قال جنرالان إسرائيليان إن “الأوساط العسكرية تشهد في العامين الأخيرين نقاشات حية قادها رئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي حول أفكار جديدة لتحقيق صورة النصر، رغم أن هذه الصورة مطلوب أن تتلاءم بشكل جيد مع التحديات الماثلة أمام الجيش، التي تغيرت منذ تراجع تهديد الجيوش النظامية للدول العربية، وظهرت المنظمات العصابية، ما استوجب إحداث تغيير في مفهوم العقيدة العسكرية الإسرائيلية”.
وأضاف غابي سيبوني خبير التكنولوجيا العسكرية والأمنية، ويوفال بيزك الباحث في الجيش والأمن، في دراسة نشرها معهد القدس للاستراتيجية والأمن، أن “هذا التغير تطلب مواءمة مع القدرات العسكرية ومسارات العمل التي بُنيت لتحقيق قرار سريع في مواجهة القوى المتفوقة، من خلال قوة ساحقة أرضية وقائمة على الاحتياط، وتطوير نهج مناورة استفاد من قدرة القيادة الإسرائيلية وجودة القيادة، بغرض الاقتحام السريع لأراضي العدو، وتحديد قوته العسكرية”.
وأشارا إلى أن “التغييرات العسكرية في السنوات الأخيرة أدت لاستحداث أنماط قتال وتهديدات جديدة، وجيش إسرائيل الذي بني للتعامل مع الجيوش، وحمايتها من التهديد الوجودي بغزو أو حصار من قبل القوات النظامية، وجد نفسه ابتداء من الثمانينيات في مواجهة المنظمات التي تعمل بأساليب حرب العصابات، واستهدفت هجماتها الإسرائيليين بإطلاق النيران في مسارات شديدة الانحدار، بأحجام وكثافة ودقة زادت على مر السنين”.
وأكدا أن “إسرائيل وجدت نفسها أمام افتراضات عسكرية أساسية لم تعد صالحة، رغم أن جيشها يتمتع بفجوة كبيرة في ميزان القوى على أعدائه، لكن نتائج المواجهات العسكرية خيبت الأمل مرارًا وتكرارًا، ما يتطلب أفكارا جديدة، ورسم أهداف أوسع لمفهوم الأمن القومي”.
وأوضحا أن “المعطيات العسكرية التي وجدت إسرائيل نفسها تواجهها تطلبت تحديد قواعد عمل جديدة، أولها تقصير مدة الأعمال العدائية، فلا يمكن لها أن تتحمل مواجهات طويلة الأمد، وهناك حاجة لتقليل الأضرار التي لحقت بالجمهور والبنية التحتية للدولة نتيجة للقتال، وتقليل تعرض الإسرائيليين للتهديد وشلل الاقتصاد، وتجنب الضغوط السياسية التي تزداد مع استمرار القتال، وتغمر الساحة الإعلامية العالمية بالصور القاسية”.
وأضافا أن “القاعدة الثانية أن العدو سيتصرف بأكثر الطرق خطورة بالنسبة لإسرائيل، لأن أي قدرة يبنيها العدو ضدها سيمارسها في وقت يكسبه أكبر قدر من الفوائد، وتسبب لإسرائيل أكبر قدر من الضرر، ما يعني أن أي افتراض بأن العدو يبني القدرات ليس لتشغيلها، أو سينفذ خطته الحربية بطريقة تناسبنا، لا أساس له من الصحة، ومن ثم فهو خطير”.
وأكدا أن “القاعدة الثالثة تتعلق ببناء الجيش الإسرائيلي، وتجهيزه للحرب، ما يتطلب النظر في التعامل مع السيناريو الأسوأ المحتمل، لأن إسرائيل لن تكون قادرة على التنبؤ بما ستكون عليه الظروف التي ستتطور إليها الحرب القادمة، وما الجبهات التي ستنشط فيها، وما السيناريوهات التي ستؤدي إليها، لأن كل واحدة منها ستعمل على إيجاد سيناريو مختلف، ليس لدينا القدرة على توقعها”.
