الثلاثاء 24 مايو 2022 09:07 م بتوقيت القدس
تساهم الاكتشافات الأثرية التي يعثر عليها الفلسطينيون باستمرار بشكل كبير في تعزيز الهوية التراثية الثقافية الفلسطينية، وتشير إلى تجذرهم في أرضهم منذ آلاف السنين رغم محاولة الاسرائيلي إثبات عكس ذلك من خلال رواياته الكاذبة.
وتثبت هذه المكتشفات الحق الفلسطيني المتجذر على هذه الأرض المباركة التي تحتوي طبقاتها على كنوز حضارية وشواهد عمرانية ومعالم ومقتنيات تاريخية أثرية تجزم بارتقاء وسمو الحضارة الفلسطينية منذ آلاف السنين.
وقال الدكتور إياد حمدان مدير الآثار في أريحا: “لا شك أن الاكتشافات الأثرية التي تمت في الآونة الأخيرة سواء في القدس أو الضفة الغربية أو غزة تساهم بشكل كبير في تعزيز الهوية التراثية والثقافية، حيث تشير إلى تجذر هذا الشعب في هذه الأرض عبر الحضارات المختلفة ابتداء من العصور الحجرية القديمة حيث الإنسان الفلسطيني اكتشف النار في مواقع أثرية بالقرب من بيت لحم وتحديدا في مغارة أخرطون، أو من خلال الاكتشافات في القدس التي تشير إلى تجذر الشعب الفلسطيني خلال الاكتشافات المتعددة وأيضا ما كشف عنه مؤخرا في قطاع غزة”.
وأضاف حمدان في حديث معه: “كل هذه الاكتشافات تشير بشكل واضح الدور الكبير الذي كانت تلعبه فلسطين عبر مر العصور بدءا من العصور الحجرية القديمة وصولا إلى العصور الحديثة مرورا بالعصر الحجري الحديث حيث شكل الإنسان أقدم مدن التاريخ في مدينة أريحا وأيضا بالفترات اللاحقة إقامة اكبر القصور الرومانية في فلسطين قصر تلول أبو العلايق، أو فصايل في أريحا، أو سبسطية لاحقا في الفترات البيزنطية التي كانت فلسطين فيها مهدا للديانة المسيحية وشكلت حاضنة من حماية هذه الديانة من الإمبراطورية الرومانية عبر إنشاء عدد كبير من الأديرة في فلسطين”.
وتطرق إلى الفترة الإسلامية التي تجلت بشكل واضح في فلسطين من خلال الفترة الأموية وبناء المسجد الأقصى وقبة الصخرة على يد الخليفة عبد الملك بن مروان، ولاحقا بناء عدد من القصور الأموية وأهمها قصر هشام الذي عثر فيه على أكبر فسيفساء متصلة في العالم.
وأشار إلى انه اكتشفت لاحقا في الفترات المختلفة اكتشافات تدلل على تنوع عدد من المواقع الأثرية سواء في غزة أو الضفة الغربية لتشير إلى فترات لاحقة سواء الفترة الأيوبية مما يعزز أهمية هذا التراث للفلسطينيين للتعريف بتراثهم وثقافته.
وأوضح حمدان أن موقع طواحين السكر في أريحا كان يشير إلى الدور الاقتصادي والذي كان يدعى “سلعة الملوك”.
وقال: “كانت فلسطين تنتج السكر وتصدر السكر من عدد من الطواحين والمواقع الأثرية في حين أن العالم كله لم يكن يعرف هذه السلعة حتى أن ياقوت الحموي في زيارته لفلسطين قال انه لم يذق أطيب من سكر فلسطين”.
وأضاف: “هذه الاكتشافات تشير بشكل كبير إلى تجذر الشعب الفلسطيني، مما يساهم في تعزيز الهوية الثقافية والتراثية الفلسطينية ويؤكد أننا على حق في هذه الأرض كفلسطينيين”.
وحول إدارة الفلسطينيين لتراثهم وآثارهم اعتبر حمدان ذلك بأنه نقلة نوعية، وهي تشير إلى أهمية هذا التراث وفرصة للفلسطينيين للتعريف بهويتهم وثقافتهم منفصلين عن رواية الاحتلال.
