قال الصحفي البريطاني، جوناثان كوك، إن التهديد الأخير الذي أطلقه مسؤولون إسرائيليون، بارتكاب نكبة ثانية بحق الفلسطينيين، يثبت بطلان الادعاءات التي تتمسك بها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والتي تزعم أن الرواية الفلسطينية للنكبة “تمثل تشويها لتاريخ المنطقة”.
وأضاف كوك في مقال له بموقع “ميدل إيست آي”، إن التحذير الذي أطلقه مؤخرًا وزير حكومي سابق مهددًا الملوحين بالعلم الفلسطيني بطرد قسري آخر يكشف الكذبة التي لم تفارق إسرائيل منذ التأسيس.
ويزعم المسؤولون الإسرائيليون أن “الاتهامات الفلسطينية بأنهم طردوا قسرًا وعن سبق ترصد وإصرار من وطنهم في عام 1948 ما هي سوى لطخة يقصد بها تشويه سمعة إسرائيل وجيشها” الذي يزعمون أنه الأكثر التزامًا بالأخلاق في العالم. بل يزعمون فوق ذلك أن إحياء ذكرى النكبة يكافئ معاداة السامية.
وتاليا نص مقال الصحفي جوناثان كوك:
إليكم هذا اللغز. ما الذي قصده يسرائيل كاتس، المشرع الإسرائيلي والذي كان حتى وقت قريب وزيرًا كبيرًا في الحكومة، عندما هدد الطلاب الفلسطينيين الشهر الماضي بنكبة أخرى إذا ما استمروا في التلويح بالعلم الفلسطيني؟ بل وحثهم على تذكر 1948 وأن يتحدثوا مع أجدادهم وجداتهم.
وقال أمام البرلمان الإسرائيلي: “إذا لم تهدأوا، فلسوف نعلمكم درسًا لن تنسوه أبدًا”.
كان إنكار النكبة هو الموقف المفترض للدولة الإسرائيلية.
وكذلك ما الذي كان يدور بخلد عوزي دايان، الجنرال السابق في الجيش الإسرائيلي وعضو البرلمان الإسرائيلي كذلك، عندما حذر الفلسطينيين قبل ذلك بشهرين بأن عليهم توخي الحذر؟ وذلك أنهم سيواجهون وضعًا يعرفونه، ألا وهو النكبة، فيما لو رفضوا الخضوع طواعية للإملاءات الإسرائيلية.
كلا التهديدين – ومثلهما كثير من التهديدات التي ما فتئ يصدرها كبار السياسيين الإسرائيليين عبر السنين – تثبت بطلان الادعاءات التي تتمسك بها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ومفادها أن الرواية الفلسطينية للنكبة تمثل تشويهًا خسيسًا لتاريخ المنطقة.
طبقًا للمسؤولين الإسرائيليين، تعتبر الاتهامات الفلسطينية بأنهم طردوا قسرًا وعن سبق ترصد وإصرار من وطنهم في عام 1948 ما هي سوى لطخة يقصد بها تشويه سمعة إسرائيل وجيشها الذي يزعمون أنه الأكثر التزامًا بالأخلاق في العالم. بل يزعمون فوق ذلك أن إحياء ذكرى النكبة يكافئ معاداة السامية.
إلا أن السياسيين الإسرائيليين، ويا للمفارقة، يبدون على أهبة الاستعداد لترديد تلك الافتراءات المفترضة ضد تأسيس الدولة اليهودية، كما تعلن عن نفسها. ففي عام 2017، وبينما كان يشغل موقع وزير كبير في الحكومة، حذر تساحي هنغفي الفلسطينيين بأنهم يواجهون “نكبة ثالثة” – ويقصد بعد الطرد الجماعي الذي وقع بحقهم في 1948 ثم في 1967 – إذا ما قاوموا الاحتلال.
وكتب على صفحته في موقع فيسبوك: “لقد دفعتم من قبل ثمنًا جنونيًا مرتين لقادتكم. لا تجربونا تارة أخرى، لأن النتيجة لن تكون مختلفة أبدًا. وها قد أنذرتم”.