وأوضحا أنه “عندما تواجه إسرائيل تهديدًا، فقد يكون الوقت المتاح لها لبناء القوة قصيرًا جدًا، ومن ثم، فإن من الضروري الاستعداد دائمًا لمواجهة الموقف الخطير المعقول المحتمل، وإذا افترضنا أن الحرب تتطور وفق السيناريوهات التي تناسبنا، فقد تجد إسرائيل نفسها لحظة الحقيقة مكشوفة دون الاستجابة لبعض السيناريوهات، خاصة في مواجهة أسوئها”.
وحذرا من “الفرضية السائدة في الجيش وهي “ماذا إن لم يكن؟”، أي ماذا لو كان تفسير المخابرات الإسرائيلية خاطئا، وماذا لو لم يكن لديها صورة كاملة، وماذا لو تصرف العدو بشكل مختلف عن توقعاتنا، لأننا دفعنا أثماناً باهظة لتقديرات استخبارية غير صحيحة، ما يؤكد أن الاستخبارات غير محصنة ضد تكرار الأخطاء، فإسرائيل تتعامل مع مستقبل غير مؤكد، وتعمل في بيئة غير مستقرة بمواجهة عدو يظهر تصميمًا استراتيجيًا”.
وأكدا أن “الحرب القادمة ستكون مختلفة عن تلك التي اتسمت بها حرب لبنان الثانية والجرف الصامد وحارس الأسوار في غزة، لأن الجيش الإسرائيلي لم يواجه بعض التحديات الماثلة اليوم منذ خمسة عقود، ما يعني أنها قد تتفاقم في العقد المقبل، خاصة تهديد حرية العمل في سلاح الجو، بعد أن تمتع بحرية كاملة في العمل في المجال الجوي، وأظهر قدرة على شن غارات من أجل القصف، وجمع المعلومات الاستخبارية”.
وأكدا أن “أنظمة القيادة والتحكم الإسرائيلية قد تتعرض للهجمات السيبرانية، وقد يواجه التسلح الدقيق قدرات تعطيل معقدة، وقد تواجه قوات الجيش الإسرائيلي أسلحة متطورة في شكل طائرات بدون طيار وأسلحة دقيقة، وإذا اعتمد الجيش على الميزة الهائلة التكنولوجية في الأنظمة التي أدارها في العقود الأخيرة، فقد يجد أنه في الحرب القادمة لن تتضاءل هذه الميزة فحسب، لكنها ستصبح “كعب أخيل”، إذا نجح العدو بجهوده التقنية”.
وأضافا أن “الجبهة الداخلية الإسرائيلية ستكون دائما تحت نيران هائلة، ومن الواضح أن التهديد بنيران شديدة الانحدار وصواريخ عليها أصبحت تهديدًا استراتيجيًا، وليس مصدر إزعاج فقط، وهذا هو جوهر الفكرة المنهجية للعدو المتمثلة باستخدام قوة نيران واسعة النطاق من عدة ساحات ونطاقات، لتعطيل القدرة الحربية لإسرائيل، وتقويض معنوياتها، والقبة الحديدية في هذه الحالة، مهما كانت فعالة، فلن تكون كافية لهذا الغرض”.
وأوضحا أن “الهجوم المعادي سيؤدي لتعطيل عمل القواعد الجوية، وتجنيد الجنود، وتكديس القوات في الجبهة ما قد يضر بالاقتصاد ويعطل عمله، وتدمير محطات توليد الكهرباء، وتعطيل عمل الموانئ الجوية والبحرية، وإلحاق أضرار بالمستشفيات، ولن يكون سلاح الجو قادرًا على تحييد التهديد على الجبهة الداخلية، ما يتطلب مناورة برية ضخمة”.