وقال: “لا شك أن معظم المواقع الأثرية بالذات في الضفة الغربية والقدس تقع في غالبيتها تحت سيطرة الاحتلال إلى هذا اليوم، لكن ما يقع تحت سيطرة الفلسطينيين سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة هي فرصة للفلسطينيين لإبراز هويتهم عبر الترويج للرواية الفلسطينية الحقيقية، الرواية العلمية التي تشير إلى تجذر هذا الشعب وفرصة لتطوير هذه المواقع بعد أن عانت من إهمال كبير من الاحتلال”.
وشدد حمدان على ضرورة أن يكون التنقيب عن الآثار عبر حفريات أثرية علمية حتى تحافظ على السياق الطبقي للآثار الفلسطيني وفي نفس الوقت محاربة تجارة الآثار وتهريبها لأنه في تهريب الآثار يحصل تدمير للسياق الأثري والحضاري عدا عن الخطورة في بيعها إلى الاحتلال والتي تؤل في النهاية إلى مصادر الاحتلال.
وقال: “هناك فرصة لنا كفلسطينيين لإدارة مواقعنا الأثرية وإبراز الهوية الثقافية الفلسطينية من جهة، ومن جهة أخرى علينا وبشكل قوي الاستمرار في محاربة تهريب الآثار وتدمير المواقع الأثرية حتى من الفلسطينيين أنفسهم أو أيدي العابثين لأنها في النهاية هي تخريب لهويتنا الفلسطينية”.
وأضاف: “لا شك أن تصنيف الاكتشافات الأثرية الفلسطينية يحتاج إلى منهج علمي ابتداء من كشفها وصولا إلى عرضها، وهذه تحتاج إلى متاحف مؤهلة”.
وأشار حمدان إلى أنه في المناطق التي تقع السيطرة الفلسطينية هناك عدد من المتاحف لكنها تحتاج إلى تطوير والى تعزيز، مؤكدا على أن المتحف الرئيس الفلسطيني يجب أن يكون في مدينة القدس بعد أن يتم تحريرها.
وقال: “كانت بداية المتحف الفلسطيني في القدس أو ما يسمى متحف (روكفلر)، هذا المتحف يجب أن يكون نواة المتاحف الفلسطينية تعزيزا للمتاحف الفلسطينية الأخرى سواء في القدس أو غزة أو الضفة عبر طرق عرض للمعثورات الأثرية بعد دراستها واستيفاءها حقها العلمي”.
وشددت نريمان خلة، مديرة المتحف الوطني الفلسطيني في غزة والمعروف باسم متحف “قصر الباشا” على أهمية حماية المواقع الأثرية المكتشفة وإعادة تأهيلها والعمل على تنفيذ مشاريع كبري للتنقيب والكشف الأثري فيها، لمعرفة ما تحتويه طبقاتها من كنوز حضارية وشواهد عمرانية ومعالم ومقتنيات تاريخية أثرية تجزم ارتقاء وسمو الحضارة الفلسطينية منذ آلاف السنين، وتثبت الحق الفلسطيني المتجذر على هذه الأرض المباركة.
وقالت خلة في حديث معها: “إن المكتشفات الأثرية ترسخ الوجود الحضاري للشعب الفلسطيني وتعمل على تجذر المواطن بأرضه والانتماء لها، وتعزيز حفظ الموروث الثقافي التاريخي للشعب الفلسطيني على هذه الأرض الفلسطينية المباركة، التي حباها الله لتكون مركز إشعاع حضاري منذ فجر التاريخ”.
وأضافت: “لقد احتوت الأرض الفلسطينية في باطنها على كنوز الحضارات من مختلف العصور والحقب الزمنية، وشكلت لوحة فنية إبداعية، تكاد تنطلق بكل الثقافات والحضارات التي مرت عليها”.
وأوضحت أن متحف قصر الباشا الذي تديره يحتوي على العديد من القطع الأثرية والتي تصل عددها إلى حوالي 100 قطعه متنوعة ما بين فخار، وبرونز، ونحاس، وعاج، ونقود فضية وبرونزية، وغيرها من القطع وأيضا يضم بين جنباته مخطوطات ورقية مثل مخطوط القرآن الكريم ومزامير داوود.
وقالت: “تعود هذه القطع الأثرية إلى العديد من العصور التي تعاقبت على فلسطين بشكل عام ومدينة غزة بشكل خاص، ومن أهم هذه العصور التي مرت على فلسطين العصر الحديدي، والبرونزي، واليوناني، والروماني، والبيزنطي، والإسلامي بمختلف حقبه”.
وأضافت: “أكثر محتويات متحف قصر الباشا هي من الفخار لأن فلسطين كانت وما زالت تزخر بصناعه الفخار منذ العصر اليوناني حتى يومنا هذا”.
