الاحد 17 يوليو 2022 14:28 م بتوقيت القدس
وصف المُستشرِق الإسرائيليّ، د. تسفي بارئيل زيارة الرئيس الأمريكيّ، جو بايدن، إلى السعودية كما حدث في قصّة إذلال كانوسا أوْ السير إلى كانوسا، وهو مصطلح يشير إلى رحلة هنري الرابع رأس الإمبراطورية الرومانية المقدسة من شباير إلى قلعة كانوسا، وقعت هذه الأحداث حوالي كانون الثاني (يناير) من عام 1077 خلال صراع التعيين السياسي الذي شهد تصادم سلطة الكنيسة بقيادة البابا غريغوري السابع بسلطة الإمبراطور هنري الرابع، حيث من أجل أنْ يرفع البابا حرمان هنري الرابع كنسيًا، أُجبر الأخير على التذلل منتظرًا على ركبتيه لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال أمام بوابة دخول قلعة ماتيلدي، وقد هبت فجأة عاصفة ثلجية.
د. بارئيل، أكّد في تحليلٍ نشره بصحيفة (هآرتس) العبريّة إنّ القضية المركزيّة التي استحوذت على اهتمام وسائل الإعلام في الأيّام الأخيرة هل سيكتفي بايدن بمصافحة وليّ العهد، محمد بن سلمان، عن بعدٍ، أوْ أنّه بلطفه سيقوم بمعانقة ابن سلمان، وهو الذي اتهمه التقرير الصادر عن المخابرات الأمريكيّة بالمسؤولية المُباشرة عن قتل الصحافيّ السعوديّ، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في تركيّا عام 2018، طبقًا لما قاله المُستشرِق.
واشنطن بعد زيارة بايدن للسعوديّة: استقلالها عن نفط الخليج ما زال بعيدًا
د. بارئيل كشف زيف الإدعاءات الأمريكيّة حول هدف الزيارة، بأنّها تهدِف لإقامة حلفٍ إقليميٍّ لمُواجهة إيران، ولكن الحقيقة، أضاف، أنّ بايدن ما كان سيُكلّف نفسه عناء زيارة المملكة السعوديّة، وهي الدولة التي تعهّد بتحويلها لدولةٍ منبوذةٍ، لولا ارتفاع أسعار النفط في العالم نتيجة للحرب الروسيّة-الأوكرانيّة، واضطرار المواطنين الأمريكيين لدفع أكثر من خمسة دولارات مقابِل غالون النفط (غالون يُعادِل 3.78 ليتر)، كما قال.
علاوة على ذلك، شدّدّ المُستشرِق على أنّه قبل حوالي ثلاث سنوات، احتفلت الولايات المُتحدّة بالاستقلال من الطاقة وتحوّلت إلى دولةٍ مصدرةٍ للنفط ومنتجاته، ولكنّها اليوم، مرّةً أخرى تحتاج إلى النفط والغاز من الدول العربيّة، وعلى نحوٍ خاصٍّ من المملكة السعوديّة (المنبوذة)، وهذه المرّة، أكّد د. بارئيل، ليس البيت الأبيض هو الذي يُقرر الإنذار النهائيّ، بل بالعكس، ابن سلمان هو الذي يُقرر قائمة أسعار النفط، ولذا فإنّ حقوق الإنسان؟ مقتل خاشقجي؟ دمقرطة المملكة؟ تمّ وضعهم عميقًا في الدرج (الجارور)، ذلك لأنّه أولاً وقبل كلّ شيءٍ، يتحتّم على بايدن أنْ يقيم جدار أمنٍ اقتصاديٍّ للسوق الأوروبيّ، ومن الناحية الأخرى، عليه أنْ يُهدئ من قلق وروع الناخبين الأمريكيين، الذي سيذهبون لصناديق الاقتراع بعد أربعة أشهر للمُشاركة في الانتخابات النصفيّة بالولايات المُتحدّة، على حدّ تعبيره.
إعلان الرياض عن زيادة إنتاج النفط من شأنه تبريد هستيريا أسعار النفط
وشدّدّ المُستشرِق الإسرائيليّ على أنّه حتى ولو تتمكّن السعوديّة فورًا من أنْ تكون بديلاً للنفط الروسيّ الذي يتّم تزويد أوروبا به، فإنّ إعلانها عن زيادة إنتاج النفط من شأنه تبريد وتخفيف هستيريا أوْ جنون أسعار النفط، لافتًا إلى أنّه في ظروفٍ أخرى، كان كافيًا أنْ يقوم الرئيس الأمريكيّ بإجراء مكالمةٍ هاتفيّةٍ لإنهاء الأزمة، ولا يُرهِق نفسه بأنْ يمتثل شخصيًا في درجة حرارةٍ تصل إلى 37 درجة، في مدينة جدّة، وأنْ يُصافِح ابن سلمان، ومن حُسن حظّ بايدن أنّه لم يصِل الرياض، حيث وصلت الحرارة إلى 42 درجة، كما قال.