إنكار النكبة
بحسب ما يقوله الفلسطينيون وعدد متزايد من العلماء الذين بحثوا في سجلات الأرشيف الإسرائيلي، شن الزعماء الصهاينة ومليشياتهم حملات عنيفة ومدبرة مسبقًا من التطهير العرقي في 1948 نجم عنها طرد أربعة أخماس الفلسطينيين من أراضيهم إلى المنافي. ونتيجة لذلك تمكنت الحركة الصهيونية من إعلان قيام الدولة اليهودية على معظم أراضي الوطن الفلسطيني.
واليوم، ينتشر عدة ملايين من اللاجئين الفلسطينيين في أنحاء الشرق الأوسط وفي كثير من أرجاء بقية العالم، لا يتمكنون من العودة. ويصر المسؤولون الإسرائيليون على أن تلك الرواية هي مجرد فرية بهدف شيطنة إسرائيل، علمًا بأن الحكومة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نتنياهو سنت في عام 2011 قانونًا يحظر تمامًا إحياء ذكرى النكبة في أي مكان عام.
يهدد ما يسمى بقانون النكبة بحرمان المؤسسات الإسرائيلية، بما في ذلك المدارس والجامعات والمكتبات والبلديات، التي تسمح بمثل هذا الإحياء من تمويل الدولة. وكان القانون في مسودته الأصلية سيقضي بعقوبة بالسجن ثلاث سنين على كل من يشارك في مثل تلك الفعالية.
ولكن حتى قبل سن هذا التشريع، كان إنكار النكبة هو الموقف الإسرائيلي المفترض.
في مقابل الرواية الفلسطينية، تنفي إسرائيل أي تعمد أو عنف خبيث القصد من قبل زعمائها وجنودها، وتحمل المسؤولة عن خروج الفلسطينيين بدلًا من ذلك إلى عوامل أخرى.
وهي تزعم أن معظم الفلسطينيين غادروا نزولًا عند أوامر صدرت لهم من الزعماء العرب، بدلًا من كونهم تعرضوا للتطهير العرقي من قبل جيش الدولة الإسرائيلية الجديدة. ويقول المسؤولون أيضًا إن الجيش الإسرائيلي هاجم مجتمعات الفلسطينيين في الأغلب ردًا على العنف الذي مارسه المقاتلون الفلسطينيون ووحدات الجنود العربية من البلدان المجاورة الذين جاءوا لمد يد العون لهم.
ويستمر مشاهير المؤرخين الإسرائيليين مثل بيني موريس في الادعاء بأنه “لم يحدث في أي مرحلة من مراحل حرب 1948 أن كان هناك قرار من قبل قيادة اليشوفا (المجتمع اليهودي ما قبل نشأة الدولة) أو الدولة بطرد العرب”. وبموجب هذا الرأي الرسمي، يكون معظم الفلسطينيين قد اختاروا المغادرة بمحض إرادتهم أو كانوا مسؤولين عن إثارة العنف الذي أدى بهم لأن يجبروا على الخروج، وبذلك يفترض في الأيدي الإسرائيلية أنها كانت نظيفة.
ولكن لو كان الإسرائيليون يعتقدون فعلًا أن ذلك هو الذي حدث، فلماذا يستخدم سياسيون مخضرمون مثل كاتس وديان وهنغفبي هم أنفسهم مصطلح النكبة الفلسطيني – ويهددون بأن إسرائيل سوف تقوم للمرة الثانية أو الثالثة بتكرار تنفيذ ما لم يحدث أصلًا؟
عملية المكنسة
تهيمن الرواية الإسرائيلية بشكل كامل لدرجة أنه ولوقت قريب كان معظم اليهود يعتقدون بأن الأب المؤسس لدولتهم، دافيد بن غوريون، كان يحث السكان الفلسطينيين الذين هربوا من مدينة ميناء حيفا الكبيرة على العودة إليها في 1948. إلا أن الفلسطينيين، كما تفترض تلك الرواية، فضلوا الانتظار إلى أن تهزم القوات الصهيونية.
