عاودت قوات النظام السوري استهداف المدنيين في شمال غربي سورية، في مؤشر واضح على نيّتها رفع وتيرة التصعيد في المنطقة التي تحكمها تفاهمات هشّة بين الطرفين التركي والروسي منذ نحو عامين.
إدلب… مجزرة في معارة النعسان
وقالت منظمة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، في بيان نشرته على معرّفاتها الرسمية، أول من أمس السبت، إن ستة مدنيين (طفلين وامرأتين ورجلين) جميعهم من عائلة واحدة، قُتلوا السبت، وجُرح طفلان آخران، باستهداف منزلهم بقذيفة هاون في بلدة معارة النعسان، شمال شرقي إدلب، من قبل قوات النظام السوري وروسيا.
وتعتبر بلدة معارة النعسان “من المناطق الخطرة، كونها قريبة جداً من خطوط التماس مع قوات النظام وروسيا”، وفق الدفاع المدني، الذي أشار في بيانه، إلى أن سكّان البلدة كانوا نزحوا منها في عام 2020 نتيجة القصف من قبل قوات النظام وروسيا. وأشار إلى أن “أغلب سكّان البلدة عادوا بعد رحلة نزوح إلى المخيمات التي تفتقد للحد الأدنى من مقومات الحياة”.
وحلّقت طائرات استطلاع روسية، أمس الأحد، في أجواء جبل الزاوية وسهل الغاب بريفي إدلب وحماة، بالتزامن مع قصف صاروخي نفذته قوات النظام على بلدات: البارة وفليفل وسفوهن والفطيرة وبينين بجبل الزاوية جنوبي إدلب. كما استهدفت قوات النظام بالرشّاشات الثقيلة محاور التماس مع الفصائل في سهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي.
استهداف المدنيين: سياسة ممنهجة للنظام
وتحكم محافظة إدلب ومحيطها تفاهمات هشّة أُبرمت بين الطرفين التركي والروسي في مارس/ آذار 2020 في العاصمة الروسية موسكو. ولكن هذه التفاهمات تعرضت للخرق من قبل قوات النظام والجانب الروسي، إذ لم تنقطع عمليات القصف المدفعي والصاروخي والجوي، والتي تحصد أرواح مدنيين.
وأوضح الدفاع المدني، في تقريره السبت، أن الشمال الغربي من سورية تعرّض، منذ مطلع العام الحالي وحتى 11 فبراير/شباط الحالي، إلى 84 هجوماً مدفعياً وجوياً، ما أدى إلى مقتل 31 شخصاً، وإصابة 73 آخرين. وأضاف: “هذه الهجمات الإرهابية التي تستهدف المدنيين وتهدد استقرارهم في المنطقة، هي سياسة ممنهجة تهدف إلى نشر الرعب بين المدنيين الآمنين ومنعهم من عيش حياتهم الطبيعية”.
وحصل التصعيد أغلبه على خطوط التماس بين قوات النظام وفصائل المعارضة السورية، لكن مجزرة السبت أكدت أن هذه القوات تقصف مدنيين من خارج نقاط التماس، في مؤشر على أنها تستهدف الحاضنة الشعبية للفصائل، في سياسة تضييق على هذه الحاضنة ودفعها إلى النزوح عن بيوتها.
ووصف المحلل العسكري العميد مصطفى الفرحات، في حديث صحفي، القصف المتواصل على بلدات الشمال الغربي من سورية بـ”الإجرامي”، مضيفاً أن “النتائج كارثية على المدنيين، سواء أكان هذا القصف من خطوط التماس أو من بعده، لأنه يخلف مزيداً من الضحايا ومزيداً من الدمار في هذه البلدات”.
وأشار الفرحات إلى أن “الاعتبار الأهم بالنسبة للجانب الروسي هو تجربة أسلحة جديدة”، لافتاً إلى أن “سورية باتت ميداناً واسعاً لتجريب السلاح والذخائر وتدريبات للقوات الروسية بالذخيرة وعلى أهداف بشرية”.
وأوضح المحلل العسكري أن الاستهداف على خطوط التماس “ربما يؤدي إلى مواجهات واسعة النطاق، وهذا ما لا يريده النظام، لذا يستهدف المدنيين عن بعد”. ورأى أنه “يجب على فصائل المعارضة السورية الرد على هذا القصف باستهداف مواقع قوات النظام والمليشيات التابعة لها، والتي تتعمد قتل المدنيين”.
يوم دامٍ في ريف حلب
على صعيد آخر، أصيب 5 مدنيين، أول من أمس، بينهم 4 من عائلة واحدة (رجل وزوجته واثنان من أبنائهما، أحدهما طفلة إصابتها خطرة) بهجوم مزدوج بصاروخين موجّهين من قبل “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، استهدفهم على ضفة نهر الفرات الغربية على أطراف مدينة جرابلس، في ريف حلب الشمالي الشرقي.
وأكد الدفاع المدني أن الطفلة التي تبلغ من العمر 5 سنوات، والتي أصيبت بقصف “قسد”، مهددة ببتر ساقها، واصفاً يوم السبت بـ”اليوم الدامي”، إذ قتل وأصيب 16 مدنيا بـ”هجمات إرهابية وبانفجار مخلفات الحرب”.
وفي جنوب سورية، أعلن النظام أن عمليات “التسوية” التي أعلنها في مدن وبلدات عدة في ريف دمشق انتهت، زاعماً أن قوات النظام أجرت أكثر من 400 عملية تسوية في مدينة داريا جنوب غربي العاصمة دمشق.
وكانت هذه القوات دمرت أغلب أحياء هذه المدينة التي صمدت أمام الآلة العسكرية للنظام سنوات عدة، قبل أن تضطر فصائل المعارضة للخروج منها إلى شمالي سورية، في سياق اتفاق مع الجانب الروسي منتصف عام 2016. وكان النظام أجرى عمليات تسوية في بلدات عدة في ريف دمشق، الأسبوع الماضي، منها معضمية الشام، غربي العاصمة، والكسوة في الجنوب الشرقي.
وتدل المعطيات الميدانية على أن لهذه التسويات أبعاداً إعلامية، كون أغلب المطلوبين للأجهزة الأمنية أو المنشقين عن قوات النظام أو المطلوبين للخدمة في صفوفها، هم خارج مناطق سيطرة النظام، إما في شمال سورية أو في دول الجوار أو في بلدان أوروبية.
وفي السياق، ذكرت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام، أمس الأحد، أن “عملية التسوية تواصلت لليوم الـ13 في مركز بلدة مسكنة بريف حلب الشرقي”، زاعمة حصول إقبال على مركز التسوية.
وكان النظام افتتح خلال العام الحالي مراكز لإجراء تسويات في مناطق سيطرته في محافظتي الرقة ودير الزور شرقي سورية، ولكن وفق مصادر محلية فإنه فشل في استقطاب أعداد كبيرة من مناطق سيطرة “قسد” إلى هذه المراكز كما كان يخطط.