قال المعلق إيشان ثارور في تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” إن ارتفاع معدلات التضخم منذ عدة أشهر قد أدى لاضطراب الدول الفقيرة والغنية على حد سواء.
فزيادة كلفة المعيشة التي وصلت إلى أعلى معدلاتها منذ 40 عاما هي نتاج مجموعة من المشاكل التي تراكمت بسبب وباء فيروس كورونا الذي عطل سلاسل التوريد والطاقة وما تبع ذلك من الحرب التي أعلنتها روسيا في أوكرانيا.
وكان أثرهما عميقا وبتداعيات بعيدة. وتعاني بعض الدول من انكماش في النمو الاقتصادي، وبالنسبة للدول الأخرى مثل الولايات المتحدة، فمنظور الركود ليس بعيدا عن الزاوية. وتستعد أوروبا العالقة في مشكلة اعتمادها على الغاز الطبيعي الروسي لشتاء قارس أو “شتاء اليأس”.
وتحذر وكالات الإغاثة الدولية والمسؤولين في الأمم المتحدة من الجوع الذي سيلاحق الكرة الأرضية، في وقت ترتفع فيه أسعار المواد الأساسية والتي أصبحت خارج قدرة عشرات الملايين من البشر.
وقادت دوامة الاقتصاد الكلي العالمي لانهيار الاقتصاديات النامية المثقلة بالديون مثل سريلانكا، فيما تجد دول أخرى مثل زامبيا ولاوس وباكستان نفسها على حافة الانهيار.
لكن الوقت الحالي يمثل العصر الذهبي لشركات الوقود الأحفوري. وقدمت التقارير عن الربع الثاني لعام 2022 أرقاما مثيرة للدهشة، فقد حصلت شركة النفط “بي بي” على أرباح في الربع الثاني تصل إلى 6.5 مليارات دولار وهو أكبر عائد منذ 14 عاما. أما “إكسون موبيل” فقد حصلت على أكثر من 17.9 مليار دولار وهو أكبر مبلغ تكسبه شركة في ربع من العام.
وسجلت شركات مثل “شيفرون” الأمريكية و”شل” ومقرها لندن والفرنسية “توتال أنريجيز” أرقاما عالية جدا. ولو وضعنا مكاسب الشركات الخمس معا، فقد حققت 55 مليار دولار في الربع الثاني، في وقت عانى فيه مئات الملايين حول العالم من تداعيات زيادة الأسعار.
والأمر لا يتعلق بالنفط والغاز ولكن الفحم الحجري والتي يحاول الناشطون في مجال التغيرات المناخية إغلاقها، فقد ولدت “غلينكور”، أكبر شركة شحن فحم حجري في العالم أرقاما قياسية في النصف الأول من عام 2022، وتخطط لدفع 4.5 مليارات دولار إضافية في توزيعات الأرباح وإعادة شراء المساهمين.
ويرى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن هذا الوضع بغيض. وفي تصريحات أدلى بها الأسبوع الماضي شجب فيها شركات الطاقة لزيادة الأسعار في وقت أزمة عالمية وحث الحكومات على فرض ضرائب قاسية ضد هذه الشركات.
وقال إن “مراكمة شركات الطاقة والغاز أرباحا قياسية من أزمة الطاقة الحالية، وعلى ظهور الفقراء والمجتمعات وبثمن باهظ للبيئة، أمر غير أخلاقي”، حيث لعب دوره في تحذير العالم من الأزمة ومطالبته الحكومات بالحد من الانبعاثات الحرارية. وقال: “هذا جشع فظيع، يعاقب الفقراء والضعاف ويدمر بيتنا الوحيد”.
وحاولت الدول، الأوروبية منها تحديدا لزيادة الأموال من الشركات التي حققت أرباحا ضخمة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. فالحكومة الإيطالية أعلنت أن عائداتها الضريبية بنسبة 25% من شركات الطاقة لم تحقق ما توقعته، حيث رفضت بعض الشركات الدفع على ما يبدو. ويتوقع توزيع الأموال لمساعدة العائلات التي تكافح لتأمين لقمة العيش والمحلات التجارية والأعمال الصغيرة.
