شهد الشهر الأول من العام الجديد صدور العديد من تقديرات الموقف الإسرائيلية التي تتنبأ بالتحديات الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية التي تواجه إسرائيل، لكنها لم تقدم وصفات جاهزة لكيفية التعامل معها، واقتصر عرضها على تشخيص المخاطر والتهديدات، مما ترك ثغرة كبيرة في استشراف الواقع الإسرائيلي على مختلف الأصعدة.

البروفيسور مانويل تراختنبرغ رئيس معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، والجنرال درور شالوم الرئيس السابق لقسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية -أمان، ذكرا في مقال مشترك على موقع “نيوز ون”، أن “عدم تقديم توصيات بشأن كيفية التعامل الإسرائيلي مع التهديدات المحيطة بها لا يوفر لها مساحة استراتيجية كبيرة لزيادة نفوذها الإقليمي، ولا يعطيها إمكانية المواجهة الفعالة مع التحديات الاستراتيجية التي تواجهها، رغم أنها تواجه أخطر تهديدات خارجية”.

وأضافا أن “اتساع رقعة التهديدات على إسرائيل، سواء بسعي إيران لامتلاك القدرة النووية العسكرية، أو النفوذ الإقليمي، يتضمن جهودًا لزيادة النيران المحيطة بها، وزيادة نشاط مشروع الصواريخ الدقيقة لحزب الله، مما يزيد من صعوبة التعامل مع كل هذه التحديات، والحاجة المتنامية لتعميق التنسيق والعلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة، خاصة وأن الوضع الأمني في الضفة الغربية يتفاقم، صحيح أنه الآن تحت السيطرة، لكن السلطة الفلسطينية تضعف، وقد تنهار، ويتجه الجيل الفلسطيني الشاب مندفعا نحو فكرة الدولة الواحدة، بجانب الخطر من اتخاذ إجراءات قانونية ضد إسرائيل، وتصنيفها بأنها نظام فصل عنصري”.

من الواضح أن تنامي التهديدات “الخارجية” المحيطة بإسرائيل، تترافق مع وجود ثغرات “داخلية” في عدم الاستعداد لسيناريوهات حرب متعددة الساحات، وأحداث أخرى تتجلى في الخلفية، ولعل هذه الساحة “الداخلية” تمثل تحديًا إسرائيليا بشكل خاص، ويرجع ذلك جزئيًا للافتقار للآليات على المستوى الحكومي والرسمي للتفكير التكاملي في جميع القضايا والعلاقات المتبادلة بينها وبين تحديات الأمن القومي الأخرى.

لا يخفي الإسرائيليون أنهم مطالبون بالتعامل مع واقع عالمي متغير ومعقد، سواء بسبب تغير المناخ، والأزمات الاقتصادية المتكررة، ووباء كورونا، والمخاوف المتزايدة من مواجهة إيران، أو السياق الفلسطيني، رغم نشاط استراتيجية “المعركة بين الحروب”، واحتواء مشروع الصواريخ الدقيقة في لبنان، بجانب تحسينات اقتصادية كبيرة لتقوية السلطة الفلسطينية، خشية الانزلاق لواقع دولة واحدة، وخلق أفق انفصال مستقبلي عن الفلسطينيين، في قطاع غزة.

في الوقت ذاته، تتزامن هذه التحديات مع زيادة رقعة الانقسامات الإسرائيلية الداخلية بين القطاعات المختلفة، مما يسهم في تقويض المرونة الاجتماعية، وزيادة معدلات الجريمة، والتراخي بين الشباب الإسرائيلي، والحواجز الاقتصادية والوظيفية بين فلسطينيي 48؛ فضلا عن سلسلة من القضايا المتنازع عليها مع بدو النقب؛ وشكاوى فئات إسرائيلية مختلفة من عدم المساواة في تحمل أعباء الدولة، خاصة مع عدم تجنيد الحريديم في الجيش.

فضلا عما تقدم من تشخيص لعيوب داخلية، تتوجه الدعوات الإسرائيلية لتعميق العلاقات الاقتصادية مع دول البحر المتوسط، وتخفيف التوترات مع تركيا، والشروع في حوار سياسي وأمني لصياغة أهداف استراتيجية محدثة لسيناريوهات الصراع المحدودة، والحروب المتوقعة في الساحتين الشمالية والجنوبية، والتحضير لمواجهة متعددة الساحات، وتفكك السلطة الفلسطينية.