تسبب الكشف الإسرائيلي الأخير عن قبر جماعي لشهداء مجزرة الطنطورة التي نفذتها العصابات الصهيونية في عام 1948، بصدور المزيد من ردود الفعل الإسرائيلية، والتأكيد على أن الأهمية التي يحظى بها هذا الكشف التاريخي، لا يقل عنه ضرورة ألا تعود إسرائيل لتلك الأيام السوداء من المجازر ضد الفلسطينيين، مما يتطلب منها الاعتراف بمسؤوليتها عن هذه المذبحة، ورفض الاختفاء في الماضي.
مع أن كشف القبر الجماعي يعيد إلى أذهان الإسرائيليين محاولة سابقة قام بها تيدي كاتس الباحث في قسم الدراسات الفلسطينية بجامعة حيفا، حين أكد وقوع المذبحة، وعملية الدفن لضحاياها الفلسطينيين، الأمر الذي تسبب بمواجهته اتهامات ورفع دعاوى قضائية ضده بتهمة الكذب والتشهير، وظهور موجة إعلامية ضده لقبته بـ “الخائن”، وقد حدث هذا قبل عشرين عاما.
ران أدليست الكاتب في صحيفة معاريف، ذكر في مقال أن “التاريخ يعيد نفسه هذه الأيام من خلال فيلم “طنطورة” الذي قد تدفع المزيد من عروضه لتعويض كاتس عن جهوده البحثية السابقة، ورفع أبحاثه إلى مستوى من الاهتمام الإسرائيلي العام، وصولا لإمكانية حصوله على جائزة الجامعة، بعد أن تعرض لضغوط كبيرة جعلته يهرب من موجة اتهامه بالعار من قبل المتطرفين اليهود، والمدافعين عن المذبحة، التي لولاها لما قامت لإسرائيل دولة”.
وأضاف أن “مجزرة الطنطورة التي يتكشف المزيد من أسرارها هذه الأيام، يحصل بينما أصبحت إسرائيل قوة عسكرية، ولديها ترسانة من القنابل الذرية التي تحصن الدولة في وجه التهديدات الوجودية الحقيقية، لكن ذلك لم يمنعها من تفريخ الجماعات الاستيطانية التي تحولت مع مرور الوقت إلى مجموعات “بلطجية”، في حين أن الجيش يهرب من أي ترتيبات سياسية مع الفلسطينيين، ويتمسك بوظيفته الأهم بالحفاظ على الدولة من التهديدات الخارجية، من خلال الاغتيالات والاعتقالات والقيود على حركة الفلسطينيين، وهذه كلها أجواء طارئة ترفض أي تحرك للتسوية معهم”.
صحيح أن الكشوفات الإسرائيلية الأخيرة عن مجزرة الطنطورة، لن تعيد ضحاياها إلى قيد الحياة، لكنها فرصة لأن يعترف الاحتلال بجرائمه، كي لا تتكرر في قادم السنوات بسبب السياسة الدموية التي ينتهجها ضد الفلسطينيين، سواء كان من خلال الجيش ذاته، أو عصابات المستوطنين.
وتعتقد بعض الأوساط اليسارية الإسرائيلية أن مجزرة الطنطورة ليست الحدث الوحشي الوحيد في تاريخ المؤسسة الإسرائيلية، خاصة وأن لدينا مجزرة دير ياسين الأخرى، وهي الحادثة القبيحة في تاريخ إسرائيل، لأن مرتكبيها كانوا فخورين بجريمتهم، ولم تتم محاكمتهم، بل إن عددا منهم تبوأ مناصب قيادية في الدولة.
على كل حال، ستبقى مجزرة الطنطورة وصمة عار في تاريخ مرتكبيها من العصابات الصهيونية، ومن يعلم، فلعل أبحاثا دراسية وأفلاما وثائقية إضافية تكشف المزيد من القبور الجماعية للفلسطينيين الذين ذهبوا ضحايا لآلة القتل الإسرائيلية.