الجمعة 26 اغسطس 2022 14:04 م بتوقيت القدس
لقد ظهرت فينا آفة تدعو إلى العنف ومشتقاته وهي تتستر بقناع الفن، حيث بدأنا نسمع عن مغنين باتوا يحيون حفلات أعراس في الداخل الفلسطيني وفي الضفة الفلسطينية، وباتوا يبيحون لأنفسهم خلال وصلات غنائهم أن يدعوا عبر كلمات غنائهم إلى تناول المخدرات والمسكرات، وإلى ممارسة الزنا ومشتقاته، وإلى الشروع بالقتل!! هكذا بكل صراحة ووضوح، وبات بعض هؤلاء المغنين يقف على منصة العرس وهو يحمل قطعة سلاح تدعى (إم 16)، وبات يغني ويدعو إلى كل هذه الموبقات وهو يهز قطعة السلاح هذه بيده، لا بل إن بعض هؤلاء المغنين بات يقول صراحة قبيل الشروع بالغناء: ليتقدم الصفوف من يتناولون المخدرات!! هكذا بهذه الجرأة كي يثير مشاعر الشباب الذين يصفقون له بحماسة تصل إلى حد الجنون!! وهذا يعني مع شديد الأسف أن هذا الصنف من المغنين باتوا يحظون باستقبال حافل من قبل جمهور الشباب المشاركين في هذا العرس أو ذاك!! وبات هؤلاء الشباب المُغرر بهم يستقبلون هؤلاء المغنين بالتصفيق الحار والصفير والمكاء والتصدية، لدرجة أنهم باتوا يرفعون بعض هؤلاء المغنين على أكتافهم، وباتوا يطوفون بهم في ساحة العرس، فضلا عن أنهم باتوا يدفعون لهم الأموال الطائلة، بل إن بعض جمهور هؤلاء الشباب باتوا يصعدون إلى المنصة ويدسون في جيب هؤلاء المغنين الأوراق المالية الكثيرة ذات القيمة العالية!! علما أن هؤلاء المغنين باتوا يدعونهم صراحة إلى تناول الحشيش والأفيون وإلى معاقرة الخمرة حتى الثمالة وإلى ممارسة الزنا ومشتقاته وإلى الاستهانة بالقتل!! وأنا شخصيا شاهدت بعض الأشرطة لصورة هؤلاء المغنين وأصواتهم وهم يدعون عبر غنائهم إلى كل هذه الموبقات!! وللوهلة الأولى لم أصدق ما رأت عيناي، وظننت أنها مجرد لقطات من أفلام سينمائية، ولكن أكّد لي أهل الثقة- مع شديد الأسف- أنها لقطات لهؤلاء المغنين الذين يحيون أعراسا في النقب والمثلث والجليل والمدن الساحلية والضفة الفلسطينية، ومع لفت الانتباه أن بعض هؤلاء المغنين من الداخل الفلسطيني وبعضهم من الضفة الفلسطينية، ومع لفت الانتباه- كما سمعت- أن موسى الحافظ ابن الضفة الفلسطينية حاول أن يردع هؤلاء المغنين من أبناء الضفة الفلسطينية عمّا يستبيحونه لأنفسهم من الدعوة إلى هذه الموبقات عبر غنائهم ولما لم يرتدعوا تمّ فصلهم من اتحاد الفنانين الفلسطينيين في الضفة الفلسطينية. وإني لأسجل هذه الملاحظات بكل حزن وأسى وحسرة وعجب:
1- من حق أهل كل عريس أن يفرحوا بعرس ابنهم، ومن حقهم أن يقيموا له حفلا، وأن يتخلل الحفل حداء وغناء، ولكن بشرط أن يدور هذا الحداء والغناء مع ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية، وهل كانت هذه الثوابت تدعو في يوم من الأيام إلى استباحة هذه الموبقات، والرفع من شأنها، والدعوة إلى ممارستها، والسعي إلى إشاعتها، مع العلم سلفا أن كل واحدة من هذه الموبقات هي فاحشة كفيلة أن تفتت المجتمعات وتفكك الاسر وتنشر ثقافة العنف وتشيع الرذيلة والفساد وسوء الأخلاق، فكيف إذا وجدت كل هذه الموبقات أبواقا ملغومة تدعو جيل الشباب بخاصة إلى ممارسة كل هذه الموبقات بلا تردد ولا تلعثم، وكأن فتوة هؤلاء الشباب باتت لا تكتمل إلا إذا مارسوا كل هذه الموبقات!!