وبحسب تلك الرواية، فقد أرسل بن غوريون غولدا مائير، التي أصبحت هي نفسها فيما بعد رئيسة للوزراء، في مهمة لطمأنة الفلسطينيين الفارين. تذكر مائير في مذكراتها ما يأتي: “جلست على الشاطئ هناك في حيفا وتوسلت إليهم أن يعودوا إلى بيوتهم… رجوتهم إلى أن تعبت، ولكن ذلك لم يجد نفعًا معهم”.
إلا أن خطابًا كان قد حرره بن غوريون في وقت مبكر من شهر يونيو/ حزيران من عام 1948 وخرج إلى النور قبل سبعة أعوام يقوض الدعاية الإسرائيلية. ففي هذا الخطاب، يرد بن غوريون غاضبًا على تقارير تفيد بأن القنصل البريطاني كان “يعمل على إعادة العرب إلى حيفا”. وطالب بن غوريون حينذاك بأن يقوم زعماء اليهود في حيفا بإعاقة تلك الجهود البريطانية.
وبالفعل، كشف باحث إسرائيلي كان قد سُلم عن طريق الخطأ ملفًا من الأرشيف قبل عقد من الزمن عن أن الحكاية التي تقول بأن الزعماء العرب أصروا على الفلسطينيين الهرب من ديارهم في 1948 كانت كلامًا فارغًا. بل هي من اختلاق المسؤولين الإسرائيليين الذين سعوا لوقف الضغط الذي مارسته الولايات المتحدة على إسرائيل للسماح للاجئين بالعودة.
وفي مطلع ثمانينيات القرن الماضي بدأ جيل جديد من المؤرخين الإسرائيليين بالتنقيب في أرشيف إسرائيل حينما أتيح جزء منه لفترة قصيرة. وجد هؤلاء أدلة موثقة على مجموعة مختلفة تمامًا من الأحداث التي توافقت مع الرواية الفلسطينية.
وكانت العمليات العسكرية تحمل عناوين ذات دلالة، مثل “عملية المكنسة”، وكان القادة العسكريون يتلقون الأوامر “بتنظيف” المناطق. وتم تدمير مئات القرى الفلسطينية بمجرد أن طرد الجنود الصهاينة سكانها منها، وكان الهدف عدم السماح لهم بتاتًا بالعودة إليها.
عهد الإرهاب
ولكن على الرغم من كل ما بذلته إسرائيل من جهود لإبقاء الأمر طي الكتمان إلا أن الأدلة الموثقة في الأرشيف ظلت تطل برأسها لتثبت ارتكاب الإسرائيليين مذابح بحق المدنيين الفلسطينيين، الأمر الذي يفسر بوضوح لماذا فر معظم الفلسطينيين في عام 1948.
في واحدة من أبشع هذه المذابح، قام الجيش الإسرائيلي بإعدام 170 رجلًا وامرأة وطفلًا قريبًا من مدينة الخليل. كما أصيب في تلك الأثناء المئات من الفلسطينيين بجروح رغم أنهم لم يبدوا أي مقاومة.
عُثر في عام 2016 على خطاب يعود إلى تلك الحقبة كتبه شبتاي كبلان، الجندي والصحفي الذي شهد مذبحة الدوايمة، والذي لاحظ بأن عمليات القتل كانت جزءًا من “منهج منظم للطرد والتدمير”.
وكتب يقول إن المنطق من وراء ذلك كان: “كلما قل عدد العرب الباقين كان أفضل”.
ومن بين المذابح التي ارتكبت بحق الفلسطينيين وطالما أنكرها الإسرائيليون تلك التي وقعت في الطنطورة، على الساحل جنوب حيفا. خرجت حكايتها إلى النور من جديد في وقت مبكر من هذا العام بعد بث فيلم إسرائيلي جديد تضمن شهادات لجنود سابقين أقروا فيها بارتكاب المجزرة.
يعي كاتس وديان وهنغفي ماذا تعني كلمة النكبة بالنسبة للفلسطينيين ويدركون أيضًا أن الرواية الفلسطينية للأحداث التي وقعت في 1948 أكد الأرشيف صدقها.
