الجمعة 21 يناير 2022 14:46 م بتوقيت القدس
هناك المصلحة الذاتية وهناك المصلحة التابعة، والفرق بينهما كبير، فالمصلحة الذاتية أقوى وأعظم من المصلحة التابعة، لأن المصلحة الذاتية ثابتة لا ترتفع بحال مهما كانت الظروف، بينما المصلحة التابعة فهي متغيّرة قد تُرفع وقد توضع، وقد تُقبل وقد تُرفض، وقد تُحمد وقد تُذمّ، بحسب جدلية علاقتها مع المصلحة الذاتية، فإذا تصادمت المصلحة الذاتية مع المصلحة التابعة، فلا مكان ولا وزن ولا اعتبار للمصلحة التابعة، بل تُقدّم المصلحة الذاتية على المصلحة التابعة، وتُرجّح المصلحة الذاتية على المصلحة التابعة، ونحافظ على المصلحة الذاتية وإن كان ذلك على حساب ضياع المصلحة التابعة!! والأشدُّ من ذلك إذا بات واضحًا أن الحصول على المصلحة التابعة هو على حساب المصلحة الذاتية، فعند ذلك على كل عاقل منّا أن يدرك أن المصلحة التابعة في مثل هذا الحال لا تبقى مصلحة تابعة شرعًا ولا عُرفًا ولا عقلًا، بل ستتحول إلى وسيلة استدراج لإضاعة المصلحة الذاتية مهما كانت تلك المصلحة التابعة مغرية في ظاهرها، وبرّاقة في وقعها على العيون، وعلى سبيل المثال فإن حفاظ الإنسان منّا في الداخل الفلسطيني على هويته الإسلامية العروبية الفلسطينية هو مصلحة ذاتية، وحفاظه على الانتماء لهذه الهوية هو مصلحة ذاتية، وحفاظه على التمسك بهذه الهوية والدوران معها هو مصلحة ذاتية، وفي المقابل فإن حفاظ الإنسان منّا في الداخل الفلسطيني على حقوقه اليومية المختلفة والحصول عليها من المؤسسة الإسرائيلية هو مصلحة تابعة، مع التأكيد أن هذه الحقوق كثيرة ومتشعبة ولها صلتها المباشرة بالأرض والمسكن والصحة والتعليم والسلم الأهلي والاقتصاد.. الخ والقائمة طويلة، ومع التأكيد أن كل هذه الحقوق هي حقوق لكل فرد منّا في الداخل الفلسطيني، ويوم أن نحصل عليها أو على بعضها من المؤسسة الإسرائيلية فإنما نحصل على حقوقنا أو على بعض حقوقنا، بمعنى أننا لا نتلقى مِنّةّ من المؤسسة الإسرائيلية، وهذا يعني أننا مطالبون بضبط العلاقة السليمة بين هويتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية التي تمثّل المصلحة الذاتية وبين المطالبة بحقوقنا اليومية الكثيرة والمتشعّبة التي تمثّل المصلحة التابعة. وهذا يُلزمنا أن نتحلى بسعة الصدر وأن نستمع لبعضنا فيما إذا تبادلنا فيما بيننا النصيحة والنقد والتذكير بشرط أن نحافظ على الأدب في كل ذلك. لأن وجوب الحفاظ على هويتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية كمصلحة ذاتية هو واجب علينا كأفراد وأحزاب وحركات في الداخل الفلسطيني، وفي نفس الوقت فإن وجوب السعي للحصول على حقوقنا اليومية كمصلحة تابعة هو واجب علينا كأفراد وأحزاب وحركات في الداخل الفلسطيني، مع التأكيد أن وجوب الحفاظ على الانسجام بين الحفاظ على هويتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية كمصلحة ذاتية والحصول على حقوقنا اليومية كمصلحة تابعة هو واجب علينا كأفراد وأحزاب وحركات في الداخل الفلسطيني، ممّا يعني أن وجوب رفض أي صدام بين هاتين المصلحتين هو أيضًا واجب علينا كأفراد وأحزاب وحركات في الداخل الفلسطيني، وكذلك رفض أن تكون المصلحة التابعة على حساب المصلحة الذاتية، بغض النظر عن الشخص أو الحزب أو الحركة الذي يتسبب بمثل هذا الصدام أو يتسبب أن تكون المصلحة التابعة على حساب المصلحة الذاتية، ويجب أن يكون هذا الرفض قائمًا على أدب النقد، وعلى تجنيب أنفسنا وتجنيب جماهيرنا التورط في (لعبة السيد)!! وقد تحدثت عن ماهية هذه اللعبة وعن أخطارها في مقالة الأسبوع الماضي التي كانت بعنوان: (لنحذر: لعبة السيد).
