قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية، الدكتور خليل العناني؛ إن رفع المتظاهرين ضد الانقلابات في السودان وتونس، لصور ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد ورئيس الانقلاب بمصر عبد الفتاح السيسي، رسالة واضحة، أنهما عقبة في طريق التغيير بالعالم العربي.
وقال العناني بمقال في موقع “ميدل إيست آي” البريطاني؛ إن الإمارات ومصر، تحاولان وأد أي انتفاضة أو ثورة محتملة، يبدو أن البلدين يصدران الانقلابات في أرجاء المنطقة، ويبدو أنهما على استعداد لفعل كل ما يلزم، بما في ذلك انتهاك حقوق الإنسان، من أجل وقف المطالبات بالتغيير الديمقراطي.
وفيما يلي النص الكامل للمقال:
في أثناء الاحتجاجات الأخيرة في السودان، رفع المحتجون صورا لعبد الفتاح السيسي ولولي عهد أبوظبي محمد بن زايد وهتفوا بشعارات ضدهما، في رفض واضح لدعمهما انقلاب الجنرال عبد الفتاح البرهان في البلد.
وهذا ما فعله أيضا المتظاهرون التونسيون خلال احتجاجاتهم على انقلاب الرئيس التونسي قيس سعيد. وبالفعل، لا تكاد تجد مظاهرة تطالب بالحرية والديمقراطية في العالم العربي، إلا ورفعت فيها صور محمد بن زايد وعبد الفتاح السيسي!
الرسالة واضحة ولا تخفى على أحد: كثير من الشباب العربي يعتقد بأن مصر والإمارات العربية المتحدة تمثلان العقبة الرئيسية في طريق التغيير في العالم العربي؛ إذ تحاولان وأد أي انتفاضة أو ثورة محتملة. يبدو أن البلدين يصدران الانقلابات في أرجاء المنطقة، ويبدو أنهما على استعداد لفعل كل ما يلزم – بما في ذلك انتهاك حقوق الإنسان – من أجل وقف المطالبات بالتغيير الديمقراطي.
ولذلك؛ فإنه ليس مستغربا أن السيسي وابن زايد، كلاهما يدعمان المحاولة الانقلابية لخليفة حفتر في ليبيا، وانقلاب قيس سعيد في تونس وانقلاب البرهان في السودان. كانت مصر واحدة من أوائل البلدان التي رحبت بإجراءات قيس سعيد بما في ذلك تجميد البرلمان وحل الحكومة، وفي السودان ما كان بإمكان البرهان تنفيذ الانقلاب بدون ضوء أخضر من مصر، أحد أهم حلفائه الإقليميين. وهذا يفسر عدم تنديد مصر بانقلاب البرهان في الشهر الماضي.
في الوقت نفسه، أجرى المسؤولون الأمريكيون والإماراتيون محادثات حول إيجاد تسوية للأزمة في السودان، وبدا الأمر كما لو أن الإماراتيين يفاوضون بالنيابة عن البرهان، بما يعكس دورهم البارز في دعم انقلابه ضد الحكومة المدنية لرئيس الوزراء عبدالله حمدوك.
محور الثورة المضادة
لم يزل محمد بن زايد منذ سنين يوجه دفة الثورة المضادة بالشراكة مع كل من المملكة العربية السعودية وإسرائيل، حتى إن البعض يعتبره العدو الأول للديمقراطية في العالم العربي، نظرا لتخريبه ما لا يحصى عدده من محاولات الشباب العربي المطالبة بالحرية والديمقراطية والكرامة.
يقدّم محمد بن زايد دعما سخيا للطغاة وأمراء الحرب في أرجاء المنطقة العربية، بما في ذلك في مصر وليبيا واليمن والسودان وسوريا، ويستخدم ماله ومنصاته الإعلامية لتشويه الثورات العربية والتحريض ضدها، مفضلا كما يبدو التعاون مع جنرالات الجيش على التعامل مع النخب المدنية المنتخبة.
في مصر، حيث أجهض السيسي أول تجربة ديمقراطية حقيقية في البلاد من خلال انقلابه عام 2013، ما كان لنظامه أن ينجو ويبقى على قيد الحياة طوال هذا الوقت لولا الدعم المالي والدبلوماسي والسياسي من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإسرائيل. لقد ساعد محمد بن زايد في تشييد دكتاتورية السيسي، التي تهدف بدورها إلى قطع الطريق على مساعي التغيير السلمي كافة في المنطقة العربية. يلقي السيسي القبض على كل من يعارضه، بما في ذلك السياسيون والصحفيون والنشطاء، وتمتلئ سجون مصر بالآلاف من السجناء السياسيين.
ومع ذلك، يستمر السيسي زورا وبهتانا في تحميل ثورة 2011 المسؤولية عن كل المشاكل التي تواجهها بلاده، بما في ذلك النزاع حول سد النهضة الإثيوبي العظيم. تشن مصر والإمارات معا حربا شعواء ضد الإسلاميين محليا وإقليميا وعالميا، حيث يعتبرون الأحزاب الإسلامية عدوهم الرئيسي؛ لأنها تصل إلى السلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة.
الفزاعة الإسلامية
لكن من الواضح أن مشكلتهم الرئيسية هي مع فكرة الديمقراطية ذاتها، التي تمثل خطرا على استمرارهم في إحكام القبضة على السلطة، فغدا الإسلاميون فزاعة تستخدم لتخويف مواطنيهم وتخويف الغرب، وللصد عن فكرة التغيير.
في الوقت نفسه، خسر الإسلاميون الانتخابات في عدد من الأقطار العربية، بما في ذلك المغرب والجزائر وتونس.
لم يشكل أداء الأحزاب الإسلامية عندما كانت في السلطة أي تهديد حقيقي لمصالح مصر أو الإمارات العربية المتحدة، ولكن يبدو أن السيسي ومحمد بن زايد لديهما ثأر شخصي مع جماعة الإخوان المسلمين والجماعات التي تنتسب إليها، ويسعيان إلى القضاء عليها بوصفها تهديدا محتملا. منذ ولادة الربيع العربي، كانت هناك مخاوف في الإمارات العربية المتحدة من أن حمى التغيير ستصل إلى شواطئها، مما دفعها إلى الانتقال من الاستراتيجية الدفاعية إلى استراتيجية هجومية.
منذ ذلك الحين، لم يزل محمد بن زايد يحاول بناء سد منيع ضد الثورات العربية – بهدف وأد أحلام التغيير في مهدها. ولا تقتصر الاستراتيجية التي ينتهجها على تمويل الثورات المضادة في البلدان العربية، ولكن تشتمل أيضا على تمويل وتصدير النموذج الانقلابي.
إلا أن محمد بن زايد والسيسي وجميع من يدعمهما يقفون في الجانب الخطأ من التاريخ؛ فمعركة التغيير طويلة، وسنرى لمن ستكون الضحكة الأخيرة.