النكبة – بالنسبة لهم كما هي بالنسبة للفلسطينيين – تعني الإرهاب العسكري الذي مورس لطرد السكان الفلسطينيين من المناطق التي رغبت إسرائيل في أن يستعمرها اليهود، أو المناطق التي كان يراد تهويدها بحسب المصطلح الرسمي الإسرائيلي. ولذلك فإن التهديد بنكبة جديدة يعني التهديد بموجة أخرى من التطهير العرقي ضد الفلسطينيين سواء من كانوا تحت الاحتلال أو من كانوا ضمن الأقلية التي تعيش داخل إسرائيل بحقوق مواطنة مختزلة جدًا.
من خلال التهديد بنكبة جديدة يؤكد كاتس وديان وهنغفي ببساطة أن الزعماء الإسرائيليين، وعلى الرغم من كل الادعاءات، كانوا يعلمون طوال الوقت ما الذي تعنيه النكبة، وأنهم كانوا باستمرار يوافقون على الغاية منها، ألا وهي ممارسة التطهير العرقي ضد الفلسطينيين.
والمفارقة هنا هي أنه بينما تندد إسرائيل بالفلسطينيين وأنصارهم وتتهمهم بالكذب لحديثهم عن النكبة، ها هم المسؤولون فيها يستدلون هم أنفسهم بالنكبة باعتبارها حدثًا حقيقيًا يمكن أن يتكرر فيما لو رفض الفلسطينيون الإذعان بشكل كامل.
لغة استئصالية
لا ينبغي أن يفاجئنا ذلك. ففي نهاية المطاف، لم يتوقف هدف الطرد عند أحداث عام 1948 – وهو ما يدفع الفلسطينيين إلى الحديث عن “نكبات مستمرة”.
بل يستخدم المسؤولون الإسرائيليون بشكل منتظم لغة من النوع الاستئصالي، ومن ذلك ما صدر عن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق موشيه يعالون، الذي شبه التهديد الذي يشكله الفلسطينيون بالسرطان الذي لا مفر من استئصاله ومحاربته حتى النهاية”.
كما صنفت وزيرة الداخلية الإسرائيلية الحالية، أييلت شاكيد، جميع الفلسطينيين باعتبارهم “محاربين معادين” – وهو مصطلح يفيد بأنهم أهداف عسكرية مشروعة. وتحدثت عن الفلسطينيين الذين يقاتلون ضد الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عقود باعتبارهم “ثعابين” وأشارت إلى أن عائلاتهم بأكملها يمكن أن تباد، بما في ذلك أمهاتهم، وإلا فإن “ثعابين صغيرة أخرى سوف تنشأ وتترعرع ههنا”.
بل إن الحاخامات في إسرائيل أكثر صراحة. ولقد ألف اثنان منهم كراسًا مثيرًا بعنوان “توراة الملك”، يثبتان فيه أن قتل الفلسطينيين مباح، بما في ذلك الرضع منهم، لأنه “من الواضح أنهم حين يكبرون فسوف يضروننا”. ومع ذلك فإنه لم يواجه أي منهم بمساءلة أو محاسبة.
“أنجز المهمة”
لا توجه مثل تلك التصريحات المتوعدة حصريًا إلى الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة. بل إن من المثير للانتباه أن التهديدات الأخيرة بارتكاب نكبة جديدة كانت تستهدف بشكل أساسي مواطني إسرائيل الفلسطينيين الذين يصل تعدادهم إلى ما يقرب من 1.8 مليون نسمة، والذين تزعم إسرائيل زورًا أنهم ينعمون بحقوق متساوية لتلك التي يتمتع بها المواطنون اليهود.
هؤلاء المواطنون الفلسطينيون هم ذرية الأعداد القليلة من الفلسطينيين الذين تمكنوا من تجنب الطرد في عام 1948 – إما خطأ أو بسبب الضغط الدولي.