بالإضافة إلى ما ذُكِر أعلاه، أكّد المُستشرِق أنّ القطيعة السياسيّة بين واشنطن والرياض، أوْ بين بايدن وبن سلمان، أوجد شراكةً اقتصاديّةً بين السعوديّة وروسيا، هذه الشراكة التي توسّعت في السنوات الأخيرة، لافتًا إلى أنّ الخطّة السعوديّة لشراء أسلحةٍ روسيّةٍ ورفضها الانضمام للعقوبات الغربيّة التي تمّ فرضها على روسيا بعد “غزوها” لأوكرانيا ساهما إلى حدٍّ كبيرٍ في انتقال العلاقات السعوديّة-الروسيّة إلى مستوى غير مسبوقٍ، على حدّ قوله.
السعوديّة لن تُشارِك في حربٍ ضدّ إيران
المحلل لفت إلى أنّ هناك فرقًا كبيرًا بين موافقة الدول الخليجيّة على التعاون في إقامة منظومة ضدّ الصواريخ الإيرانيّة، وبين رفضها الجارِف للمُشاركة في معركةٍ عسكريّةٍ ضدّ إيران، والتي من شأنها أنْ تقود المنطقة والعالم إلى حربٍ ستكون نتائجها كارثيّةً ومأساويةً، وشدّدّ على أنّ سماح السعوديّة للحجاج من الداخل الفلسطينيّ، الذين يحملون جوازات السفر الإسرائيليّة بالوصول إلى مكّة المُكرّمة برحلةٍ مباشرةٍ من تل أبيب إلى الرياض، لا تعني بأنّها ستُوافِق على إرسال مقاتلاتها الحربيّة لضرب طهران، كما قال.
وخلُص إلى القول إنّ النفط والغاز الإيرانييْن لا يُمكنهما أنْ يكونا بديلاً لروسيا، مُشيرًا إلى أنّ دول الاتحاد الأوروبيّ بدأت بإجراء حساباتٍ حول تأثير انخفاض أسعار النفط والغاز في حال إلغاء العقوبات على إيران، ناقلاً عن دبلوماسيٍّ أوروبيٍّ قوله إنّ اليوم لا يوجد أيّ سببٍ للبدء بمعركةٍ عسكريّةٍ ضدّ إيران بسبب برنامجها النوويّ، ولذا فإنّ إسرائيل بقيت الوحيدة التي تُهدّد باللجوء للخيار العسكريّ لأنّ الدول الصديقة لها في الشرق الأوسط، وفي أوروبا وحتى بالولايات المُتحدّة، وطبعًا روسيا والصين، ليست شريكةً في تعريف إيران كـ”تهديدٍ واضحٍ وفوريٍّ”، كما تؤكّد إسرائيل، كما أنّ بايدن نفسه يعرف أنّ تأثير إلغاء العقوبات على إيران سيُساهِم إلى حدٍّ كبيرٍ في تقرير سعر النفط والغاز بالولايات المُتحدّة أيضًا، على حدّ قوله.
الولايات المتحدة توقفت منذ زمن عن الدفاع بذاتها عن حلفائها
إلى ذلك، قال البروفيسور إيلي فوده، أكاديمي وباحث في الجامعة العبرية، والبروفيسور أون فينكلر، أكاديمي وباحث في جامعة حيفا، في مقالٍ مُشتركٍ نشراه على موقع القناة الـ12 بالتلفزيون العبريّ، قالا:”لفتت زيارة بايدن إلى إسرائيل والسعودية نظر وسائل الإعلام في إسرائيل إلى التقارب المتوقع بين الدولتين، ولكن هذه النظرة، همّشت السبب الأساسي الكامن وراء زيارة الرئيس الأمريكيّ جو بايدن إلى الدولتين، فبالأساس، الهدف الأساسي من الزيارة هو أسعار النفط، والوضع الاقتصادي العالميّ”، كما أكّدا.
وأضافا أنّ:”الولايات المتحدة توقفت منذ زمن عن الدفاع بذاتها عن حلفائها، ولا يتوقع أحد أنْ تتدخل الولايات المتحدة عسكريًا في الموضوع الإيراني، وبصورةٍ خاصّةٍ بعد ردها الضعيف على اجتياح أوكرانيا، وعلى الرغم من ذلك، فإن الولايات المتحدة تستطيع اقتراح تحالُف دفاعي إقليمي ضد إيران وأذرعها”، طبقًا لأقوالهما.
ولفتا إلى أنّ هدف زيارة بايدن هو”ترميم العلاقات مع السعودية، ومع محمد بن سلمان تحديدًا، بعد الضرر الذي لحق بالعلاقات في أعقاب اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، والذي يُنسب إلى ولي العهد السعودي. وعمليًا، الزيارة تهدف إلى إقناع السعوديين بالعودة إلى لعب دور “الكبير الناضج” في سوق النفط، حتى ولو جاء هذا على حساب تقليل دخل السعودية، من أجل تحقيق مصالح الغرب، وخصوصًا الولايات المتحدة”، وفق أقوالهما.