وفي الشهر الماضي، دفعت حكومة المحافظين البريطانية بخط 25% عوائد ضريبية من الشركات العاملة في بحر الشمال والتي يعتقد المسؤولون أنها ستعمل مع 5 مليارات جنيه إضافي في العام المقبل على مساعدة البريطانيين العاديين لكي يدفعوا فواتير الكهرباء والطاقة.
ورأى حزب العمال المعارض أن الخطوة غير كافية، ويريد حزب العمال إلغاء مزيد من الإعفاءات الضريبية والإعانات لشركات النفط.
لكن نظراءه المحافظين على الجانب الآخر من الأطلنطي هم أكثر حماية لشركات النفط. فخطة الديمقراطيين للحد من التلاعب بالأسعار وفرض حد من الضريبة المفاجئة على الشركات الأمريكية تواجه معوقات، حيث يعارض الجمهوريون في مجلس الشيوخ فرض أي قيود على صناعة النفط.
ويؤكد مدراء شركات النفط أنهم يقومون باستثمار جزء من أرباحهم في مشاريع تخدم التحول نحو الطاقة النظيفة. ويقترح بعض خبراء النفط أن الربحية في مجال الطاقة هي دورية ومرتبطة بسوق النفط المتقلب. ويقول بافيل مولانجوف من بنك رايموند جيمس الاستثماري: “تستمتع صناعة النفط بمستويات من الربح، ولكنها كانت قبل عامين وبسبب الوباء تواجه انهيارا على قاعدة ملحمية”. ويناقش دعاة البيئة أن تضخم الأرباح في العام ونصف العام الماضي والبطء في مجال تحول الطاقة كلها جزء من خطة لشركات الوقود الأحفوري التي أنفق الكثير منها كميات كبيرة من المال على جماعات الضغط للدول العشرين للحد من حجم وسرعة فرض سياسات ضد الانبعاثات الكربونية.
وكتبت تيزبورا بيرمان في ” الغارديان”: “من الناحية النظرية تم تصميم سياسات البيئة ولعقود من أجل تخفيف الطلب على الوقود الأحفوري وزيادة أسعار الكربون وشحن السوق بالبدائل مثل الطاقة المولدة من الريح والشمس التي تعتبر أرخص من النفط، مما سيحد من الإمدادات” و”لكن هذا لا يحدث بسرعة كافية لعدم وجود آلية في الوقت الحالي لمواجهة الإعفاءات الضريبية والتكتيكات التي تعمل على التأخير وتشوه الأسواق”.
وما يعتبر نعمة لمساهمي شركات النفط هو بمثابة نقمة لملايين الناس حول العالم. وبحسب بيانات الأمم المتحدة، فقد زادت أسعار المواد الغذائية بنسبة 50% منذ كانون الأول/ ديسمبر 2019، وقبل بداية الوباء. وزاد سعر النفط الخام منذ بداية العام الحالي بنسبة 26% وزادت بالتالي أسعار الشحن العالمي بنسبة 22%.
وحتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا قدرت وكالات الأمم المتحدة أن حوالي 828 مليون نسمة، أي عشر سكان الكرة الأرضية لم يحصلوا على التغذية الكافية في 2021. واليوم هناك 50 مليون نسمة في 45 دولة يقفون على حافة المجاعة، حسب برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، مع توقعات تدهور الظروف بنهاية الصيف في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية.
وقال غوتيريش الأسبوع الماضي إن “ميزانيات البيوت في كل مكان تعاني من زيادة أسعار الطعام والنقل وأسعار الطاقة الناجمة عن التغيرات المناخية والحرب”، وهو ما يهدد بأزمة مجاعة للناس الفقراء جدا وتخفيض في المواد الغذائية ممن يعتمدون على دخل عادي.