تستعد حاليا الجهات الفلسطينية المكلفة بملف الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في الأراضي الفلسطينية، لزيادة نشاطها من خلال بوابة وزارة الخارجية، في العديد من المحافل الدولية، وخاصة في محكمة الجنايات الدولية، من خلال تحريك ملف “الجرائم” المتمثلة في الحرب على غزة والاستيطان في الضفة والأسرى، مستندة إلى قرار المحكمة الأخير، الذي أقر باختصاص المحكمة على الأراضي الفلسطينية.
ومن المقرر أن تشرع الخارجية الفلسطينية، باتصالات كبيرة على المستويين الدولي والإقليمي، كما لا يستبعد في هذا السياق، أن تكون هناك زيارة فلسطينية رسمية لمحكمة الجنايات الدولية قريبا، بهدف تحريك ملفات الدعاوى، من أجل محاكمة قادة الاحتلال على “الجرائم” المرتكبة في الأراضي الفلسطينية، بناء على الخطة التي وضعتها من قبل اللجنة الوطنية العليا للمتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية، والمشكلة بمرسوم رئاسي.
ويستند الجانب الفلسطيني، في هذا الوقت إلى الدعم الدولي الكبير الذي يرفض تصعيد حملات الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، والذي عبرت عنه دول الاتحاد الأوروبي، باعتبار أن ملف الاستيطان هو أحد الملفات المقدمة من الجانب الفلسطيني لمحكمة الجنايات الدولية، خاصة بعد عمليات الهدم الأخيرة، والتي كان أكثرها خطورة في منطقة حمصة في الأغوار، والتي ترتقى لمستوى “التهجير القسري”.
وحسب ما يدور في الأروقة الفلسطينية، فإن وزير الخارجية الفلسطيني سيطلب، رسميا، من المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية، فتح التحقيق الجنائي في أسرع وقت ممكن، وصولاً لإجراءات محاكمة مسؤولي سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن الجرائم التي اقترفت بحق الفلسطينيين.
وحاليا ينتظر الفلسطينيون في الضفة الغربية والقدس وغزة، أن تبدأ المحكمة الجنائية فعليا، في النظر فيما تعرضوا له من ظلم، سببه الاحتلال، فعوائل كثيرة في غزة مثل السموني والداية وعبد ربه وأبو جامع والبطش وأبو زيد، والقائمة تطول، تنتظر أن ينتصر القضاء الدولي، لضحاياها، الذين استشهدوا في عمليات ترتقي حسب التقارير الحقوقية الدولية ومنها تقرير غولسدتون في العام 2009، لمستوى “جرائم الحرب والإبادة”، ويقدم على محاكمة قادة الاحتلال.
وفي الحرب الأخيرة على غزة صيف العام 2014، مسحت إسرائيل من السجل المدني عوائل من غزة بأكملها، حين استهدفتها بصواريخ حربية ألقتها الطائرات على منازل مدنية آمنة، كما فقدت 145 عائلة 3 أو أكثر من أفرادها في حدث واحد، فيما أدت تلك الغارات علاوة عن الدمار الكبير، إلى إلحاق إصابات بالغة تسببت بإعاقة آلاف الضحايا، فيما ينتظر سكان الضفة والقدس محاكمة الاحتلال على جرائم سرقة الأراضي لصالح الاستيطان، وعمليات “الإعدام الميداني” التي تقترف بشكل مستمر.
وتأمل الشابة جميلة الهباش، ذات الـ26 عاما، حاليا، أن ترى من تسبب في مأساتها، حيث بترت أقدامها وفقدت شقيقتها وابنة عمها في غارة على غزة خلال الحرب الأولى عام 2008، داخل قفص الاتهام، يلاقي مصير مجرمي الحرب.
وكان قضاة المحكمة الجنائية الدولية، أصدروا قرارا بعد طول انتظار، طالبوا بموجبه المدعيّة العامة للمحكمة بفتح تحقيق ضد “جرائم حرب” ارتكبتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، بعد أن أقروا اختصاص المحكمة القضائي الإقليمي في ما يتعلق بالوضع في فلسطين، الدولة المنضوية في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يمتد إلى الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل منذ العام 1967، وهي غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.
وتلا ذلك أن رحبت نيابة المحكمة الجنائية الدولية، بقرار قضاتها إعلان هذه الهيئة القضائية ولايتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وقالت النيابة، في بيان لها، إنها “تدرس بدقة هذه الخطوة لتعلن لاحقا قرارها حول الخطوات التالية، انطلاقا من ولايتها المستقلة وغير المنحازة تماما والتزاماتها بموجب نظام روما الأساسي”.