وعليه لا أرى أي حرج أن نقول ناصحين، أو منتقدين، أو مذكّرين القائمة المشتركة، أو رئيسها أيمن عودة، أو القائمة الموحدة، أو رئيسها د. منصور عباس، حول موقف أو تصريح أوجد صدامًا بين مصلحتنا الذاتية ومصلحتنا التابعة، ولا أرى أي حرج أن نطالب من أوجد موقفه أو تصريحه هذا الصدام أن يعدل عن موقفه أو تصريحه وأن يتمسك بالأصل الذي هو مصلحتنا الذاتية.
وعلى سبيل المثال، فإن د. منصور عباس لمّا أدلى بتصريحه الذي وافق فيه رواية يهودية الدولة، فقد صادم بذلك مصلحة الحفاظ على حق العودة الذي هو روح القضية الفلسطينية، والذي هو مصلحة ذاتية ثابتة لا ترتفع بحال مهما كانت الظروف، ولمّا أدلى د. منصور عباس بتصريحه الذي وافق فيه للمجتمع الإسرائيلي أن يصلوا عند حائط البراق الذي هو جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك، فقد صادم بذلك مصلحة الحفاظ على حرمة المسجد الأقصى المبارك الذاتية، والتي هي مصلحة ذاتية ثابتة لا ترتفع بحال مهما كانت الظروف.
ولذلك أن يقال بعد ذلك إن د. منصور عباس حصل على ميزانيات مالية لمجتمعنا في الداخل الفلسطيني، أو حصل على بعض الحقوق للأهل في النقب، وعلى فرض أنه حصل على كل ذلك حقيقة لا وعودًا، فإن كل ذلك يندرج في خانة المصلحة التابعة، وهذا يعني أنه وقع صدام بين المصلحة الذاتية ممثلة بحق العودة والمسجد الأقصى المبارك وبين المصلحة التابعة ممثلة بالميزانيات المالية وبعض حقوق أهلنا في النقب!! وبعيدًا عن أية شخصانية أو حزبية فإن من الواضح شرعًا وعُرفًا وعقلًا أنه لا يجوز القبول بمصلحة تابعة ممثلة بالميزانيات المالية وبعض حقوق أهلنا في النقب على حساب المصلحة الذاتية ممثلة بحق العودة والمسجد الأقصى المبارك.
وسلفا أقول، ما كتبته في هذه المقالة ليس مجرد تحليل شخصي، بل هو رؤية شرعية دينية قائمة على (فقه الأولويات) وقائمة على رؤية وطنية، وكلا هاتين الرؤيتين مستمدة من ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية!! وحاشا لله تعالى ثم حاشا لله تعالى أن أدّعي العصمة في هذه المقالة، فهي قابلة كغيرها من سائر المقالات للنقاش، وسلفا أرحّب بذلك، مع طمعي أن يكون النقاش قائمًا على أدب النقد والدوران مع الحق الموافق للدليل الشرعي والفهم الوطني والثوابت الإسلامية العروبية الفلسطينية. وغني عن البيان أن أؤكد أنه كان ولا يزال يجمعني الاحترام المتبادل مع د. منصور عباس.