ودعت خلة وهي باحثة في التاريخ والآثار وزارة السياحة والآثار الفلسطينية إلى العمل على تعزيز إدراك الجمهور بأهمية المواقع الأثرية والمحافظة عليها من الاندثار والتعدي، وذك من خلال تنفيذ العديد من مشاريع الصيانة والترميم والتنقيب.
وقالت: “يجب أن يكون التنقيب وفق خطة عملية للحفاظ على المواقع الأثرية ومنع التعديات على المواقع الأثرية من العابثين، وإعداد تصاميم مختلفة هدفها تحسين الرؤية البصرية من جانب وتحديد إحداثيات ومعالم المواقع الأثرية من جانب آخر”.
وأضافت: “تظل هذه المقتنيات تعاند الزمن وشاهدة على أحقية الشعب الفلسطيني بأرضه وسمو حضارته وتراثه، منذ فجر الإنسانية، وتدحض بذلك الرواية الصهيونية المزعومة، بأن أرض فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.
ودعت خلة إلى تسيير الرحلات التوعوية والمعرفية لزيارة المواقع الأثرية والتعرف على المقتنيات المستخرجات من الحفريات والكشوف الأثرية على امتداد المواقع الأثرية بقطاع غزة.
وأوضحت أن المكتشفات الأثرية الأخيرة في المقبرة الرومانية شمالي قطاع غزة، كشفت عن معلومات وتفاصيل تاريخية، عن الممارسات الجنائزية، ومعلومات تدعم التاريخ القديم والإنثروبولوجي في غزة، والتعرف على أنماط الحياة والعلاقات التاريخية والاقتصادية في غزة خلال الفترة الرومانية القديمة، وعلاقتها بمحيطها الإقليمي القديم.
وقالت: “كشف التنقيب الأولي في هذه المقبرة عن وجود قبر مقصور بطبقة من المِلاط الأبيض المعروف باسم (الفريسكو)، المزين بأكاليل من أوراق السنديان؛ المعروفة بأنها من أرفع الأوسمة التي تُمنح للمميزين من أفراد المجتمع الروماني”.
وأضافت: “ما زال الكشف الأثري في بدايته وننتظر معرفة المزيد من الأسرار والقيم الحضارية، في مختلف الحقب التي عاشت على أرض غزة”.
وأفادت خلة أن عدد الزوار للمواقع الأثرية المختلفة في غزة، خلال الشهر الماضي فقط بلغ حوالي 17,000 زائر، مما يدلل على تنامي التوعية المعرفية للمواطنين بمختلف فئاتهم للتعرف على تاريخهم وتراثهم، وثوابتهم الوطنية.
ومن جهتها أكدت الدكتورة أماني رباح، الباحثة في التاريخ والتراث والمجتمع على أن الأرض الفلسطينية لم تبخل على أهلها بتزويدهم ما يثبت حقهم فيها عبر ما تعطيه لهم من موروث يوصلهم بجذورهم التاريخية في مواجهة الاحتلال في عمليات التهويد وطمس المعالم العربية للهوية الفلسطينية.
وقالت رباح في حديث معها: “أهم ما يمكن حمايته هو الهوية التي يتم تهديدها عبر مكوناتها ومركباتها التي من خلالها تستدل على عراقة الشعوب وجذورهم، وحينما يخفي الاحتلال الآثار المكتشفة ويمنع وصول علماء الآثار المحايدين كي يقدمون روايتهم تجاه ما يكتشفونه، ليس هذا وحسب بل عكفت تلك المجموعات الصهيونية على اختلاق بعض الآثار ومحاولة نسبها لروايتهم المكتوبة، بعدما لم يجدوا ما يثبت روايتهم، إضافة إلى عمليات التزييف والتزوير والسرقة”.
وأضافت: “لكن كل ذلك لم يقدم للاحتلال أي دليل يثبت علاقتهم بالأرض، وبرغم المنع واستقدام خبراء لديهم يحملون روايتهم واستعمالهم في إثبات ما يروجون له، حتى هذا لم يفلح”.
وتابعت: “إن باطن الأرض الفلسطينية لازالت تجود بما لديها من تاريخ في حماية ما عليها وكتأصيل لأهل الأرض وسلاح قديم جديد يضاف في حماية الهوية الفلسطينية وجذورها الممتدة لأكثر من خمسة آلاف سنة منذ أن سكنوها بعد الهجرة العربية الأولى لأرض فلسطين”