2- بناء على كل ما تقدم أتساءل بكل حسرة: ماذا ستكون النتيجة إذا ظل مجتمعنا ساكتا عن هذه الآفة الخطيرة التي تفوق خطورتها جائحة الكورونا ووباء السرطان!! لا سيّما وقد مضى على هذه الآفة الخطيرة سنوات وسنوات وهي تتغلل كالسوس في نسيج مجتمعنا!! مع كل أسفي على حال مجتمعي في الداخل الفلسطيني، ها هي نتيجة هذه الآفة الخطيرة واضحة!! ها هي نسبة الطلاق بدأت ترتفع، وهذا يعني أن نسبة تفكك الأسر بدأت ترتفع، وهذا يعني أن نسبة الأطفال في ضائقة بدأت ترتفع، وهذا يعني أن نسبة التنمر في البيوت والمدارس والشوارع بدأت ترتفع، وهذا يعني أن كل هذه المتوالية من الانهيار بدأت تتحول إلى أرض خصبة للعنف!! وها هي ظاهرة عقوق الوالدين في بيوتنا بدأت ترتفع!! وها هي ظاهرة الحياة المتوترة بين الزوجين أو بين الزوجين والأبناء أو بين الأبناء في البيت الواحد بدأت ترتفع!! وها هي ظاهرة خصومات ذوي القربى ولغة التخوين في الأعراض بدأت ترتفع!! وها هي ظاهرة التدابر بين الجيران والتقاطع بين أبناء الشارع الواحد، والحي الواحد، والحارة الواحدة، والبلدة الواحدة، بدأت ترتفع!! وكل هذا الارتفاع المفزع لم يأتِ من فراغ، بل هو ثمرة فاسدة لحزمة آفات من ضمنها تمدد هذه الآفة الخطيرة على منصات أعراسنا طولا وعرضا، وسط تصفيق بعض شبابنا المُغرر بهم.
3- لصالح من تمتد هذه الآفة الخطيرة فينا؟! ومن المستفيد من وراء تمدّدها؟! ومن هو الرابح من وراء هذه الآفة الخطيرة؟! ومن هو الخاسر؟! إن كل هذه الأسئلة لا تحتاج إلى سياسي حاذق حتى يعلم إجابتها كلها، فالإجابات واضحة، وتكاد أن تعبر عن نفسها، حيث أن المستفيد الوحيد من وراء هذه الآفة الخطيرة، هو من يريد لهذه الموبقات أن تخدرنا، وان تخدر قلوبنا وهمومنا وعزائمنا ومشاعرنا وإرادتنا، وأن تشوه هويتنا وانتماءنا وأشخاصنا، وأن تفسد نفوسنا وتحطم صدرونا وتتلف عقولنا وتوهن أجسادنا ومواقفنا، وأن تفرض قطيعة بيننا وبين جذورنا من جهة، وبيننا وبين أرضنا من جهة ثانية، وبيننا وبين مقدساتنا من جهة ثالثة، وبيننا وبين القدس والمسجد الأقصى المباركين من جهة رابعة، وبيننا وبين شعبنا الفلسطيني من جهة خامسة، وبيننا وبين ملف الشهداء والأسرى من جهة سادسة، وبيننا وبين حق العودة من جهة سابعة، وبيننا وبين حاضرنا ومستقبلنا من جهة ثامنة!! باختصار إن الرابح من وراء هذه الآفة الخطيرة هو من يريد لنا أن نتحول في الداخل الفلسطيني إلى مجرد تجمع عددي مفكك متدابر متناحر، لا يساوي الواحد فينا جناح بعوضة، ولا يفرق بين التمرة والجمرة، ولا بين الأمانة والخيانة، ولا بين العفة والانفلات، وهكذا سنتحول إلى كم بلا كيف، وإلى رقم بلا قيمة، وإلى ظاهرة صوتية بلا عطاء، وإلى محضن للثرثرة السياسية، والثرثرة الإعلامية، والثرثرة الدون كيشوتية، إلا أن نتدارك أنفسنا، وما أسهل علينا أن نتدارك أنفسنا إن أردنا ذلك جادين وصممنا عليه جادين، وعملنا له جادين، وصبرنا على طول طريق التغيير جادين.
4- لكل ذلك إني لأعجب من الأهل الذين يسمحون لهذه الآفة الخطيرة أن تقف على منصات أعراسهم، وأن تخترق عليهم أفراحهم حتى النخاع، ولا يسعني إلا أن أقول لهؤلاء الأهل: سامحكم الله أولا، وهداكم الله ثانيا، وأنقذكم الله مما أنتم فيه ثالثا، ثم أليس فيكم رجل رشيد.
5- ثمّ لكل ذلك، ها هي سفينة لجنة إفشاء السلام تدعوكم لتركبوا فيها إلى بر الأمان والتراحم والتسامح.