تجسيدًا للنشاز المعرفي لدى الإسرائيليين بشأن هذه القضية، استدل المؤرخ بيني موريس بوجود الأقلية الفلسطينية في إسرائيل لإثبات أن النكبة كانت كذبة وأن إسرائيل لم تقصد بتاتًا ممارسة التطهير العرقي ضد الفلسطينيين.
وفعل ذلك حتى وهو يأسى لأن بن غوريون جبن أثناء حرب 1948 وتردد، فأخفق في طرد الفلسطينيين عن بكرة أبيهم.
وهو في ذلك يشاطر السياسيين اليمينيين المتطرفين، مثل بتسلائيل سموتريتش – وهو وزير حكومي سابق آخر، مشاعرهم. وفي العام الماضي، وقف سموتريتش مخاطبًا أعضاء البرلمان الممثلين للأقلية الفلسطينية يقول لهم: “لقد أخطأ بن غوريون حينما لم ينجز المهمة ولم يلق بكم إلى الخارج في 1948”.
وفي مناسبة أخرى لم يخف سموتريتش تهديده المبطن بالطرد حين قال: “العرب مواطنون في إسرائيل، حتى الآن على الأقل”.
الوقوع في المصيدة
مثل هذه التهديدات أبعد ما تكون عن الخمول، فخلال العقود الأولى منذ قيامها، استمرت إسرائيل سرًا في طرد التجمعات المستضعفة من المواطنين الفلسطينيين، مثل البدو في النقب، وخططت لطرد المزيد.
وارتكبت قوات الأمن الإسرائيلية مذبحة مبكرة بحق المواطنين الفلسطينيين، ما من شك في أن الهدف منها كان دفعهم نحو المغادرة. ونفذت إسرائيل تمرينًا عسكريًا سريًا واحدًا على الأقل بهدف الاستعداد لسيناريو يتضمن طردًا جماعيًا للأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل.
واقترح بعض كبار السياسيين الإسرائيليين خططًا مبهمة لانتزاع الجنسية الإسرائيلية من معظم أفراد الأقلية الفلسطينية وحرمانهم من حق العيش داخل دولة إسرائيل.
بالإضافة إلى التصريحات الصادرة عن كاتس وديان، لم يفتأ السياسيون الإسرائيليون – بما في ذلك حتى رؤساء وزراء سابقون مثل نتنياهو – يحرضون ضد المواطنين الفلسطينيين بنفس القدر والشكل الذي يحرضون فيه ضد الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال، بل ووصفوهم بأنهم إرهابيون ومجرمون.
يحدث كل ذلك بينما تتسع دائرة نفوذ المستوطنات الإسرائيلية داخل المناطق المحتلة، وبينما يواجه الفلسطينيون في الضفة الغربية ضغوطًا وعنفًا أكبر لحملهم على ترك ديارهم والتخلي عن وطنهم.
وإذ يحظر على الفلسطينيين فعليًا الإشارة علانية إلى النكبة وقد يحظر عليهم قريبًا حتى التلويح بالعلم الفلسطيني في الأماكن العامة، يتمكن الإسرائيليون من دخول الأحياء الفلسطينية وهم يهتفون: “الموت للعرب” وكذلك “فلتحترق قريتكم”.
في واقع الأمر، كما ألمح إلى ذلك كاتس وديان في ما صدر عنهما مؤخرًا من تصريحات، يجد الفلسطينيون أنفسهم داخل مصيدة. فهم إذا ما سعوا للتأكيد على هويتهم الوطنية، أو حتى على حقوقهم الأساسية مثل التلويح بالعلم الفلسطيني، فإنهم يجازفون بتوفير المبرر لإسرائيل حتى تطردهم عنوة، حتى ترتكب نكبة أخرى بحقهم.
ولكن إذا التزموا الصمت، كما يطالبهم بذلك كاتس وديان، فإن إجراءات التطهير العرقي بالتراكم، أو النكبة الثانية، تستمر على أية حال، وإن كان بهدوء أكبر قليلًا.
ويدفع الفلسطينيون الثمن في كل الأحوال بينما تستمر إسرائيل بلا هوادة في سياسة النكبة.