سلطت صحيفة “نيويورك تايمز” الضوء على المصاعب التي تواجه تونس وقرارات الحكم الفردي للرئيس قيس سعيّد الذي تقول إنه يواجه معارضة متزايدة.
وأشارت الصحيفة في تقرير أعدته فيفيان يي إلى آخر خطوات الرئيس بأنه سيحكم البلاد من خلال المراسيم وتجاهل الدستور. وأضافت يي أن الرئيس سعيّد لقي دعما شعبيا واسعا وصل إلى ذروته في الإعلان الأخير بأنه سيحكم البلاد عبر المراسيم، لكنه بات اليوم يواجه معارضة واسعة مما يعطي صورة عن حالة الغموض بشأن الأزمة السياسية التي تواجه تونس منذ عقد من الزمان ووسط اقتصاد يسير نحو الهاوية.
وجاء الشجب والتوبيخ للرئيس من المعارضين والمؤيدين على حد سواء ومن الأحزاب السياسية والإعلام وحتى من بين نفس الأنصار الذي صفقوا فرحا وخرجوا إلى الشوارع عندما جمد سعيّد البرلمان وعزل رئيس الوزراء في 25 تموز/يوليو.
وشهدت العاصمة التونسية يوم الأحد تظاهرة شارك فيها ألفي شخص وطالبوا سعيد إنهاء “الانقلاب” وهي من أولى التظاهرات الكبرى ضد تحركاته منذ شهرين.
وفي بيان مشترك لأربعة أحزاب سياسية، وتضم حزبا كان قريبا للرئيس، قالت فيه إن سعيّد يسير بالبلاد نحو الديكتاتورية ودعوه إلى وقف “الإجراءات الاستثنائية” والتي وعد أنها ستكون مؤقتة.
وقال اتحاد الشغل العام في تونس، وهو من أكبر النقابات العمالية في البلاد: “نعتبر الرئيس فاقدا لشرعيته بعد انتهاكه للدستور”، وحذر الاتحاد سعيّد من مراكمة سلطات واسعة في يديه بدون حوار مع الأطراف السياسية في البلاد.
وتقول الصحيفة إن سعيّد أدخل البلد والديمقراطية الوحيدة الذي برز من تظاهرات الربيع العربي في حالة من الشك العميق. وقال في تموز/يوليو إن تحركاته هي ردود مؤقتة على الحالة الاقتصادية والصحية الطارئة، لكنه قام بزيادة تحكمه في السلطة منذئذ، وتجاهل الضغوط الدولية والمحلية من أجل إعادة البرلمان للعمل.
وأعلن مكتب سعيّد يوم الأربعاء أنه سيقوم بتشكيل نظام حكم يدير البلاد بالمراسيم متجاوزا القانون. وقال إنه سيتولى إصدار “نصوص تشريعية” ويشكل حكومة، مع أن الدستور منح البرلمان سلطة التشريع وأعطى رئيس الوزراء سلطة اختيار أعضاء الحكومة.
وبالنسبة للدستور الذي تم اقراره عام 2014 بعد سنوات من التفاوض والتشاور فقد أشار إعلان الرئيس إلى أن أي مادة تتعارض مع سلطات سعيد الجديدة فليس لديها أي أثر تنفيذي. مما يعني أنه لم يتبق سوى ديباجة الدستور والفصلين الأولين اللذان يتعاملان مع المبادئ التوجيهية والحقوق والحريات.
وقال مكتب سعيّد إنه سيتولى مهمة صياغة مسودة للتعديل السياسي والدستوري بمساعدة لجنة يعينها الرئيس. وأثار هذا الموضوع اتحاد الشغل الذي كان جزءا من الرباعية التي حصلت على جائزة نوبل للسلام في 2015 لدوره في الحوار الوطني الذي ساعد تونس وديمقراطيتها على الخروج من الأزمة السياسية في 2013.
وجاء في بيان اتحاد الشغل: “ذلك التعديل في الدستور وقانون الانتخابات تثير قلق كل مكونات المجتمع”. ودعا بيان اتحاد الشغل الذي نشر يوم الجمعة سعيّد للحوار بدلا من احتكار السلطة وتغيير الدستور. وجاء فيه: “لا حل للأزمة الحالية بدون المشاورة والشراكة والحوار بناء على المبادئ الوطنية والسيادة الوطنية والواجب”.
وقالت الصحيفة إن إعلان يوم الأربعاء الصادر من مكتب الرئيس أشار إلى أن النواب سيفقدون رواتبهم ومنافعهم بالإضافة للحصانة من المحاكمة والتي قال سعيد إنه رفعها بعد إعلانه الإجراءات الاستثنائية.
واعتقلت السلطات التونسية خمسة نواب في الشهرين الماضيين بمن فيهم نقاد للرئيس، مع أن واحدا منهم وهو ياسر العياري قد أفرج عنه في الأسبوع الماضي.
وضمت الملاحقة رجال أعمال وقضاة وضع بعضهم تحت الاقامة الجبرية ومنعوا من السفر أو جمدت أرصدتهم.
ورحب الكثير من التونسيين في البداية بالإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس وعلقوا آمالهم على إنقاذه الاقتصاد التونسي وإصلاح النظام السياسي الفوضوي ومعالجة الفساد المستشري، من رئيس قالوا إنه غير فاسد ولا يمكن إفساده. وتجاهلوا التحذيرات من معارضي سعيّد السياسيين ونقاده من أن أفعاله هي طريق للديكتاتورية.
إلا أن سعيّد فشل في تقديم خطة طريق وأثار المخاوف لرفضه التحاور مع الجماعات المدنية أو سياسيين لتحديد الطريق للأمام. وبعد شهرين بدون نتائج بدأ الغضب أو حالة الإحباط من سعيّد بالتراكم. وتحول تجمع صغير إلى تظاهرة ضده بداية هذا الشهر، وشارك الآلاف يوم الأحد في تجمع بالعاصمة تونس. وقالت سارة قريرة، الصحفية التونسية: “الإمبراطور قيس في الصف الأول” وقالت في منشور على “فيسبوك” إن الرئيس سيوسع سلطاته.
ولكن الامتحان الأول لسعيّد فيما إن كان قادرا على إخراج تونس والتونسيين من معاناتهم والتي قادت إلى الاضطرابات في المقام الأول. ولا يوجد هناك منظور لتحسن الأوضاع في ظل معدلات البطالة العالية وتردي مستويات المعيشة والتي دفعت آلاف التونسيين للمخاطرة وعبور البحر المتوسط إلى أوروبا.
وعلق سعيّد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول حزمة إنقاذ بدون أن يقدم خطته الاقتصادية، مع أنه حظي بشعبية بين التونسيين لإعلانه عن خطط لإجبار الأثرياء الذين اتهمهم بالفساد من أجل تمويل مشاريع تنمية في الولايات الفقيرة.
وتقول مونيكا ماركس، استاذة سياسات الشرق الأوسط في جامعة نيويورك- فرع أبو ظبي إن “الجدار الذي يتحرك تجاه سعيد وربما تهشم أمامه هو الاقتصاد” و”التوقعات عالية، وهو مسؤول عن كل هذا”. و”في النهاية ستكون هناك فجوة بين التوقعات الشعبية التي ارتفعت بدرجة أكبر من السابق وواقع ما يمكن أن يقدمه سعيّد”.