عادت قضية المسجد الأقصى المبارك لتتصدر محور التنافس بين الأحزاب الإسرائيلية اليمينية، بغية كسب مزيد من أصوات الناخبين، باعتبارها تشكل هدفًا استراتيجيًا مركزيًا للاحتلال وجماعاته اليهودية المتطرفة، والتي تسعى لبناء “الهيكل” المزعوم فوق أنقاضه.
ومع اقتراب انتخابات الكنيست المقررة يوم الثلاثاء المقبل، تستغل “جماعات الهيكل” المزعوم قضية استهداف الأقصى، وتهويده، كورقة ضغط على الساسة الإسرائيليين في المعركة الانتخابية.
وأظهرت الدعاية الانتخابية زيادة في وعود المرشحين اليمينيين لتهويد مدينة القدس والأقصى، وسط تنافس شديد على تقديم عروض لصالح الجماعات الاستيطانية الأكثر تطرفًا.
ويتفاخر حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو أنه “حقق لمدينة القدس شيئًا كبيرًا عبر نقل السفارات العالمية إلى المدينة المقدسة، باعتبارها عاصمة إسرائيل”.
وخلال الأشهر الماضية، سعى زعيم حزب “ييش عتيد” يائير لابيد، للحاق بنتنياهو عبر حث دول جديدة على الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال، ونقل سفاراتها إليها، وكان آخرها بريطانيا.
ومع كل انتخابات إسرائيلية جديدة للكنيست، تتخذ المخططات والاعتداءات الاحتلالية منحى تصاعديًا خطيرًا وغير مسبوق في سباق المنافسة بين الأحزاب الإسرائيلية، تمهيدًا لتهويد المسجد الأقصى بالكامل.
وتصاعدت الدعوات اليمينية المتطرفة، وخاصة من قبل “حزب الصهيونية الدينية” الذي يتزعمه المتطرف بتسلئيل سموتريتش، وعضو الكنيست المتطرف إيتمار بن غفير، لاتخاذ خطوات أكثر تطرفًا تجاه الأقصى عبر تغيير الواقع فيه، وتقسيمه واقتطاع جزء منه لليهود، والسماح بأداء صلوات تلمودية وإدخال “أدوات مقدسة” داخله.
ويرى مراقبون أن الجماعات اليهودية الدينية والصهيونية العالمية وُظفت لأجل تقسيم المسجد الأقصى أو اقتطاع جزء منه، وخاصة في المنطقة الشرقية، كي تُمهد الطريق أمام هدمه، لصالح إقامة “الهيكل” فوق أنقاضه.
وبحسب المراقبين، فإن الاحتلال لديه خطة ممنهجة ومدروسة لتكريس “سيادته” على الأقصى، ليس فقط عبر تكريس المصطلحات التلمودية والتوراتية، بل عبر تسارع عمليات تهويده، والسعي لتغيير طابعه الديني والقانوني والتاريخي، وتكريس تقسيمه زمانيًا ومكانيًا.
ولم تتوقف الجماعات اليهودية يومًا عن مشروعها لفرض سيادتها الدينية على الأقصى، من خلال العمل على استحضار ما يُسمى بـ”الهيكل المعنوي، وأداء الطقوس والصلوات الجماعية بشكل صامت وعلني وقراءة فقرات من التوراة، والنفخ في البوق، والسجود الملحمي، ومحاولة إدخال القرابين للمسجد”.
سيادة على الأقصى
المختص في شؤون القدس ناصر الهدمي يرى أن “الاحتلال يُوظف قضية الأقصى في سباق الانتخابات، لادعائه أن هيكلًا أسطوريًا كان موجودًا مكان المسجد، وأنه يسعى لاستعادة أمجاده وبنائه مجددًا، وهذا ما يشكل دافعًا سياديًا ودينيًا، بحيث يتم استغلال الدين في هذه القضية لأجل المصلحة السياسية والسيادية فيه”.
ويقول الهدمي في حديث معه: إن” الاحتلال شعر مدى تأثير الأقصى على المجتمع الصهيوني من الناحية السيادية، فهم يرون أن دولتهم تبقى منقوصة السيادة على أرض فلسطين طالما لم تُسيطر على الأقصى بشكل كامل، وفي ظل وجود سيادة أخرى هي من تقرر ماذا يجري بالمسجد”.
و”قبل بضع سنوات كان الاعتداء على الأقصى يُشكل عنصرًا مهمًا في صعود الأحزاب الإسرائيلية بالانتخابات، بسبب وجود تباين وانقسام ما بين مواقف الأحزاب من قضية الاقتحامات، لكن في السنوات الأخيرة أصبحت قضية اقتحام الأقصى والسيطرة عليه ليست قضية دينية فحسب وإنما سيادية أيضًا”. وفق الهدمي.
“هذا التباين في المواقف ما بين بعض الأحزاب حول قضية اقتحام الأقصى تلاشى اليوم، كما يقول الهدمي، وأصبحت كافة الأحزاب تدعو لاقتحامه، وربما هناك تباين بسيط بين أيهما أكثر وقاحة وجرأة في تدنيس المسجد”.
ويرجع الهدمي سبب ذلك إلى “وجود قضايا أكثر أهمية نسبيًا من اقتحام الأقصى تُحدد الأحزاب الإسرائيلية الفائزة بالانتخابات، مثل الأمن، ومنع وصول إيران للقنبلة الذرية، والتطبيع مع العالم العربي”.
حسم المعركة
ويرى أن اقتحام الأقصى ارتبط فعليًا بصعود اليمين المتطرف، الذي أصبح يشكل شريحة واسعة من المجتمع الإسرائيلي، بحيث نكاد نقول أن” كل المجتمع أصبح بات يمينيًا متطرفًا، خاصة في قضية تهويد الأقصى واقتحامه، كما أنه تحول من عقيدة دينية إلى سيادية يسعى لبسط سيادته على المسجد”.
ويضيف أن “الاحتلال لم يتوقف عن اعتداءاته على الأقصى، وشاهدنا كيف كثف من سيطرته على الأقصى من أجل حسم المعركة، وارضاء الجمهور الإسرائيلي، خاصة مع اقتراب الانتخابات والتنافس الشديد ما بين الأحزاب الإسرائيلية على من يستطيع حسم القضية وتقديم أكثر للجمهور الإسرائيلي”.
ويشير إلى أن هناك إجماع واتفاق ما بين الجماعات اليهودية المتطرفة على ضرورة حسم قضية الأقصى، لذلك فإن الصراع أصبح خطيرًا جدًا.
وبحسبه، فإن المسجد الأقصى يشكل بؤرة للصراع وأيقونة وطنية ودينية، ورمزًا للهوية وسببًا لوجود الفلسطينيين على أرضهم، ودفاعهم عنه.
ويؤكد المختص في شؤون القدس أن المسجد الأقصى أصبح مفجرًا للصراع والأحداث في كل مكان، وما نشاهده في الضفة الغربية المحتلة من تصاعد للأوضاع يأتي نتيجة لما يجري بالأقصى.