قال مسؤول إسرائيلي إنه “خلال الحرب الأخيرة في غزة، تم اكتشاف عدد غير قليل من المشاكل والقيود في جهود الدعاية الإسرائيلية خارجيا وداخليا، بجانب المزيد من الثغرات التي ولدت شعورا لدى الجمهور الإسرائيلي بأن “الدعاية قد فشلت”.
وأضاف ياردين فاتيكاي، الذي عمل في ديوان رئيس الوزراء لأكثر من 11 عاما، ويعمل حاليا في مجال الاستشارات الإعلامية الاستراتيجية، في دراسته التي نشرها معهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب، أن “حرب غزة الأخيرة كشفت أن الموارد المستثمرة في مجال الدعاية بعيدة كل البعد أن ترضي وتفي بمعايير الجهود الإسرائيلية، مع أن المشكلة لا تُعزى فقط لنقص الموارد، ولكن أيضا لأسباب أخرى، ما يتطلب القيام بعملية منظمة لاستخلاص الدروس الخاصة بصانعي القرار الإسرائيلي”.
وأشار إلى أن “الجزء العسكري من حرب غزة ضد حماس انتهى، وخلالها قام الجهاز السياسي والمعلوماتي بجهد مكثف خلق شرعية دولية لإسرائيل، وفي نهاية الحرب انتقلت الدعاية والحملة السياسية للمرحلة التالية، لمواجهة محاولات ملاحقة إسرائيل في المحاكم الدولية، وإدانتها في مختلف المحافل، وإطلاق لجان تحقيق ضدها في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومواجهة انحيازها لنشاطات حماس”.
وأكد أن “حرب غزة شهدت انطباعا دعائيا بين العرب واليهود بأن حماس حققت إنجازات كبيرة، بتقديم نفسها مدافعة عن القدس، وإطلاق الصواريخ على القدس وتل أبيب، والاستمرار بإطلاقها حتى آخر يوم من الحرب، ورغم أن أداء الجيش حقق إنجازات عسكرية مهمة، لكنه لم يحصل على صورة رمزية بارزة كالقضاء على قادة حماس، أو إعادة الأسرى والمفقودين الإسرائيليين، مما يصعب تسويق الإنجازات للجمهور الإسرائيلي”.
وأشار إلى أنه “في هذه الحالة كان من الممكن إنشاء مذيع توضيحي أقوى للجمهور الإسرائيلي من خلال مؤتمر صحفي يومي أو نصف يومي لرئيس الوزراء ووزير الحرب ورئيس الأركان، بحيث يتوسع الإيجاز بعرض الإنجازات بشكل واضح، ويشرح التحديات، وينسق التوقعات مع الجمهور، لغرس الشعور بالنصر، وخلق تواصل الوعي بالأحداث لديه، بتقديم مساعدة رقمية يتم تحديثها يوميا وتعرض نقاط الضعف الرئيسية لحماس في غزة”.
وأوضح أن “أبرز حدث إعلامي خلال حرب غزة، استقطب انتقادات دولية واسعة النطاق، هو إسقاط برج الجلاء، المستخدم من وسائل الإعلام الأجنبية، ما تطلب مناقشة أهداف من هذا النوع على أعلى مستوى في الجيش الإسرائيلي، عند النظر في جميع العواقب الدولية، ويمكن التنازل عن الهدف نظرا لحساسيته، من أجل موازنة كل تداعيات وإمكانيات العمل، بين المنفعة الأمنية في مواجهة الصورة وعواقب السياسة”.
وأضاف أن “مثل هذه القرارات الإسرائيلية تطلبت الانتباه للرأي العام السلبي والنقد في وسائل الإعلام العالمية، وترجمتها على الفور لممارسة الضغط على صناع القرار في الولايات المتحدة لوقف القتال، مع أنه كان بالإمكان الكشف عن استخدام حماس للمبنى لأغراض عسكرية، وتحويل هذه المعلومات إلى ميزة تفسيرية على الساحة الدولية، وبناء شرعية دولية للهجوم على المبنى لاحقا، بعد أن يتم توفير “ذخيرة دعائية” مسبقًا عنه”.
وأوضح أن “ضررا دعائيا كبيرا لحق بإسرائيل، تمثل بالحديث عن تدمير “مترو حماس”، وهي الأنفاق، وربما كان اللقب ناجحا بين الإسرائيليين، لكنه بالتأكيد ليس في الجماهير الدولية، الذين يعتبرون “المترو” أحد أهم شرايين الحياة التي تسمح لمئات الناس بوصول أعمالهم ومنازلهم كل يوم، ما جعل تفسيرهم للتصريحات الإسرائيلية بشأن هدم “المترو” الفلسطيني في غزة، سلبيا، ما أضر بالدعاية الإسرائيلية حول العالم”.
وأكد أن “حرب غزة الأخيرة أثبتت مرة أخرى ما كان معروفا في السنوات الأخيرة، وهو أن إسرائيل لديها مشكلة بين الجماهير التقدمية والليبرالية والمجتمعات المهاجرة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، ومن الأمثلة على ذلك الجمهور الأمريكي من أصول أفريقية وإسبانية ومسلمة، والليبراليون الأمريكيون الشباب، لأن هذه المجتمعات اكتسبت في السنوات الأخيرة قوة سياسية وإعلامية كبيرة، وتزايد تأثيرها على صانعي القرار”.
وأشار إلى أنه “خلال حرب غزة، وقع الرئيس الأمريكي بايدن تحت ضغط هذه العناصر في حزبه، ما دفع هذا التحدي إسرائيل للسعي لإنهاء الحرب، ما يتطلب الدخول بحوار مع هذه المجموعات، لأنه مهم للغاية، ويستحق استثمار المزيد من الجهد والموارد فيه لبناء خطة عمل طويلة المدى تشمل الاجتماعات، وجلب الوفود والقادة لإسرائيل، وتسخير التنوع في المجتمع الإسرائيلي للاجتماعات بإحضار الإثيوبيين والعرب واليساريين”.
وأضاف أنه “لا يوجد خيار سوى الانخراط أكثر في “شرح المعلومات” للإسرائيليين، لأن الشعور العام بأن “الدعاية فشلت” ينبع من أسباب مختلفة، أولها وجود نقص في الوعي بالنشاط الإعلامي، لأن معظمها يتم وراء الكواليس، وأمام الصحفيين والشبكات الاجتماعية والخارجية واللغات الأجنبية، ما يتطلب زيادة الوعي بين الإسرائيليين حول ما يحدث من خلال المقابلات والمقالات التي كتبها المسؤولون من وزراء ومهنيين”.