سلفًا أؤكد أنكم يا أهلنا في النقب قد تحوّلتم إلى مدرسة صبر وصمود لنا ولكل أحرار الدنيا، وأكدتم للقاصي والداني أن الحق هو الأقوى من كل باطل، وهو الأعلى من كل أحمق متطاول، وهو المنتصر على كل ظالم وعنصري ومستبد، وكم كنتم فصحاء بلغاء أوفياء، عندما علمتمونا وعلمتم المظلومين المستضعفين في كل الأرض كيف يحفظ الإنسان أرضه وبيته ومقدساته، وهكذا أصبحتم الأساتذة. ولذلك أستميحكم عذرا أن أتقدم لكم بهذه الوصايا لأني أحبكم، وأحب النقب، كيف لا والنقب هو أهلي وهو أرضي وهو بيتي وهو مقدساتي:

1- إن أهم رأس مال نحتاجه لنصرة قضية النقب هو أن نحافظ على هذه القضية رافعة تجميع للجهود لا تفريق لها، ورافعة توحيد للموقف لا تفكيك له، ورافعة تراص للصف لا تمزيق له، وكم حزنت عندما شاركت في المظاهرة التي كانت يوم الأحد الموافق 30/1/2022 مقابل مكاتب رئاسة الحكومة الإسرائيلية فوجدت أن بعض الحركات والمؤسسات النقباوية قد تخلّفت عن هذه المظاهرة، وبذلك سجّلت كل هذه الجهات المتخلّفة خسارة لها ولنا ولقضية النقب. وهو أمر مؤسف.

2- ليس سرا أن هناك سجالا سياسيا بين أكثر من طرفين في مسيرة مجتمعنا في الداخل الفلسطيني بعامة وفي النقب بخاصة، فهناك سجال سياسي بين القائمة المشتركة والقائمة الموحدة، وهناك سجال سياسي بين مؤيدي القائمة المشتركة ومنتقديها، وهناك سجال سياسي بين مؤيدي القائمة الموحدة ومنتقديها، وهناك سجال سياسي أطلّ علينا بعد انتخاب رئاسة لجنة التوجيه التي تعتبر ذراع لجنة المتابعة في النقب، ومن الطبيعي أن يكون هناك نقد متبادل بين كل طرفين من هذه الأطراف، وهو أمر مشروع ما دام هذا النقد قائما على أدب النقد بعيدا عن التكفير والتخوين والتجريح، وما دام هذا النقد لا ينزلق بنا إلى (لعبة السيد) الفخ الاستعماري سيء الصيت. ومن المؤسف أن يتحول هذا النقد في كثير من الأحوال إلى (مناكفة سياسية)، ولذلك أقول ناصحا: إذا أصرّ البعض منا على هذه (المناكفة السياسية) فكم أتمنى عليهم أن يجنبوا قضية النقب هذه (المناكفة السياسية)، فهناك منصات كثيرة (للمناكفة السياسية) ولنحافظ على كل الاجتهادات التي تتناول قضية النقب، ولنحافظ على كل نشاط لنا يهدف إلى نصرة قضية النقب بعيدين كل البعد عن هذه (المناكفة السياسية) ولتبقى قضية النقب كما هو المطلوب لها صافية نقية سامية لا يكدرها غبار (المناكفات السياسية) بغض النظر عن الشخص أو الهيئة التي صدرت عنها هذه (المناكفات السياسية).

3- ما أروع قول الشيخ جمال الدين الأفغاني: (بالضغط والتضييق تجتمع الأجزاء المتفرقة)، وهل هناك أشد من الضغط والتضييق الذي لا تزال تفرضه المؤسسة الإسرائيلية على أهلنا في النقب، وهل هناك شبر أرض أو بيت في النقب إلا وبات يعاني من هذا الضغط والتضييق، فهناك معاناة العراقيب، وهناك معاناة القرى مسلوبة الاعتراف، وهناك معاناة أهلنا آل الأطرش وأل العقبي والزيادنه وآل أبو القيعان وغيرهم الكثير في قائمة هذه المعاناة الطويلة.

فيا أهلنا في النقب، ألا تكفي هذه المعاناة حتى تجتمع بسببها كل الأجزاء المتفرقة في النقب، مع تأكيدي أنها ستبقى وجهات نظر مختلفة، بين القوائم والحركات والأحزاب واللجان، ولكن هذا الاختلاف لا يجوز أن يلغي ضرورة اجتماع كل هذه المكونات على جهد واحد لحمل هموم أهلنا في النقب إلى جانب وجود هذا الاختلاف بينها، وهذا ما يلزمنا أن نتحلى دائما بأدب الإختلاف، وأن نعرف كيف نختلف، وكيف نتفق، وكيف نتحاور، وكيف نتعاون على حمل أعباء القاسم المشترك المصيري بيننا الذي إسمه النقب.

4- في الوقت الذي بات يعاني فيه أهلنا في النقب من شدة الهجوم الإعلامي عليهم من شخصيات ومؤسسات إسرائيلية رسمية وغير رسمية، وفي الوقت الذي بات يعاني فيه أهلنا في النقب من ضراوة التهم التي باتت تنزل عليهم من هذه الجهات لنزع شرعية وجودهم في النقب، بهدف الاستفراد بأرضهم، ووضع اليد عليها وشرعنة مصادرتها، وشرعنة تحريشها وبناء عشرات المستوطنات عليها، فإن الذي يحزنني أن أرى مواقع التواصل لأهلنا في النقب مشغولة ببعضها في كثير من الأحيان، وهو أمر مؤسف جدا، أن ترى هذا الشخص يناكف هذا، وهذه القائمة تناكف تلك، أو هذه اللجنة تناكف الأخرى؟! فمتى تجتمع الأجزاء المتفرقة من أهلنا في النقب على جهد واحد لمقاضاة كل هذه الجهات الإسرائيلية قانونيا، ومواصلة محاكمة كل هذه الجهات على كل تفوهاتها المنفلتة ضد أهلنا في النقب، ومتى نتقدم خطوة إلى الأمام وننتقل من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم؟ وأقصد بذلك أن ننتقل من مرحلة الدفاع التي هي الاكتفاء بالدفاع عن أهلنا في النقب إعلاميا فقط في وسائل الإعلام المختلفة إلى مرحلة الهجوم، وأقصد بذلك مقاضاة كل جهة تتفوه ضد أهلنا في النقب قانونيا وملاحقتها في أروقة المحاكم، ولن يستطيع أهلنا في النقب أن يقوموا بهذا الدور إلا إذا اجتمعت الأجزاء المتفرقة في النقب على جهد واحد.

5- حتى تكون قلوبنا بعامة وقلوب أهلنا في النقب بخاصة على النقب، يجب أن تكون قلوبنا على بعضنا قبل ذلك، فإذا كانت قلوبنا على بعضنا حقيقة لا شعارا، كانت قلوبنا على النقب حقيقة لا شعارا، وإلا إذا لم تكن قلوبنا على بعضنا، فإن الادّعاء أن قلوبنا على النقب- عند ذلك- سيكون شعارا لا حقيقة وفي ذلك الفشل الذريع الذي سنعاني منه وستعاني منه الأجيال القادمة، اللهم إني بلغت، اللهم فاشهد.

الكلمات الدلالية :