضع العالم كل رهاناته للقضاء على الجائحة في سلة اللقاحات التي ما زالت أسئلة كثيرة عنها تنتظر إجابات واضحة وقاطعة.
أبرز هذه الأسئلة هو الذي يدور حول سلامتها بعد أن تم تطويرها وإنتاجها في وقت قياسي وغير مألوف في عالم اللقاحات. وإذا كانت السلامة في المعاجم اللغوية هي مرادف لعدم وجود المخاطر، فإنها في عالم الطب لا تعني أكثر من المفاضلة لصالح المنافع مقابل المخاطر، كما يقول خبير الإحصائيات ستيفين إيفانز، ويقول: بينما تبدو المنافع واضحة جداً بالنسبة لمن تجاوزوا الثمانين من العمر الذين يشكلون النسبة الأعلى بين ضحايا الوباء، فإنها تبدو ضئيلة بالنسبة لفئة الشباب والصغار الذين لم تتجاوز الوفيات ٤ في المائة في صفوفهم».
يضاف إلى ذلك أن بيانات وزارة الصحة البريطانية أفادت أنه من أصل ١٣٧ ألف مواطن تلقوا اللقاح في الأسبوع الأول من توزيعه لم تسجل سوى حالتين من ردود الفعل الخطرة بسبب من الحساسية، إضافة إلى حالة ثالثة في ولاية ألاسكا الأميركية، وأن المصابين الثلاثة قد تعافوا ولهم سوابق مماثلة مع لقاحات أخرى.
ويقول الطبيب الأرجنتيني فرناندو بولاك، الذي أشرف على تجارب لقاح فايزر بين ٤٤ ألف متطوع، إن «بيانات السلامة خلال فترة شهرين ليست مختلفة عن بيانات لقاحات أخرى ضد الفيروسات».
ويضيف بولاك أن «البيانات التي قدمتها شركة مودرنا، التي تنتج اللقاح الآخر المماثل، تفيد عن مستويات سلامة شبيهة باللقاحات الأخرى».
ويقول الخبراء الذين يدافعون عن مستوى سلامة اللقاحات التي تمت الموافقة على استخدامها، إن اللقاحات التي تتجاوز بنجاح المرحلة الثالثة من التجارب السريرية لا تخضع عادة للمراقبة طوال سنوات، لكن الوضع الآن يختلف حيث لم يسبق أن خضع لقاح لاختبارات مباشرة أمام أعين سكان العالم.
أما عن الآثار الجانبية والمفاجآت التي قد تنجم في الأمد الطويل عن اللقاحات، يقول عالم الفيروسات أغوستين برتيلا، عضو لجنة اللقاحات التابعة للوكالة الأوروبية للأدوية: «لدينا بيانات مفصلة عن ٦٠ ألف متطوع تلقوا ثلاثة لقاحات مختلفة، فايزر ومودرنا وأسترازينيكا، لفترة تزيد عن ثلاثة أشهر، ولم تظهر على أي منهم عوارض تدل على إصابتهم بمرض معين أو على تفاقم حالة مرضية معينة، وأعتقد أن القرائن كافية للاعتقاد بأن هذا لن يحصل».
ويضيف برتيلا أن «الانتظار ستة أشهر للموافقة على استخدام اللقاحات ضد كوفيد لن يعطينا المزيد من الضمانات، والتجارب السابقة على لقاحات ضد فيروسات تنفسية أخرى تدعم هذا الاعتقاد».
أما عن السؤال حول ما إذا كانت اللقاحات تمنع سريان الفيروس، فتقول عالمة الفيروسات إيزابيل سولا التي تدير أحد مشاريع تطوير لقاح ضد كوفيد في المركز الوطني الإسباني للتكنولوجيا الحيوية: «يتضح من بيانات فايزر ومودرنا، وبنسبة أقل من أسترازينيكا، أن اللقاح فعال في منع إصابة الملقحين، لكن البيانات ليست كافية بعد لمعرفة ما إذا كان اللقاح يحول دون الإصابة من غير عوارض، وإذا كان المصاب يستمر في نقل الفيروس إلى الآخرين».
وتضيف سولا: «السبيل الوحيد لوقف سريان الفيروس هو الوصول إلى المناعة الجماعية، أو مناعة القطيع، التي تقتضي نسبة عالية من الملقحين لا تقل عن ٧٠ في المائة، وإلى أن يحصل ذلك لا بد من الاستمرار في استخدام الكمامات العازلة والحفاظ على مسافة التباعد الاجتماعي كسبيل وحيد للحماية». عن طول فترة الحماية التي يولدها اللقاح، تعترف شركة فايزر أن البيانات المتوفرة لديها عن تجارب سريرية طوال ثلاثة أشهر ونصف الشهر لا تسمح بعد بتحديد فترة الحماية، علماً أن الدراسات الأولى بينت وجود كميات عالية من مضادات الأجسام التي يولدها اللقاح.
وتفيد بيانات شركة مودرنا أنه بعد أربعة أشهر على الجرعة الأولى من اللقاح، كانت معدلات مضادات الأجسام لدى جميع المتطوعين، بمن فيهم الذين تجاوزوا السبعين من العمر، أعلى من معدلات المعافين الذين تجاوزوا الإصابة بالفيروس. ويقول ناطق بلسان الشركة: «أسوأ الافتراضات، وهو ضئيل الاحتمال، هو التلقيح سنوياً كما يحصل مع فيروس الإنفلونزا».
وعن التساؤلات حول فترة الحماية، يقول خبراء منظمة الصحة العالمية إنه عند الموافقة على استخدام لقاح لا يعرف أحد بالضبط كم ستدوم الحماية التي سيولدها، لكن طول فترة التجارب السريرية عادة يعطي فكرة تقريبية واضحة عن هذه الفترة، وهذا متعذر في الحالة الراهنة بسبب قصر مراحل التجارب السريرية.
ويقول أغوستين برتيلا: إن التقنيات الجديدة التي ساعدت على تطوير اللقاح ضد كوفيد تدرب جهاز المناعة على مواجهة الفيروس والقضاء عليه. وإذا فقد جهاز المناعة هذه الذاكرة، أو تضاءلت قوته بعد أربع سنوات مثلاً، بإمكاننا أن نعطيه جرعة أخرى من اللقاح لتذكيره كيف يجب أن يكون مستعداً لمواجهة الفيروس.