السبت 05 نوفمبر 2022 08:08 م بتوقيت القدس
رغم ما تقوم به قوات الاحتلال في الضفة الغربية عموما، وفي شمالها خصوصا حيث جنين ونابلس، لكن ظاهرة عرين الأسود ما زالت تسترعي انتباه الأوساط الإسرائيلية، في ضوء ما نفذته من هجمات مسلحة ضد أهداف عسكرية واستيطانية، ورغم ما تلقته من ضربات قاسية في الآونة الأخيرة من خلال الاغتيالات الدامية، لكن القراءات الإسرائيلية تطالب الجيش وأجهزة الأمن بالتروي في نعي هذه الظاهرة، وعدم المسارعة في طي صفحتها.
مع العلم أن انضمام “عرين الأسود” إلى الساحة الفلسطينية كلاعب جديد، جعلها تتحول إلى مركز جذب للشباب الفلسطيني في نابلس، المسماة “دمشق الصغيرة”، و”جبل النار”، وطالما كانت مركز مقاومة للاحتلال، حتى شهدت ولادة “عرين الأسود”، التي تصدرت عناوين الصحف العالمية والإسرائيلية في الأشهر القليلة الماضية، رغم أنه لم يعلن التنظيم رسميا وعلنيا عن تأسيسه إلا في بداية أيلول/ سبتمبر، وتنظيمه عرضا عسكريا في المدينة.
يارون فريدمان المستشرق الإسرائيلي بجامعة حيفا، ذكر أن “العصب الأساسي لعرين الأسود من نشطاء شهداء الأقصى، الذين لا يستمعون لقيادة حركة فتح، كما يضم نشطاء كتائب القسام الجناح العسكري لحماس، وسرايا القدس التابعة للجهاد الإسلامي، ووجود محدود من الجبهة الشعبية، لكن عدد “عرين الأسود” عموما غير معروف، ربما بضع عشرات، في العشرينيات من أعمارهم، ينفذون عمليات مقاومة مسلحة ضد أهداف إسرائيلية، وتوحدوا تحت راية الكفاح المسلح ضد الاحتلال”.
وأضاف في دراسة نشرها موقع زمن إسرائيل، أن “أيديولوجية عرين الأسود تحتوي على نبرة وطنية، لكنها رسائل دينية واضحة بشكل أساسي، وتتمثل بطرد المستوطنين اليهود وتحرير القدس، وشعارهم يتعدى بندقيتين فوق قبة الصخرة، ويظهر أن توحيد الفصائل لا يتحقق إلا بشرط واحد وهو تحرير المسجد الأقصى، وتدل شعاراته على أجندة أقرب لتنظيمات غزة منها إلى الضفة، وتتركز في الجهاد من أجل احتلال فلسطين من البحر إلى النهر”.
وأشار إلى أن “عناصر عرين الأسود يستلهمون بعض أساليب التنظيمات الجهادية، وبعض صفحاتهم على تويتر تحتوي صور الشيخ الشهيد عبد الله عزام، وهذه الرموز تثير الشكوك في أن وراءهم منظمة إسلامية، وقاموا بنشر دعايتهم على تيك توك، وبعد حظره، فتحوا مكانه منصة مشفرة يقدر عدد متابعيها بعشرات الآلاف، مما يشير إلى الشعبية الكبيرة التي اكتسبوها في الشارع الفلسطيني، ومواقع المجموعة على تويتر لا تزال مفتوحة، ويمكن التعرف منها على خصائصهم”.
وأكد أنه “بجانب الشعارات الدينية، هناك عدد غير قليل من مقاطع الفيديو لمسيرة تضامن مع عرين الأسود في عواصم عربية وغربية ومخيمات لاجئين، وجمع التبرعات لهم، ولعل ما يقلق السلطة الفلسطينية أن بعض أعضاء العرين تركوا صفوفها، وهرّبوا الأسلحة من مخازنها، ويتهمونها بالتواطؤ مع الاحتلال، لكن المعطيات المتوفرة تشير إلى وجود منظمة فعلية ترعى العرين بزي رسمي وشعار وميزانية، لكن مصدرها لا يزال غير واضح”.
وأوضح أن “التقديرات الفلسطينية والإسرائيلية، تؤكد أن العرين تغيير في نمط التنظيم الفلسطيني، على أساس التقسيم الجغرافي الإقليمي، وليس على المنظمات، على اعتبار أنه تم إنشاء التنظيم في فضاء سياسي، ويذكرنا العرين إلى حد ما بوحدة الفصائل في “غرفة العمليات المشتركة” في جنين وغزة، مع أن عناصرها لا يرون أفقا لعملية سياسية مع الاحتلال، مما يعني أنهم يتمردون على الجيل السابق الذي فشل في مساراته السياسية، لذلك من السابق لأوانه تأبين التنظيم، ونعيه، وطي صفحته”.
تكشف هذه القراءة الإسرائيلية المطولة لظاهرة “عرين الأسود” أن وسائل السيطرة العسكرية الاحتلالية على المناطق الفلسطينية قد فشلت، بما فيها سياسة العصا والجزرة، بما فيها القمع والاغتيالات، أو الامتيازات الاقتصادية وتصاريح العمل، ولذلك من السابق لأوانه بالنسبة للإسرائيليين الإجابة على سؤال عما إذا كان عرين الأسود ظاهرة عابرة أم دائمة، الزمن وحده سيخبرهم بالإجابة الصحيحة.
مع العلم أن ظاهرة التنظيمات المحلية للشباب الفلسطيني، تُظهر أن الضفة الغربية طنجرة ضغط أمام الاحتلال، مما سيزيد من تحدي منظومته الأمنية وحكومته المقبلة، ورغم ما اتخذه الجيش من إجراءات صارمة للقضاء على عرين الأسود، لكن التجربة أثبتت أن موجة الاغتيالات تخلق رادعا مؤقتا، لكنها تنتج شهداء يشكلون مصدر إلهام للشباب، مع أن الجيل الفلسطيني الأصغر لم يشهد انتفاضتي الحجارة 1987 و2000، ويريد الحصول على فرصته القتالية، ويعتقد أنه سينجح حيث فشل أسلافه.