يشار إلى أن فلسطين التي حصلت على صفة “دولة مراقب” في الأمم المتحدة، انضمت رسميا في العام 2014 إلى محكمة الجنايات الدولية، وقدمت قبل أربع سنوات ملفات “الحرب على غزة” و”الاستيطان” و”الأسرى”، باعتبارها ملفات ارتكبت خلالها قوات الاحتلال “جرائم حرب” و”تطهير عرقي”، وطالبت بالتحقيق في هذه الملفات، على أمل أن تقود قادة الاحتلال للمحاكمات الدولية، وانتظرت فلسطين مرور طلبها بكل المراحل، حتى أقر قضاة المحكمة ولايتها على المناطق الفلسطينية.
وسبق وأن كانت المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا، قد أعربت عن اعتقادها بوجود ما يدعم مزاعم وقوع “جرائم حرب” في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.
وفي إسرائيل، كشفت تقارير عن وجود خشية من أن قرار قضاة المحكمة الجنائية في لاهاي، بإعطاء الضوء الأخضر لفتح تحقيق في “جرائم الحرب”، يمهد الطريق لاستصدار أوامر توقيف ضد شخصيات إسرائيلية، وقد علق رئيس حكومة الاحتلال غاضبا على القرار بالقول “المحكمة الجنائية تثبت مرة أخرى أنها هيئة سياسية وليست مؤسسة قضائية”.
جدير ذكره أن القرار الذي اتخذه القضاة لاقى ترحيبا فلسطينيا واسعا، وقال رئيس الوزراء محمد اشتية “إن القرار يمثل “انتصارا للعدالة وللإنسانية، ولقيم الحق والعدل والحرية، وإنصافا لدماء الضحايا ولذويهم الذين يكابدون ألم فراقهم”، وأشار إلى أن القرار يمثل “رسالة لمرتكبي الجرائم، بأن جرائمهم لن تسقط بالتقادم، وأنهم لن يفلتوا من العقاب”، معتبرا أنه يمثل كذلك “انتصارا للمحكمة نفسها التي أفشلت محاولات إسرائيل إضفاء الطابع السياسي على مداولاتها”، مطالبا بتسريع إجراءاتها القضائية في الملفات المرفوعة أمامها.
كما رحب وزير الخارجية والمغتربين رياض المالكي بالقرار، لافتا إلى أنه سيتيح للمدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فتح التحقيق الجنائي بشكل فوريٍ، وتتويجاً للجهد الدؤوب الذي تقوم به الوزارة مع المحكمة الجنائية الدولية منذ اليوم الأول لانضمام دولة فلسطين لعضويتها عام 2014، استناداً لتوجيهات الرئيس محمود عباس ومتابعته للمسعى الفلسطيني بتحقيق العدالة والانتصاف لضحاياه.
ورحبت حركة فتح بالقرار، وأكدت في بيان لها، أنه ما كان ليأتي “لولا صمود شعبنا البطولي وإصرار قيادته للوصول لهذه اللحظة التاريخية”، وقالت “آن الأوان لأن يدفع مجرمو الحرب الإسرائيليون ثمن جرائمهم التي ارتكبوها بحق الشعب الفلسطيني، وأن هذه الجرائم لن تسقط بالتقادم مهما طال الزمن أو قصر”.
كذلك رحبت حركة حماس بالقرار، واعتبرته “خطوة مهمة على طريق إنجاز العدالة، وإنصاف ضحايا الاحتلال الصهيوني”، وأضافت أن “الخطوة الأهم هي استكمال الخطوات المطلوبة لجلب مجرمي الحرب الصهاينة إلى المحاكم الدولية ومحاسبتهم على ما اقترفته أيديهم من جرائم، ومواجهة كل الضغوطات المتوقعة على المحكمة، لتأكيد مصداقيتها”.
وأكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان على أهمية هذا القرار الذي من شأنه أن يفتح الباب لتحقيق عدالة طال انتظارها، وإنصاف الضحايا الفلسطينيين مما ارتكبته السلطات الإسرائيلية والجيش التابع لها من ممارسات مشينة في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، والتي تم الإشارة لها بالتفصيل في طلب الإحالة الذي تقدمت به فلسطين لمكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، ودعا إلى إكمال باقي المتطلبات القانونية اللازمة، وتسريع الإجراءات القضائية في الملفات المرفوعة أمامه.
جدير ذكره أن قرار المحكمة الجنائية لاقى أيضا ترحيبا عربيا وإقليميا واسعا، حيث رحبت به الجامعة العربية وتركيا، باعتبار الخطوة مهمة من أجل محاسبة إسرائيل على الجرائم التي ترتكبها على الأراضي الفلسطينية، وتحديد المسؤولين عن تلك الجرائم.